العلمانيون في بلادنا يتجاسرون على المقدس تكذيبا وتشكيكا وسخرية تحت ذريعة انتقاد المتدينين
نعلم جيدا أن العلمانية في أوكارها ببلاد الغرب لا ولن تذكر ما نقدس نحن من قرآن كريم وحديث شريف إلا بسوء لأنها فعلت ذلك مع ما كان يقدسه متدينوها ، ولكننا لن نقبل ذلك من بني جلدتنا الذين يشاركوننا المواطنة ، ولا نستسيغ الطريقة الفجة التي يقلدون بها العلمانيين في الغرب بخصوص نظرتهم إلى المقدس ، وقد رضوا لأنفسهم أن يكونوا طوابيرها الخامسة ، وفيهم من يفعل ذلك عن تقليد سذاج، ومنهم المستأجرون لفعل ذلك .
والمحسوبون على العلمانية عندنا يختلف وضعهم عن وضع العلمانيين في بلاد الغرب ، ذلك أن هؤلاء لهم قطيعة تامة مع الدين ، بينما العلمانيون عندنا لهم رجل في ركاب التدين، وأخرى في ركاب العلمانية ، وهم بذلك يوجدون في دائرة ما يسميه الإسلام نفاقا ، وهو الظهور في الظاهر بعكس ما يبطنه الباطن مع وجود مؤشرات قد تفضح ذلك مهما حاول المنافقون التعتيم عليها .
وتتصدر العلمانيين عندنا الفئة المحسوبة على العلم والثقافة ، ولا تقدمهم المواقع الإعلامية التي تفسح لهم المجال واسعا إلا باعتبارهم خبراء وأهل تخصص وعلم ومعرفة لتحيطهم بهالة من شأنها أن تستدرج الأغرار إلى فكرهم وتوجههم وهم الذين ينتشون بالتجاسر على كل شيء بما في ذلك المقدس تحت تأثير مرحلة سن المراهقة التي لا تستغرب فيها ثورتهم واندفاعهم إلى أن يتجاوزوها ، ويبلغوا رشدهم ومناعتهم الفكرية .
ومن المثير للسخرية أن هؤلاء العلمانيون على اختلاف تخصصاتهم ،ومنهم منتمون إلى جامعات ومعاهد العليا يحشرون أنوفهم في الدين مع أنهم لا يسلكون مسالك تحصيل علومه ، وهي ما هي من دقة المسالك التي تتطلب مراسا وتخصصا لا يقلان عما يميز جميع العلوم والمعارف من دقة .
ويجتمع بعض العلمانيين من الجامعيين المتخصصين في العلوم الإنسانية والمتخصصين في علوم المادة على الخوض في علوم الدين ببضاعتهم لأنهم يعانون من عقدة التميّز عن غيرهم من المتخصصين في علوم الدين ،وذلك بفعل التأثر بالتيار العلماني ، ويرونهم مجرد شيوخ ، وفقهاء مع سوء فهم عندهم للمشيخة والفقه ، فيحكمون عليهم بهيآتهم ولباسهم ، ويكفي عندهم أن يلبس المتخصص في علوم الدين جلبابا أو عباءة مع عمامة أو طربوش ليكون محل سخريتهم مع أنهم يرددون عبارة مستوردة من الثقافة الغربية، وتحديدا الفرنسية مفادها : "أن اللباس لا يصنع أو يعطي راهبا " .
وما يعاب على هؤلاء العلمانيين تظاهرهم المثير للسخرية باستيعاب مضامين علوم الدين إلى جانب تخصصاتهم من أجل إعطاء انطباع على أنهم متمكنون منها ، وبذلك يحق لهم أن يتحدثوا في أمر المقدس قرآنا وحديثا بما شاءوا ووفق أهوائهم الموجهة علمانيا متذرعين في ذلك بانتقاد عموم المتدينين وبالأخص أهل الاختصاص في الشأن الديني لأن مواجهة هؤلاء تعني عندهم اكتساح العامة المتدينة فكريا ، وهكذا يبدو في الظاهر انتقادهم منصبا على المتدينين وهو في الحقيقة مجرد تمويه على استهدافهم للمقدس الذي هو أساس التدين .
ولنضرب أمثلة لبعض أشكال تجاسر العلمانيين على المقدس تحت ذريعة انتقاد المتدينين من أهل الفقه في علوم الدين، فنذكر منها ما سمى بشيطنة المرأة وقد مر بنا الحديث عنه في مقال سابق حيث حاولت إحدى الجامعيات المتخصصة في علم التاريخ النيل من حديث نبوي شريف يحذر من وسوسة الشيطان حين يترك العمل بأمر إلهي يتعلق بغض الأبصار بين الذكور والإناث ، والحديث كما شرحه أهل العلم بالحديث لا يشيطن المرأة بل يتحدث عما ينفثه الشيطان في نفوس الذكور حين تقع أبصارهم على أجساد الإناث لتحريك مكامن غرائزهم .
وعلى غرار هذا المنوال يتكرر باستمرار استهداف المقدس تحت ذريعة انتقاد المتدينين مع وصفهم بضيق الآفاق وقصور النظر ، والجهل ... وما إلى ذلك من الأوصاف والنعوت القدحية التي من شأنها أن تهيىء من يوجه إليهم الخطاب من الضحايا للنفور منهم دون إعمال عقولهم ، والاقتصار على ما يلقى إليهم مما تحيطهم به بعض المواقع الإعلامية من هالة التخصص والخبرة لتضخيم شأنهم الفكري فوق ما هو عليه في حقيقة وواقع الأمر.
ومعلوم أن العلمانيين عندنا لا يجرؤون على التجاسر على المقدس مباشرة في بلد إمارة المؤمنين ، المنصوص في دستور صوت عليه الشعب بإجماع على تقديس واحترام المقدس ، لهذا لا يطرق أحدهم موضوعا يمس بالمقدس إلا عن طريق ركوب مركب انتقاد المتدينين ، وهم يموهون على ذلك بأنهم مسلمون، علما بأن الإسلام عندهم ليس ما وقر في القلب وصدقه العمل بل هو مجرد تمّن وتحلّ، وإنهم ليختزلون التدين في جانب تعبدي ضيق جدا يقتصر على عبادتي الصلاة والصيام مع ترك ما دون ذلك لتدبير ما يسمونه بالحياة المدنية التي هي عندهم الممارسة العلمانية لها . وقد تثير السخرية بعض مشاهد تظاهرهم بالتدين كأن تعبث أصابعهم بعضهم بمسابح وهم منخرطون في أحاديث دائرة فيما بينهم قد تكون مجرد هذر وعبث وتندر ... وقد يرتدي بعضهم الجلابيب ، ويضعون على رؤوسهم طرابيش أيام الجمع والأعياد وإن كانوا لا يرتادون المساجد ولا المصليات ، وفي اعتقادهم أن ذلك الهندام الذي يحشرون أجسادهم داخله يكفي ليجعلهم محسوبين على التدين ، هذا بالنسبة لعلاقتهم بعبادة الصلاة، أما علاقتهم بعبادة الصيام، فتقتصر على اشتهاء ما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات مما يسمونه " الشهيوات " أي ما يشتهى ، وهو اختزال لعبادة الصيام عندهم مثير للسخرية ، ومثله اختزال عبادة الجمعة في إعداد صحون الكسكس والتهامها ، ويستحسن عندهم أن يكون ذلك في بيوت الأمهات الخبيرات بإعدادها دون حضور الجمع تجنبا لسماع الخرافات والأوهام من جهّال يعتلون المنابر على حد تعبير بعضهم .
وقد يقتصر التدين عند العلمانيات على لبس الجلباب ووضع غطاء الرأس الذي يظهر بعض خصلات الشعر أو دونه مع أحدث تسريحات الشعر في بعض المناسبات خصوصا في المآتم أو حين يستقبل الآباء والأمهات العائدون من فريضة الحج أو العمرة ، علما بأنهن أشد كراهية ومقتا لمن تلبسن اللباس الشرعي المنصوص عليه في الذكر الحكيم ، وفي السنة المشرفة مع إظهار السخرية منهن والتندر بهن ، وهذا شكل من أشكال التجاسر على المقدس تحت ذريعة انتقاد المتدينات المحجبات .
ومع أنه لا أحد من المتدينين والمتدينات يمنع العلمانيين والعلمانيات من ممارسة علمانيتهم بحرية دون نفاق بوضع رجل في ركاب الدين وأخرى في ركاب العلمانية إلا أنهم لا شغل لهم سوى انتقاد التدين من أجل الوصول إلى الجرأة والجسارة على المقدس، لأنه هو ما يعوق في نظرهم سيادة النموذج العلماني في بلد يدين بدين الإسلام ، وفي هذا اعتراض على حرية العبادة عند المتدينين والمتدينات مقابل التشدد في حرية ممارستهم للعلمانية والدفاع عنها.
وأخيرا نشير إلى أنه بقدر ما يتجاسر العلمانيون على المقدس ، يزداد المتدينون احتراما وتقديسا له ، ويزدادون تدينا، ونشير أيضا إلى أنه مما يزيد العلمانيين جسارة على هذا المقدس هو استغلالهم ما يقع بين بعض المحسوبين على التدين من خلافات وصراعات للبرهنة حسب اعتقادهم على أن المقدس يشوبه الغموض وأنه موضوع خلاف بين المتدينين، فكيف به بينهم كعلمانيين وبين المتينين ؟ مع أن المقدس فوق تلك الخلافات وتلك الصراعات ، ولا حق لأحد أن يتحدث في المقدس بهوى أو ينطق باسمه، لأنه ناطق صريح باسمه إلا أن يكون من أهل الاختصاص الراسخة أقدامهم في علومه .
وسوم: العدد 1020