شكوك تحوم حول مفكرين يلابس فكر دخيل مشبوه ما يعبرون عنه من فكر إسلامي أصيل
شكوك تحوم حول مفكرين يلابس فكر دخيل مشبوه ما يعبرون عنه من فكر إسلامي أصيل وسؤال يطرح أعن قصد ذلك أم أنهم عنه غافلون ؟؟؟
بداية لا بد من التذكير بأن بعض المفكرين المحسوبين على الإسلام منذ القديم قد سجل التاريخ ما حامت حولهم من شكوك بخصوص ملابسة أو اختراق فكر دخيل مشبوه ما يعبرون عنه من فكر إسلامي أصيل .
ومعلوم أن المقصود بالفكر الإسلامي الأصيل هو تلك الأسس والمرتكزات التي وضعت زمن البعثة النبوية ، وزمن الخلافة الراشدة ، وما تلاهما من زمن التابعين ، وهي فترات كان فيها الانشغال بالرسالة الخاتمة بمنهج الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بعيدا عن خلفيات فكرية أوعقدية مشوشة عليها خصوصا وأن القرآن الكريم قد كشف عن كل تلك الخلفيات المشبوهة ، وحذر منها ومن خطورة اختراقها لأصالة الفكر الإسلامي .
ومع اتساع الرقع التي شملتها الفتوحات الإسلامية ، ودخول الناس في دين الله أفواجا على اختلاف ما كانوا عليهم من ملل ونحل قبل دخولهم فيه وما كانت لهم من قناعات ومعتقدات ضالة ومنحرفة، لم تعد الأمور على ما كانت عليه في عصر النبوة والخلافة الراشدة وعصر التابعين حيث صارت أصالة الفكر الإسلامي تلابسها أنواع من الفكر الدخيل والغريب عنه، والذي نقله إليه معتنقو الإسلام إما عن قصد وبسوء نوايا وطوايا أو دون قصد وببراءة أوسذاجة .
ودون الخوض في تفاصيل ذلك الفكر الدخيل والمخترق للفكر الإسلامي الأصيل سنكتفي بالإشارة إلى ما فصل فيه أهل الاختصاص مما كان منه من قبيل الإسرائيليات ،واليونانيات، والفارسيات، والروميات ،والهنديات.... أما ما كان منه إسرائيليا ،فقد كشف عنه الوحي إبان نزوله بتفصيل ، وأما غيره، فلم يتم الكشف عنه إلا مع مرور الزمن وتراخيه وبعده عن عصر الفكر الإسلامي الأصيل والخالص .
ومعلوم أنه قد نتجت عن ملابسة أو اختراق تلك الأنواع من الفكر للفكر الإسلامي الأصيل قناعات وتوجهات منها الظاهرة التي كان أصحابها يصرحون بها علنا ، ومنها الباطنة المدسوسة التي كان أصحابها يخفونها ويموهون عنها ، وهذه هي الأخطر على الفكر الإسلامي الأصيل.
. ومن نافلة القول أن القناعات والتوجهات تفعل فعلها في مسارالحياة البشرية ، وهي المتحكمة فيها ، وفي ما يعتريها من أحوال من سلم وحرب ، وتعايش وتنافر ... إلى غير ذلك من تداعيات محركها هو تلك قناعات والتوجهات التي مصدرها فكر يصنع الأحداث التاريخية .
ومعلوم أن الاشتغال بالفكر الإسلامي الأصيل انطلاقا من مصدره الأول الذي هو كلام الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم اقتضى كثيرا من المتدخلين منهم من لم تلابس أصالته العقدية والفكرية شوائب عقدية وفكرية مغايرة ، ومنهم دون ذلك .
ومع أن توظيف مختلف المعارف الوافدة من أمم أخرى عبر العصور لفهم الظاهرة القرآنية والحديثية ، لم تكن كلها سلبية ومشكّلة لخطورة عليهما بل كان فيها ما خدمهما خدمة جليلة لا غبارعليها . ويكفي أن نشير إلى أن معظم من خدموا كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كانوا أعاجم اعتنقوا الإسلام عن قناعة أو ولدوا مسلمين ، وقد برعوا في العلوم والمعارف بما وهبهم الله تعالى من ألباب ، فوظفوها من أجل خدمة الفكر الإسلامي الأصيل مما خلال ما راكموه من خبرات.
وخلاف من صدقوا في خدمة كتاب الله تعالى، وخدمة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،كان في كل عصر من انبروا للدس عليهما بكل الطرق والوسائل واختراق الفكر الإسلامي الأصيل ، وقد كشف عن الكثير من ذلك مفكرون مسلمون قديما وحديثا، ومن تداعيات ذلك الاختراق ظهور نماذج من التدين المنحرف لا حاجة الآن لسردها ، ولن يتوقف الفكر الدخيل المشبوه والمخترق للفكر الإسلامي الأصيل حتى تقوم الساعة ، وهو يتخذ أشكالا وأساليب مختلفة حسب طبيعة كل عصر .
ودون الخوض في أنواع من ذلك الفكر الذي ابتلي به الفكر الإسلامي الأصيل، وقد دونت في الكشف عنه مجلدات وكتب كثيرة ، نكتفي بالتنبيه إلى ما يعرفه عصرنا هذا من ملابسة فكر مشبوه يروم أصحابه اختراق الفكر الإسلامي الأصيل تحت مسميات مختلفة، لكنها تلتقي جميعها عند هدف واحد هو الاختراق ، وعلى رأسها مسمى بالحداثة الذي يزعم الدعاة إليها أنها تروم تجديد كل ما هو قديم من فكر واعتقاد بقناعة مفادها أن الجديد يفضل القديم بالضرورة .
ودون الخوض في حكاية الحداثة التي هي صناعة غربية أفرزها التطور المادي والتكنولوجي الذي أحدث تغييرا فيما هو لامادي من قناعات وقيم ، وذلك من خلال ربط التطور المادي بتغيير ما هو لا مادي ضرورة ، وهكذا لم يقف التحديث عندما هو مادي فقط بل تعداه إلى ما هو لا مادي . ولا بد هنا من دحض هذا التصور من خلال ما سجله الوحي عن أمم غابرة كان واقعها المادي متطورا في أزمنتها مقابل واقعها اللامادي المنحط، وهذا الأخير هو الذي كان سبب هلاكها ، وهنا تكفي الإشارة إلى حضارة إرم ذات العماد ، وإلى الحضارة الفرعونية، و قد شهد الوحي بتطورهما ، ولا زال الناس إلى يومنا منبهرين بهما لكن ما صاحبهما من انحطاط في القيم كان هو سبب نهايتهما المأساوية كما صورذلك كتاب الله عز وجل .
ويريد الغرب اليوم أن يعيد تجربة هاتين الحضارتين من خلال ربطه بين حداثة مادية ، وحداثة لا مادية يسيران سير خطين متوازيين. ولقد انتقلت هذه القناعة إلى بعض بني جلدتنا من المحسوبين على الإسلام ، وهم نوعان: نوع يصرح بتنكره للهوية الإسلامية بصريح العبارة ، ومنهم من يلمح إلى ذلك تلميحا لا يخفي هواه الحداثي بالمفهوم الغربي ، وبين هؤلاء وأولئك صنف ثالث يلتبس أمره بين ادعائه الهوية الإسلامية من خلال ما يعبر عنه من فكر إسلامي سواء فيما يكتب أو فيما يصرح به وبين ما يلابس هذا الفكر من فكر دخيل مشبوه يخترقه، الشيء الذي يجعل الشكوك تحوم حوله ،وتفرض طرح سؤال هو: هل هذا الصنف على وعي بهذا الاختراق أم أنه غافل عنه ، وفي هذه الحال نجده يفسد من حيث لا يدري ، وفي قناعته أنه يصلح؟
ومعلوم أن الحداثة بالمفهوم الغربي أو لنقل صراحة بالمفهوم العلماني هي قطيعة مع كل ما له صلة بالإسلام، و هي تمرد على قيمه وثوابته بغرض إحلال بدائل عنها في ربوع البلاد الإسلامية . ومن أساليب التحايل الغربي لتسويق تلك البدائل اعتماد ألفاظ ناعمة ومغرية ،وهي في حقيقتها مضللة ، فلفظة حداثة على سبيل المثال يسوّقها الغرب العلماني على أساس أنها النقيض المقابل لما هو قديم ومتجاوز ومتخلف ...، وهو بذلك يضلل من يسوقها لهم حيث يوهمهم بأنها تحديث أو تجديد يتجاوز القديم ، ومن هنا يسود الاعتقاد عند من يسوق لهم هذا الطرح أن التطور المادي والتكنولوجي الذي حل محل وضع مادي قديم لا بد له ضرورة من تطور لامادي يسايره ويحل محل القديم .
وكما حدثت ثورة تكنولوجية متطورة معاصرة، فقد صاحبتها ثورة على القيم الدينية البالية، وتحررالإنسان الغربي من أوهامها، وصار في غنى عن إله يخضع له ولتعاليمه ، وهكذا أصبحت قناعة الحداثيين أنه لا بد لكل من يروم تطورا تكنولوجيا أن يثور موازاة مع ذلك على القيم الدينية.
ويدور اليوم صراع كبير يزداد شدة وضراوة مع مرور الوقت في مجتمعاتنا الإسلامية عربية، وغيرعربية بين من يريدون استنساخ النموذج الحداثي العلماني الغربي ،وهم ينادون بطي صفحة الإسلام في وقت ضاق فيه كثير من الغربيين ذرعا بهذا النموذج الذي حول حياتهم إلى عبث ، وبدأت الدعوات إلى ما بعد الحداثة ، وبين من يزعمون التوفيق أو بتعبير أدق التلفيق بين هذا النموذج الحداثي الغربي وبين الإسلام .
وإذا كانت رؤية بعض المفكرين المسلمين بخصوص التمييز بين اختلاف ما يعتري التحول المادي والتكنولوجي في حياة الإنسان المسلم ككل البشر وبين ثبات قيمه الروحية واضحة ، فإننا نجد رؤى البعض الآخر يلفها الغموض والاضطراب، فلا ندري هل هم من معسكر استنساخ النموذج الحداثي الغربي أم هم ممن لا يعترضون على ذلك؟ . وما نخشاه من أصحاب هذا الموقف الملتبس هو أن يكونوا في حقيقة أمرهم من معسكر الاستنساخ وهم يتسترون على ذلك بتقية إلى حين تحقيق ما يصبون إليه .
وكثيرة هي الكتب، والمؤلفات ،والمحاضرات، والندوات، والتظاهرات التي تحسب على خدمة الفكر الإسلامي الأصيل ويلتبس علينا أمر أصحابها ، ولا ندري أهم صادقون فيما يصدر عنهم أم أنهم يموهون بسوء نوايا وطوايا عن شر يضمرونه لهذا الفكر الذي يرومون تعطيله ثم تدميره .
وفي الأخير نقول إنه من مسؤولية كل مسلم صادق الإسلام خصوصا من أهل العلم والمعرفة والخبرة الكشف عما في تلك الكتب، والمؤلفات، والمحاضرات، والندوات ،والتظاهرات من خفايا كل اختراق محتمل للفكر الدخيل المشبوه والمستهدف لفكرنا الإسلامي الأصيل ، ورب من نثق فيهم من مفكرين وعلماء هم مروجو ذلك الاختراق بطرق وأساليب في غاية الخبث والمكر.
وسوم: العدد 1009