العدالة الغربية كما نتوقعها.. شيرين أبو عاقلة نموذجا
ليس من المستغرب أبدا أن ينتهي فريق التحقيق الأمريكي إلى النتائج التي توصل إليها في واقعة اغتيال الجيش الإسرائيلي لمراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في شهر مايو/ أيار الماضي، وإعلانه عن وجود أضرار بالغة في المقذوف الناري الذي اغتيلت به الصحفية البارزة حالت دون التوصل إلى نتيجة واضحة بشأنه، وهو الإعلان الذي يعني ما يشبه قيد الجريمة ضد مجهول.
حاول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس شراء الخواطر العربية بالإشارة إلى احتمال تورط الجيش الإسرائيلي في الجريمة، لكن دون أن يدينه حينما قال إن “المنسق الأمني لم يجد أي سبب للاعتقاد بأن هذا كان مقصودًا، بل نتيجة ظروف مأساوية خلال عملية عسكرية بقيادة جيش الدفاع الإسرائيلي ضد فصائل الجهاد الإسلامي الفلسطينية في 11 مايو/ أيار 2022 في جنين، أعقبت سلسلة من العمليات الإرهابية في إسرائيل”.
ولم يقل برايس ما هو السبب وراء قيام الفصائل الفلسطينية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وهو أنهم يطالبون بجلائها عما تبقى من أراضيهم التي تحتلها منذ 1967، مع فك الحصار الخانق المفروض عليهم برا وجوا وبحرا.
عموما عدم الاندهاش من تلك النتائج يعود في الأساس إلى عدم حياد من أوكل إليه التحقيق، حيث وجدنا أن من يرعى القاتل هو نفسه من يقوم بدور القاضي، فضلا عن أن كل تاريخ هذا القاضي معنا وفي كل الوقائع الأخرى المماثلة كان دائما انحيازا فاضحا للآخر.
وقد جاءت الطامة حينما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ران كوخاف أنه تم إخضاع الرصاصة لاختبار باليستي في مختبر الطب الشرعي الإسرائيلي من قبل هيئات مهنية إسرائيلية حضرها ممثلون محترفون من USSC، من أجل تحديد السلاح الذي أطلقت منه.
وبثير هذا التصريح الكثير من السخرية؛ فرغم أن إسرائيل هي المتهمة الوحيدة في الجريمة فإن اللجنة الأمريكية سلمتها الرصاصة التي اغتيلت بها شيرين أبو عاقلة لتجري تحقيقات حولها.
ولأنهم أعطوا القط مفتاح الكرار، خرج المتحدث ليقول إنه في ضوء حالة الرصاصة ونوعية العلامات الموجودة عليها فقد تبين أنه لا يمكن تحديد ما إذا كانت قد أطلقت من السلاح الذي تم اختباره أم لا!!
ويبقى السؤال الأخطر وهو أنه طالما أن المقذوف وقع تحت يد جيش إسرائيل فما المانع من تبديله أو تزييفه أو الإمعان في طمس معالمه، تحرّزًا من وصوله إلى جهات تحقيق دولية؟ ولماذا كانت أمريكا تضغط على السلطة لتسلّمه منها؟ ولماذا استجابت السلطة؟ وهل هناك شيء تحت الطاولة؟
وهناك نقطة غاية في الأهمية وهي أن هناك جهة اختصاص تمتلك الشرعية الكاملة لإجراء التحقيقات في مثل هذه القضايا وهي النيابة العامة التابعة للسلطة الفلسطينية التي وقعت الجريمة في الأراضي الخاضعة لها، وبما أن حكومات العالم بما فيه أمريكا تعتد نتائج التحقيقات النيابية في أي بلد في العالم، فإنه ينبغي لها أيضا الاعتداد بنتائج التحقيقات التي تقرها النيابة الفلسطينية.
وها هي النيابة العامة الفلسطينية ترد على التقرير الأمريكي بقولها إن “أحد عناصر القوات الإسرائيلية أطلق عيارا ناريا أصاب شيرين، بشكل مباشر في الرأس، أثناء محاولتها الهرب، مما أدى إلى تهتك الدماغ، والتقارير الفنية الموجودة لدينا تؤكد أن الحالة التي عليها المقذوف الناري قابلة للمطابقة مع السلاح المستخدم”.
وجاء في تقريرها الفني أن الطلقة من عيار 5.56 ملم، وله علامة وخصائص تطابق سلاح قنص نصف ناري يستخدمه الجيش الإسرائيلي من ماركة “مني فورتي روجر”، وأنها تحتوي على “جزء حديدي خارق للدروع”، وقد اخترقت ذراع خوذة القتيلة، واصطدمت بالجمجمة، وأن إطلاق النار جاء من نقطة ثابتة بشكل مباشر من الناحية الجنوبية، حيث تمركزت القوات الإسرائيلية، ولم تكن هناك أي مواجهات مسلحة في مكان الحدث.
وأضافت أنها هي السلطة المختصة بإجراء التحقيق، وأن أي تحقيقات تجريها أي جهات أخرى ليست ملزمة لها قانونًا، وستلجأ للجنائية الدولية.
هذه هي نتائج التحقيقات الفلسطينية، ويجب على الجهات الأمريكية والغربية التعامل معها بالجدية الواجبة، حتى لا ترسب العدالة الغربية مجددا في الامتحانات الفلسطينية المتكررة، وتهدر قيمها الديمقراطية التي تتباهى بها على حسابات السياسة الدولية والمصالح الخاصة.
على العموم فالنتيجة التي قررت أمريكا أن تنهي بها المشهد كانت متوقعة منذ البداية، وكل فلسطيني يعلم تماما أن حق أي شهيد فلسطيني لن تعيده محاكم دولية.
وسوم: العدد 989