من أجل لمّ الشمل الجزائري و تأويل الواقع العربي

إننا مضطرون للتنازل عن الجزئيات و إن كانت هامة في مقابل بقاء الأصل و الجوهر، عنوان وضعه المكلف بالإعلام للجبهة الإسلامية للإنقاذ من أجل تحقيق السلم الكامل و التعايش من أجل لم الشمل الجزائري و بناء جزائر جديدة ، هي رسالة أو دعوة تشمل العالم السياسي طالما الأمر بتعلق بالسلم الجماعي و الهوية الجماعية ، هي دعوة وجهها صاحبها للضمائر الحية ، لمن تنبض قلوبهم بالوطنية، و يحملون في قلوبهم "الغيرية " على الدين ، لمن لهم في الحياة شريعة، و في الإنسانية مذهب و في المروءة سيرة، فالجزائر لا يمكن أن تنفصل عن الشمال الإفريقي وشعبها مطالب بالمشاركة في كل مظاهر الحياة و أنماطها الحضارية و الثقافية، في إقليم يضم كتلة اجتماعية متجانسة بشكل قل نظيره في العالم، و هذا يعود بالأساس لعمق الانتماء المعبر عنه بالوحدة الشعورية الحاضرة بقوة في الفكر و الوجدان، و في القيم الإنسانية و المقومات الجغرافية و في التاريخ العابر لكل أوهام التمييز و إعادة التشكيل الفاشلة

هكذا قال إبراهيم غربي الذي يعتبر الناطق الرسمي لحزب الفيس الممنوع عليه أن يكون ممثلا سياسية كباقي الأحزاب الأخرى، يضع الوهن الجزائري تحت المجهر أو فوق المشرحة لاستئصال الخلايا السرطانية التي تسللت إلى الجسم الجزائري، هذا الوهن المنتشر في جسد الأمة و هياكل الدولة التي تعاني كما الشعب سببه قصور في الرؤية و غياب الثقة التي يبحث عنها الجميع لا يمكن تعويضها بمشاريع حلول تتحرك بوقود الديماغوجية و تصطدم بالواقع الذي لا يساير الأهداف و الآفاق، إذا استمرت نفس الممارسات السياسية والبرامج التي أثبت الواقع انتهاء تاريخ صلاحيتها منذ جيل على الأقل و لذا كان من الضروري دعوة كل الجزائريين من دون استثناء إلى استعادة الثقة و الحوار و نبذ لغة التصعيد و عناوينها و ممارساته التي تزرع في الأرض بذور الضعف و الوهن و الفشل في المجتمع .

ها هو شهر يناير يعود على قدر يحمل في طياته خبيئة المستقبل بسنن الماضي بطابعه في النفوس و السلوك، إنها الرهبة التي لا تزال تستفرد بنسيجنا الاجتماعي الفريد، كأنه ورع يصور الضعف الذي تعبر عنه القراءات السياسية الملتبسة للقضايا المصيرية، وعلى رأسها وحدة المجتمع المغاربي. لقد ألف منا المناضلون على وجه الخصوص و الشعب بصفة عامة تلك الوقفات شبه الطللية على عتبة الأحداث التاريخية الجليلة، لقد كانت تلك الوقفات تلامس سطح التأمل و لا تفضي إلى العمق، فيناير كما جاء في رسالة إبراهيم غربي المكلف بالإعلام لحزب الفيس ، تحمل في طياتها كلمات مؤثرة تجعل القارئ أسيرا لها و قد تدفعه إلى إعادة القراءة و التأمل بعمق في حروفها و معانيها، لما تحمله من مشاعر وجدانية تجاه هذا الوطن الجريح

إن اختيار صاحب الرسالة شهر يناير بالذات في سرٌّ عميق لما تحمله السنة الجديدة من آفاق واعدة ينتظرها الجميع لتحقيق الوئام ، يلتئم فيها الجرح و يلتم فيها شمل الجزائريين كلهم و كذلك إخواننا المغاربة و الأمة العربية ككل خاصة الشعوب المضطهدة التي لا تزال تعيش القمع الاستعماري و معاناة و في مقدمتها فلسطين ، ولعل يناير كما يضيف مناسبة سعيدة في أصلها و مظاهرها تعيشها الشعوب المغاربية و هي تنظر إلى الأفق البعيد لتحقق الوحدة و اتحاد المغرب العربي ، و تسعى للانبثاق في و نموذج أكثر رقيا و انسجاما، و هي حتمية تاريخية تحتم على طرف ما بعض التنازل من أجل استمرار دورة الحياة يكون ذلك بابتكار خطاب جديد ، خطاب يتجاوز خطاب و أبجديات الأزمة، و المرور إلى لغة الحل و أساليبه، وفق منهجية علمية ترى الواقع بنظرة يعنونها الوعي و الواجب ، تتحول إلى مشروع يحمل برنامجا قائما بأركانه و نتائجه التي لا يمكن تجاوزها، مؤسسها العمل الجاد و المتواصل مع كل الطاقات الحية المستعدة لتقديم الإضافة المطلوبة من حيث البرامج و الإجراءات.

الحقيقة هي كلمات نشعر أنها تتسلل إلى القلوب الحية النابضة بالمحبة و الإنسانية، قلوب تنتظر اللحظة لكي تنخرط في مشروع حيٍّ تحتضنه كل فئات المجتمع، و قد أعلن المكلف بالإعلام للجبهة الإسلامية للإنقاذ بأن هذه الفئة على استعداد لتقديم بعض التنازل عن الجزئيات و إن كانت هامة في مقابل بقاء الأصل و الجوهر، و يفهم من المتحدث أن التنازل لا يعني التخلي عن المقدسات كما لا يترجم عن ضعف أو فشل ، بل هدفه وضع حد للصراع المتزايد حول النفوذ و المصالح التي زادتها خطورة الظروف الدولية المتصاعدة في سلم التوتر و كذلك خطط و برامج الإمبراطوريات المعاصرة التي تبحث عما تبتلعه في سياق التعاظم, و المتأمل في هذه الرسالة يقف على حقيقة واحدة هو أن هذه الجماعة التي هي جزء من الجزائر و لا يحق لأيٍّ كان أن يفصلها أو يخرجها من خريطة الجزائر تخاطب العقلاء من أجل تشكيل الوعي الجماعي للأمة ، وهي دعوة للخروج من دائرة الوهم و البساطة، فالمستقبل لا يسير في سياق الأماني و الارتجال.

ربما لا يختلف اثنان أن الصراع على السلطة - كما قال هو- آفة تتضاعف مع إصرار النظام على التشبث بعلل المشروعية المغذية للتوجس وانحلال الشعور بالثقة و المسؤولية و استفحال أمراض البيروقراطية و بروز التكتلات و العُصَبِ و تحول مؤسسات الدولة إلى أجهزة موازية تتناقض من أجل بسط نفوذ طرف على طرف آخر. إن مسايرة الصراعات و الأحقاد و العمل على تشكيل التناقضات الثقافية و الإيديولوجية و الاجتماعية المادية و السلوكية و توظيف كل ذلك في ميدان الصراع على السلطة و غنائمها، سلوك بالغ الخطورة يدلي بإشارات الاستخراب و يعزز الفوضى و اللامبالاة داخل المجتمع، فكثيرة هي الجوانب تحتاج إلى تحليل، من حيث أنها قد تشكل محاذير جادة في خضم التطورات الدولية الجارية، ، يقول صاحب النداء أو الدعوة : " لسنا بصدد تسويد الواجهة أو غم الآفاق، فنحن جزء من الحل و جزء من الواقع و قطعة من جسد الأمة و كل جسد الأمة شريف"، سنترك ما للتاريخ لنستشرف المستقبل السائر في ركب الشباب فقد دفعت الأمة ثمنا باهضا من أشلاء أبنائها شيبا و شبابا، نساء و رجالا، و أطفالا تسائل عيونهم الحائرة الضمائر المضمرة في العجز و البؤس و الفوضى لم تلاحق سعادتهم أنانية من قلدوا مسؤولية رعايتهم".

 كانت هذه دعوة أراد أصحابها أن يبينوا للرأي العام أن مشاكل كثيرة مشتركة يعيشها الجزائريون عامة تعبر عن البؤس الاجتماعي، و هي مشاكل مشتركة لشريحة واسعة من مواطني العالم ، إن الهدف ليس الضغط على السلطة بل إيجاد منهجا تستقي منه الأفكار و الرجال لإنجاز مشروع المجتمع، و هذا المشروع لا و لن يتحقق إذا لم يحمل معاني التسامح و التآزر و السعي الجماعي لتحقيق وحدة الجزائريين.و ربما نقف مع الشعار التي حمله إخواننا في الجزائر والقائل: لا لتكريس الفشل بمقاييس النجاح.، فلمّ الشمل كما جاء في رسالة سابقة لا يكون بمنطق الرابح و الخاسر كما لا يمكن أن يكون تحت تأثير المساومة على الكرامة و الحرية و العدل الذي هو أساس الملك، فالشعور بالتهديد و عدم الاستقرار من شانه أن يولّد الاستعداد للنّضال و المقاومة التي بحاجة إلى تفعيل للقضاء على الأزمة و حماية الأمة والدولة، و ضمان سلامة و مصالح الجميع، ربما نحن اليوم في حاجة إلى تأويل الواقع الجزائري و الواقع المغاربي و الواقع العربي ككل و هذا يقتضي إعطاء المعنى للأشياء و وضعها في إطارها المناسب من أجل تحقيق المصالحات الضرورية بعيدا عن الرؤية البوليسية للأحداث، فمن المفروض على الدولة التي تقول أن الإسلام دينها أن تكون دولة مسلمة ليس ظاهرا فقط بل بكل الروح الإسلامية.

يقول إبراهيم غربي في رسالته: إنّ الجزائريين بحاجة إلى بعضهم البعض، فالبعض مهما كان فهو الكل، فمن دونه تتعثّر الحلول و تستقرّ في مكبّ التراكمات التي ترهق الأمّة و الدولة، فالمصالحة لا تقبل التقسيط و لا يمكن تصفية ملفّها، ذلك أنّ آثارها ممتدّة أفقيا و عموديا في المجتمع في النفسيات و الظروف الاجتماعية و الاقتصادية، و هي تؤثّر تأثيرا مباشرا و خطيرا من الناحية الإيديولوجية و في الأداء و الظواهر السياسية، و قد ترك بعض التساؤلات لعل و عسى أن تجد لها آذانا صاغية إذ يقول: هنا نطرح تساؤلا ننتظر منه إجابة شافية: من المسؤول أي من العاجز عن إيجاد الحلّ؟ـ هل يتحمّل النظام المسؤولية لوحده ، أم السلطة، أم كلاهما معا؟، هل الطبقة السياسية مسؤولة عن الفشل، أم أنّها المعارضة التي لا تملك البديل؟، هل هو المجتمع، أم العنف، أم التّخلّف، أم أنّنا دون مستوى الصّراع الجاري من حولنا؟ ثم يضيف : الواقع أنّ مشاكل الجزائر تحتاج إلى أكثر من نداء أو تواصل على حافة هامش الأحداث، و لكن تحتاج إلى استعداد الجميع لتقديم المطلوب بل الواجب لتحقيق الهدف، لأنّ من ليس له هدف سيكون لا محالة هو الهدف الذي يشتغل به الجميع، مادام لا يُشغل الجميع بما لديه لا كما يدّعيه...

وسوم: العدد 1016