ما هي المجموعات الجهادية المسلحة الكبرى التابعة لتنظيم القاعدة في أفريقيا؟

يعود تاريخ تأسيس تنظيم القاعدة إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي في المناطق الحدودية الأفغانية الباكستانية؛ وقد تشكل التنظيم أول ما تشكل من فلول جيش المتطوعين العرب الذين ذهبوا لقتال الاتحاد السوفييتي سابقاً، بعد أن غزا أفغانستان واحتلها.

وتنظيم القاعدة هو المهدد الأمني الأول في الغرب، منذ أن نجح في شن سلسلة من الهجمات الأكثر جرأة وتعقيداً ونجاحاً، والتي دفعت الكثيرين من المؤمنين بالعنف للانضمام إلى صفوفه.

خريطة التنظيم

بعد أن تمكنت المخابرات الأمريكية من اغتيال أيمن الظواهري الزعيم الإيديولوجي لتنظيم القاعدة يوم الثاني آب/أغسطس 2022 أصبح المهتمون بقضايا الإرهاب والعنف المسلح، يطرحون الأسئلة عن خريطة وجود تنظيم القاعدة، وعن فروعه عبر العالم.

والواقع أنه من الجزائر مرورا بمالي والنيجر، إلى الصومال، تتعدد اليوم المجموعات الجهادية المسلحة التي تنسب نفسها لتنظيم القاعدة المتمركز في مرتفعات أفغانستان وباكستان.

وقد تمكن تنظيم القاعدة تحت إمرة أيمن الظواهري من جذب العديد من المجموعات المسلحة عبر القارة الأفريقية، ومن إدراجها تحت سلطته وقيامها بمبايعة زعيمه.

ويعتبر تنظيم القاعدة اليوم أبرز تنظيم جهادي مسلح في العالم، أمام منافسه الشرس تنظيم الدولة الإسلامية.

مصادر مالية ثلاثة

وحسب تأكيدات لمنظمة بحوث وتحليل الإرهاب «TRAC» فإن تنظيم القاعدة يعتمد في الناحية المالية على موارد ثلاثة، هي، وفقا للمصادر، نشاط الإتجار بالبشر المسمى بالهجرة غير الشرعية، والتي قُدِّرت عائداتها السنوية على التنظيم، بمليار دولار أمريكي.

وقد ظلَّ تنظيم القاعدة وحده يستولي على ما يقرب من 70 في المئة من هذه العائدات، قبل أن يزاحمه تنظيم الدولة بسيطرته على الحلقة الأهم في المسار (الشواطئ الشمالية لليبيا).

أما المصدر المالي الثاني للتنظيم فهو تهريب المخدرات الآتية من دول أمريكا اللاتينية إلى أوروبا عبر دول غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي، ويدرُّ هذا النشاط دخلا متوسطًا سنويًّا يُقدَّر بمليار و328 مليون دولار أمريكي يذهب منها 14 في المئة إلى تنظيم القاعدة كإتاوة يدفعها تجار المخدرات للتنظيم الذي يسيطر على ممرات التهريب بالمنطقة.

وتشكل الفدى المالية المدفوعة مقابل تحرير الرهائن الغربيين المصدر المالي الثالث للتنظيم، حيث يقدر ريع تحرير الرهائن بخمسين مليون دولار للسنة.

وتؤكد منظمة بحوث وتحليل الإرهاب «أن مقاتلي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يجمعون بين خطف الأوروبيين وتهريب الأشخاص والسجائر والمخدرات وتنفيذ الهجمات».

القاعدة في منطقتين

تضافرت عوامل عدة بينها الظلم وغياب العدل والديمقراطية في بلدان أفريقيا واستشراء البطالة، لتجعل شباب أفريقيا يواجه ظروفا حياتية صعبة للغاية تجعله أمام خيارات صعبة منها الانضمام لجماعات مسلحة والارتماء في أحضانها باسم الجهاد في سبيل الله الذي توصي عليه الموروثات الدينية، ومنها ركوب زوارق الموت في محاولة للهجرة السرية إلى أوروبا.

وانضم عشرات الشباب إلى التنظيمات الجهادية عبر بوابة مالي؛ وحسب مراكز البحث المهتمة بهذا الشأن، ووفقا لمصادر إعلامية متعددة تتقدمها قناة «تي. في 5 موند» الفرنسية، فإن وجود المجموعات الجهادية المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة، يتركز في منطقتين أولاهما منطقة الساحل الأفريقي حيث تتمركز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وعلى مستوى القرن الأفريقي حيث تنشط حركة الشباب الإسلامي.

جماعة النصرة

ومن أبرز فروع تنظيم القاعدة، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، القوة الجهادية المتطرفة في الساحل؛ فقد بايعت هذه الجماعة تنظيم القاعدة مباشرة بعد أن تأسست عام 2017 إثر اندماج لعدة مجموعات مسلحة، هي أنصار الدين المؤسسة عام 2012 تحت زعامة إياد آغ غالي، وكتيبة ماسينا التي تأسست عام 2015 تحت رئاسة أمدو كوفا، والقاعدة في المغرب الإسلامي التي تزعمها الجزائري دروكدال إلى وفاته، تحت النيران الفرنسية، في حزيران/يونيو 2020 في مالي.

وتؤكد المصادر العسكرية الفرنسية أن عدد مجندي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين يصل لما بين 2000 و300 رجل كامل التسليح، وبهذا تكون قوة أكبر من تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، الحركة الجهادية الأخرى الأكبر في المنطقة.

وتتميز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بكونها تجمع أكبر الكيانات العرقية في المنطقة: الطوارق والجزائريين والفلان.

وينتمي غالبية الجزائريين الذين تزعموا تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي مثل دروكدال وأبي عبيدة يوسف العنابي، للجماعة الإسلامية المسلحة أبرز تنظيم إرهابي مسلح خلال العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر ما بين 1992 و2003.

القائد الكاريزمي

ويقود جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، اليوم، الجهادي الطارقي إياد آغ غالي الذي بدأ حياته الجهادية 1990 بتأسيس حركة تمردية؛ ثم كان أن غادرها لفترة وجيزة قبل أن يعود للساحة عام 2012.

ففي هذه الفترة قام إياد آغ غالي الشخصية الكاريزمية بتأسيس مجموعة «أنصار الدين» الجهادية المسلحة التي بدأت نشاطها بالتعاون مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد، قبل أن تسيطر على مناطق واسعة من شمال مالي لتحل شيئا فشيئا محل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وتمكن إياد آغ غالي، من موقع القوة التي اكتسبها من تأسيس جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عام 2017 وبايعت الجماعة أيمن الظواهري بعد بقائها مستقلة في عملياتها.

كتيبة ماسينا

وانضم لجماعة النصرة أمدو كوفا وهو وجه بارز من وجود الجهاد المسلح في الساحل، وقد أسس كوفا عام 2015 كتيبة ماسينا، ومع أنه تابع لإياد آغ غالي، فقد تعاظم دوره وكبرت مكانته فيما بعد.

واستغل أمدو كوفا الحزازات القبلية في وسط مالي في نشاطه وأظهر نفسه أنه الحامي الوحيد لقومية الفلان المستضعفة. وأشاعت باريس وباماكو وفاة كوفا أواخر عام 2018 خلال ضربة عسكرية فرنسية إلا أنه ظهر أشهرا بعد ذلك في فيديو نفى فيه إشاعة مقتله.

وقد تبنت كتيبة «ماسينا» التابعة لتنظيم القاعدة العملية العسكرية التي ضربت مؤخرا قاعدة كاتي قلب الجهاز العسكري المالي. وتؤكد الإدارة العامة للأمن الفرنسي «أن الهدف المركزي لإياد آغ غالي ولجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، هو الانتقال من منطقة الساحل والتمركز شمال دول خليج غينيا».

حركة الشباب الصومالية

تعتبر حركة «الشباب المجاهدين» في الصومال أقوى المجموعات المسلحة في أفريقيا؛ وقد شهدت الصومال ظهور هذه الحركة عام 2006 وتطورت قوة هذه الحركة مستفيدة من الحرب الأهلية في الصومال بين السلطة المركزية والميليشيات الإسلامية.

وتحولت هذه الحركة في ظرف زمني وجيز إلى أبرز مجموعة جهادية في أفريقيا باكتتاب وصل عام 2010 حسب الأمم المتحدة، إلى عشرة آلاف مسلح. وسيطرت حركة الشباب التي بايعت تنظيم القاعدة عام 2010 على جنوب الصومال ما بين 2007 و2012.

وتم طرد حركة الشباب من المدن الصومالية الكبرى بما فيها العاصمة مقديشو، وفقد قادتها السيطرة على ميناء برافا الهام الواقع جنوب الصومال عام 2014 لكن الحركة ما تزال تسيطر على مناطق ريفية واسعة، تواصل منها شن هجمات ضد قواعد بعثة «أميسوم» التابعة للأمم المتحد، وضد المدنيين في مقديشو.

وبعد أن تدخلت عام 2011 ضد مسلحي حركة الشباب، في الجنوب، أصبحت جمهورية كينيا هدفا لعمليات الحركة؛ ومن أخطر ذلك عملية المركز التجاري «ويست غيت» في نيروبي عام 2013 الذي قتل فيه 67 شخصا، وكذا عملية جامعة غارسا في نيسان/إبريل عام 2015 الذي مات فيه 148 شخصا.

أنصار الشريعة

أنصار الشريعة في ليبيا، هي مجموعة سلفية مسلحة كانت تنشط في تونس ما بين 2011 و2015 وانضم إلى صفوفها الآلاف من الأتباع عام 2013.

وأعلن علي لعريضي رئيس الوزراء التونسي المنتمي لحركة النهضة، يوم 27 تموز/يوليو 2013 عن تصنيف حركة أنصار الشريعة كمنظمة إرهابية، وأكدت التحقيقات أنها المسؤولة عن اغتيال النائبين شكري بلعيد ومحمد ابراهيمي، وعن تنفيذ عدة عمليات ضد الشرطة التونسية. وانضم عدد من أفراد الحركة لمجموعة أنصار الشريعة في ليبيا، وأكدت الداخلية التونسية أن الحركة لم تختف بعد وأنها أسست تنظيما جديدا تحت مسمى «كتيبة عقبة بن نافع».

أنصار الشرع في ليبيا

أما مجموعة أنصار الشريعة في ليبيا فقد كانت حاضرة بقوة في بنغازي ثاني مدن ليبيا، الواقعة على بعد ألف ميل من العاصمة طرابلس. وظهرت ميليشيا مسلحة تابعة لكتيبة أنصار الشريعة بعد مقتل معمر القذافي، وأظهر مسلحوها بسالة في معركة سرت خلال شهري اب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2011 إلا أن هذه المجموعة التي بايعت تنظيم القاعدة، لم تتمكن من بناء نظام إسلامي بعد موت القذافي. واتهمت واشنطن هذه الحركة بالتورط في عملية بنغازي التي مات فيها يوم 11 أيلول/سبتمبر 2012 السفير الأمريكي اكريس استفنس وثلاثة مواطنين أمريكيين، وواجهت الحركة خلال الفترة ما بين 2013 و2014 منافسة تنظيم الدولة، كما تعرضت لضربات جيش المارشال حفتر، وقد تم حل هذه الميليشيا عام 2017 لعدم وجود أنصار لها في ليبيا.

التنافس المحموم

تشهد منطقة الساحل الأفريقي تنافسا محموما بين القاعدة وصنوها تنظيم الدولة الإسلامية؛ الذي وجد له أكثر من موطئ قدم في القارة الأفريقية، مع أن تنظيم القاعدة ما فتئ يحظى بولاء العديد من التنظيمات المسلحة في أفريقيا، كما فصلنا سابقا.

وتؤكد المؤشرات أن أفريقيا وخاصة غربها وشرقها وقرنها، ستشهد في السنوات القليلة المقبلة صراع نفوذ محمومًا بين التنظيمين ستكون ساحته منطقتي الساحل والقرن الأفريقيتين، لكن قد تمتد شراراته لتطال تونس ومصر والجزائر والمغرب وموريتانيا وحتمًا لن تسلَمَ منه أوروبا.

أين الخلاص؟

تتصدر المقاربة الأمنية والمنازلة العسكرية المعتمدة على الاغتيالات وعلى ضربات الطائرات المسيرة، أبرز مرتكزات الاستراتيجية المتبعة من قبل دول المنطقة والولايات المتحدة وفرنسا.

ورغم أهمية هذه الاستراتيجية في توازن الرعب، إلا أنها أثبتت عدم فاعليتها في القضاء على النشاط الجهادي المسلح الذي يترسخ وجوده وتقوى وتتواصل مأسسة نشاطه مع مرور الزمن.

ومع تمسك الدول الغربية بالمقاربة الأمنية فإن التفكير في حلول أخرى مثل التفاوض مع المجموعات الجهادية المسلحة، بدأ يراود قادة بعض بلدان الساحل، ومثل التفكير في محاربة الفقر وتحسين أحوال المعاشة عبر برامج تنموية وخدمية موسعة.

وتستغل التنظيمات الجهادية الوضع المتردي في دول المنطقة ما يحتم اللجوء، بالتوازي مع الإصلاح السياسي، إلى مقاربة تضمن مواجهة حازمة للتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها دول الإقليم متمثِّلة في ثالوث الموت «المخدرات، والإرهاب، والهجرة غير الشرعية».

تمويلات لم تدفع

ولعل أوضح توجه حتى الآن في مواجهة التحديات، هو المقاربة التنموية لمجموعة دول الساحل الخمس: موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد، القائمة على تنسيق الجهود لمواجهة التحديات الأمنية والتنموية عبر تعبئة الموارد الضرورية لتمويل المشاريع الاستثمارية ذات الأولوية.

وقد حصلت دول المجموعة خلال مؤتمر مانحي مجموعة الساحل المنعقد في نواكشوط عام 2018 على تعهدات من الممولين بتعبئة أكثر من ملياري يورو لتنفيذ سلسلة مشاريع تنموية وخدمية، كما تقرر خلال المؤتمر، إنشاء آلية للمتابعة والتنسيق مع المانحين والشركاء لاحترام تعهداتهم التي ما تزال حتى اليوم حبرا على ورق.

وسوم: العدد 994