علماء عراقيون خارج الخدمة
كاظم فنجان الحمامي
هل لعلماء الدين سقوف زمنية تقيد أنشطتهم الفقهية بعمر معين يحالون بعده إلى التقاعد ؟, وهل لرجال السياسة فترات زمنية يخوضون فيها معترك العمل السياسي, ثم ينصرفون بعد انتهائها إلى شؤونهم الخاصة ؟, وهل للقضاة أعمار مثبتة في قاعات المحاكم الدولية ؟, وهل لعلماء الفيزياء والطب والكيمياء فترات محددة يخوضون فيها تجاربهم العلمية في مختبراتهم, ثم يسرحون بعدها إلى بيوتهم بعد بلوغهم عتبة التقاعد المثبتة في قانون الخدمة المدنية ؟.
وهل من العدل تسريح علماء العراق والاستغناء عن خدماتهم بذريعة بلوغهم سن التقاعد ؟, وهل من الإنصاف الاستغناء عنهم وهم في أوج عطائهم العلمي والمهني والتدريسي ؟, وهل من المنطق التفريط بمواهب العلماء الأعلام من وزن الأستاذ الدكتور ماجد السيد ولي, أو من كان بكفاءة الأستاذ الدكتور عبد الحسين علك, والأستاذ الدكتور عدنان العضب, والأستاذ الدكتور مصطفى جاويك, والأستاذ الدكتور أمين السلمي, والأستاذ الدكتور محمد العزاوي, والأستاذ الدكتور محمد البكاء, والأستاذ الدكتور هاشم الجزائري, والأستاذ الدكتور عبد الحسين السريح, والأستاذ الدكتور مانع الطعمة, والأستاذ الدكتور عبد الجبار سليم, والأستاذ الدكتور خلف حنون الربيعي, والأستاذ الدكتور عبد الجبار الحلفي, والأستاذ الدكتور خليل الكناني, والأستاذ الدكتور حسن الحكيم, والأستاذ الدكتور عبد الصاحب الشيخ, والأستاذ الدكتور قيس محمد, والأستاذ الدكتور محمد جواد الموسوي, والدكتور سركيس كريكوس, والدكتور كاظم الربيعي ؟.
لم يغادر ألبرت آينشتاين قاعات التدريس إلا بعدما وافته المنية وهو بعمر (76) عاماً, ولم يتوقف إسحاق نيوتن عن تجاربه إلا بعدما حان أجله وهو بعمر (85) عاماً, ولم يعتزل الكسندر فليمنغ إلا بعدما فارق الحياة بعمر (76) عاماً, ولم تكن عقبة العمر في يوم من الأيام عائقاً أمام الأستاذ الجامعي, ولن يؤثر عمره الوظيفي على مؤشراته العلمية في البذل والعطاء, لأنه لا يعمل بيده ولا بعضلاته, فالعقول الناضجة تصل إلى قمة الإبداع والتألق الفكري بعد سن الستين, وهذا يفسر تفاخر الجامعات العالمية بشيوخها من ذوي الخبرات المتراكمة في اختصاصاتهم, ولن تكتمل هيبة الجامعات إلا بعمالقتها وروادها الأوائل, لامتلاكهم خبرات متميزة, بما اكتسبوه من مهارات ومعارف في رحلتهم التدريسية الطويلة, ولقدراتهم الفائقة على الإسهام الفاعل في عمليات التنمية الشاملة.
من هنا تعاملت الجامعات العربية مع الأساتذة فوق الستين وفوق السبعين بصيغة واحدة في الحقوق والواجبات باعتبارهم من الرواد, وسعت نحو التعاقد مع المتميزين منهم تكريماً لهم, ومنحتهم فرص العمل كخبراء ومستشارين في المواقع العلمية والإدارية استكمالاً لرسالتهم, التي آمنوا بها, وساروا على نهجها منذ اليوم الذي ارتبطوا فيه بالعمل الأكاديمي, ما جعلها تهتم بهم للإفادة من خبراتهم في مجالات الإشراف على البحوث والرسائل العلمية, وفي الدراسات العليا, ولتغطية العجز في الاختصاصات النادرة, فالعلماء لا يتوقف عطاؤهم أبداً, ويستمرون في إبداعاتهم حتى آخر العمر.
في الأقطار الأوربية يبقى الأستاذ الجامعي في وظيفته لآخر عمره, بينما تمدد الجامعات الأمريكية سن التقاعد على دفعات قد تزيد على خمس سنوات, لمن تتوفر فيهم اللياقة الذهنية والبدنية.
في العام الماضي قرر رئيس الجامعة الأردنية, الدكتور عادل الطويسي, التعاقد مع الأساتذة الذين انتهت خدماتهم في الجامعة بعد بلوغهم سن السبعين, فتعاقد مع الذين كانت لهم انجازات وبصمات ملموسة في ميادين التعليم والبحث, وأعرب عن اعتزازه بالرواد الأوائل من الأساتذة الذين لديهم مخزون علمي زاخر بالمعرفة العلمية.
ختاما نقول لقد بلغ العالم الأمريكي نعوم تشومسكي من العمر عتياً (85 سنة), ومازال يمارس التدريس في أرقى الجامعات العالمية, فهل سيكون مصيره مثل مصير الأستاذ الدكتور محمد البكاء, أو مثل مصير الأستاذ الدكتور ماجد السيد ولي لو كان في العراق ؟.