الخليج يحارب مصر الإسلامية – لماذا ؟
أ.د. حلمي محمد القاعود
كان أمرا غريبا أن تخطط دول الخليج المهمة وتدعم الانقلاب العسكري الدموي في مصر ، وتنسف أول تجربة لبناء نظام إسلامي فيها ، مع أن بعض هذه الدول يرفع راية الإسلام وحكم الشريعة .
وكان الأمر أكثر غرابة أن يتطابق هذا الموقف مع موقف الكيان الصهيوني الذي يعمل صراحة وجهارا على القضاء على الإسلام وأي نظام يمكن أن ينتسب إليه . لاتستطيع أن تفصل موقف ضاحي خلفان المكلف بحفظ الدرك في الإمارات ، عن موقف إيهود باراك وزير دفاع العدو الغاصب ، ولا يمكن أن تفرق بين موقف بندر بن سلطان عن موقف تسيبي ليفني الوزيرة في حكومة العدو الصهيوني .
لايكف ضاحي خلفان مثلا عن سبّ الحركة الإسلامية من خلال الإخوان المسلمين ، ويهجوهم بمناسبة وغير مناسبة ، ويراهم أخطر على العرب من العدو الصهيوني وإيران . ومنذ بدأ الربيع العربي كانت لضاحي خلفان مواقف معادية للثورة المصرية ، خاصة ضد جماعة الإخوان المسلمين حيث صرح أنهم يشكلون "خطرا على أمن دول الخليج العربي"، لأنهم يخططون لقلب أنظمة الحكم، كما وصف كل من يتعامل معهم بـ"العميل". وحسب رأيه فإن أنظمة الخليج أكثر رقياً وتقدماً وانضباطاً من الجمهوريات. وفي تويتر قال: الإخوان أسقطوا مبارك وأنا سوف أسقط الاخوان.
كما هدد خلفان بإصدار مذكرة اعتقال بحق الشيخ يوسف القرضاوي، في حال تحدثه عن الإمارات، وعدّ فوز محمد مرسي اختيارا غير موفق. وقد فتح دبي على مصراعيها للمعادين للإسلام والديمقراطية من قادة النظام المصري المستبد الفاشي الذي أسقطه الشعب المصري في فبراير 2011، وهناك تتم المؤامرات ضد الثورة والشعب المصري ويلقى المتآمرون الدعم المادي والمعنوي ، وبعد أيام من الثورة لفق تهمة لعدد من المصريين الذين يعملون في الإمارات منذ عقود ويشهد لهم أهل الإمارات بالإخلاص والجدية والاستقامة بالتخطيط لعمل انقلاب في بلاده ، وقدمهم إلى محاكمة ظالمة ، وما زالوا حتى اليوم رهن الوضع الجائر !
وإذا كان خلفان تربطه بالسلطة السعودية علاقة أمنية قوية جعلتها تمنحة نوط الأمن الوطني السعودي ، فأظنه لا يغرد خارج سرب رئيس المخابرات السعودي بندر بن سلطان الذي لا يخافت بدور حكومته في دعم الانقلاب العسكري الدموي الفاشي ضد النظام الشرعي في مصر وتأييد الإطاحة بالرئيس المسلم محمد مرسي ، وقد راجت الأخبار عن ممارسة ضغوطه على السلطة الانقلابية في مصر كي تكون الأحكام القضائية على الطلاب والبنات الصغيرات بمنتهى القسوة فيمنعهم الآباء وأولياء الأمور من النزول إلي المظاهرات بوصف ذلك خطوة أولى في خطة "صهيونية- سعودية– إماراتية" لتفريغ الثورة المصرية ضد "الانقلاب العسكري" من أهم عناصر قوتها.
وصف المحلل السياسي الامريكي إليوت برامز في صحيفة "ذا ويكلي ستاندر"، بندر بن سلطان بالرجل ذو المهمات الصعبة والدبلوماسي صاحب الحضور القوي. وهو ما جعله حسب ما نشر "يوجه تحذيرًا شديد لقائد الانقلاب بوقف كل أشكال الدعم السعودي والإماراتي في حال استمرت المظاهرات في مصر أكثر من ذلك لانعكاساتها على حالة الحراك في الداخل السعودي ضد العائلة المالكة، وباتت تهدد بقاء آل سعود في الحكم. يأتي ذلك في ظل أنباء مؤكدة عن انشقاق سعودي حاد تجاه الانقلاب في مصر، وأن هناك حالة من السخط تسود بين شخصيات سعودية بارزة رافضة للدعم السعودي للانقلابيين في مصر."
هذا الموقف الخليجي الذي تعبر عنه الحكومتان الإماراتية والسعودية من الثورة المصرية التي جاءت برئيس إسلامي لأول مرة ، يتطابق مع موقف العدو الصهيوني تماما . ولنقرأ ما قالته تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة، ووزيرة العدل حاليا : " إن القضاء على الإخوان المسلمين" سيساعد الكيان الصهيوني في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة. وقالت ليفني في تصريحات إلى ـ"فرانس 24"، الأربعاء 4/12/2013 : إنه بعد سنة على الأقل سينتهي الإسلام السياسي من منطقة الشرق الأوسط. وأعربت عن قلقها من عودة الإسلاميين للحكم مرة أخرى، قائلة : إنه "لا يمكن إنكار أن خطر عودتهم إلى الحكم في مصر لازال قائما مادام الاستقرار بعيدًا عن المشهد على الأرض". وتابعت ليفني قائلة: "المشاهد التي نراها في الجامعات المصرية كل يوم هي أكثر ما يقلقنا ونعمل مع المصريين على إيجاد طرق لوقف هذه الحشود لأنها تعوق مسيرة التحالف القائم بين مصر والكيان الصهيوني وتعرض ما وصلنا إليه لمخاطر شتى". يشار إلى أن ليفني كانت قد صرحت عشية الانتخابات الرئاسية في مصر التي جرت في يونيه من العام الماضي بأنه "إذا وصل الإخوان للحكم سننزعه منهم.. لأن الديموقراطية ليست انتخابات فقط ولكنها قيم عالمية وهي قيم ترفض وصول متطرفين وإرهابيين للحكم". وأضافت "سنفتح الباب لفترة فظيعة من الاضطرابات والفوضى والقتل وهكذا؛ لكنني أؤمن أن الوضع كان سيكون أسوأ إذا تركناهم يتمكنون من الحكم".
تطابق الموقفين الخليجي والصهيوني يفتح الباب أمام السؤال : لماذا؟ وإذا كنت أقول بالتطابق فهو ليس استنتاجا بقدر ما هو رؤية عامة يؤيدها محللون أجانب . اقرأ مثلا ما تقوله صحيفة واشنطن بوست في 22/11/2013 في معرض تناولها لاتفاق أميركا وإيران النووي من أن العلاقات السعودية الصهيونية وصلت حد التزاوج (!) مشيرة إلى أن التحالف بين كيان الاحتلال والسعودية ودول الخليج العربية واحدة من أغرب عمليات التزاوج في المنطقة، فالقيادة السعودية وجدت أرضية مشتركة ولغة سياسية متبادلة بشأن مخاوفها تجاه إيران والمحادثات الأميركية الإيرانية بشأن البرنامج النووي للأخيرة.
إن العداء الخليجي للثورة وللإسلاميين في مصر يمثل رؤية مشتركة مع العدو الصهيوني ، ويتجاوز مصر إلى بقية دول الربيع العربي ، وما يجري في تونس وليبيا واليمن ليس بعيدا عن العبث الخليجي الصهيوني بإرادة الشعوب المسلمة من دول ترفع راية الإسلام ودولة ترفع راية اليهودية . لقد عبر الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بطريقة دبلوماسية عن هذا العبث الإجرامي حين قال لوكالة الأناضول في 16/11/ 2013 : "إن هناك قوة عربية - لم يسمها - قررت إجهاض الربيع العربي " مؤكدا أنه لن يسمح لأي طرف خارجي بأن “يجهض حلم التونسيين في دولة ديمقراطية مستقرة مزدهرة”.
تستطيع دول الخليج أن تروج للإسلام الشكلي، ولكنها لن تستطيع مواجهة الإسلام الذي يقدم العدل والشورى والإحسان ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، الإسلام الحقيقي هو ما تسعى إليه دول الربيع العربي والدول الأخرى تنتظره وسيصل إليها تلقائيا إن شاء الله ، ولو تحالف الخليج مع روسيا والصين وأميركا والصهاينة !