لا تسرفوا في التفاؤل ! إسرائيل قد لا تكون خاسرة من استئناف العلاقات السعودية الإيرانية
في ما وصف بزلزال دبلوماسي وسياسي ، أعلن عن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية . وكانت تلك العلاقات قطعت في يناير 2016 احتجاجا من السعودية على ما تعرضت له سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد من اعتداء مواطنين إيرانيين غضبوا لإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر الذي اتهمته السلطات السعودية ب " الإرهاب ". وأطال خلاف البلدين في عدة ملفات ، أبرزها الملف اليمني ؛ قطيعتهما الدبلوماسية والسياسية . ولم تفلح الوساطة العمانية والعراقية في وصل ما انقطع بينهما ، وإن كانت مهدت الطريق للوساطة الصينية التي تلت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مؤخرا إلى بكين . وأعقب تلك الزيارة اجتماع مستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان ، وأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ، في بكين أيضا ، وانتهى الاجتماع بالبيان الثلاثي عن استئناف العلاقات بعد قطيعة السنوات السبع . ومن بين ما تركز عليه الاهتمام في المنطقة وفي العالم ؛ موقف أميركا وإسرائيل من استئناف العلاقات . أميركا أوضحت موقفها على لسان جون كيربي الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ، فرحبت باستئناف تلك العلاقات إلا أنها أبدت قلقها من دلالته على اتساع النفوذ الصيني ، وهذه مبالغة مزيفة متعمدة ، وشككت في التزام إيران به ، وهو تشكيك جائر سيء النية ، وجوره مفهوم ، وسوء نيته مفهوم . وعلى نقيض ما في المواقف الأميركية والإسرائيلية عادة من توافق ؛ زلزل استئناف العلاقات إسرائيل ، وعدته صحيفة " يديعوت أحرونوت " بصقة في الوجه الإسرائيلي ، وانهيارا لجدار الدفاع الإقليمي الذي أرادته إسرائيل ضد إيران ، وانقض بينيت ولابيد على نتنياهو يتهمانه بأن الاستئناف شاهد على فشله وإهماله ، وشغله إسرائيل بخلافات داخلية بخطته التي يسميها إصلاح القضاء ، ويراها كثيرون انقلابا عليه لا إصلاحا له . وما قاله الاثنان خطأ ، وتصفية حساب مع نتنياهو الذي لا يستطيع فعل أي شيء لمنع اتفاق السعودية وإيران من استئناف علاقاتهما إلا إذا استعان باميركا التي لم تعارضه ، ولا نستريب في أن الدولتين ، أميركا وإسرائيل ، كانتا على علم بمسار المحادثات في بكين بين السادس والعاشر من مارس الحالي ، ولو لم ترضَ أميركا عنها ما انتهت هذه النهاية التي غضبت منها إسرائيل ، وهولت مساوئها عليها وفق ما عبرت عنه المعارضة والإعلام الإسرائيلي ، ولم نسمع حتى كتابة المقال ردا إسرائيليا رسميا على نتيجة تلك المحادثات . ولا نحسب تلك النتيجة خسارة كبيرة لإسرائيل . لو كانت كذلك لما سمحت بها أميركا ، والنظام السعودي لا يستطيع معصيتها ، ولن يسعى لعلاقات أمنية مع إيران والصين تغنيه عنها ، وقد يستغل تحسن علاقته مع إيران منصة قفز لتطبيع علاقته مع إسرائيل ، وبعبارة ثانية : للانتقال من التطبيع السري إلى العلني مطمئنا إلى عدم مشاغبة إيران عليه حفظا منها لهذا التحسن الذي نص بيان التوصل إليه على عدم تدخل أي منهما في الشئون الداخلية للآخر . وفي تقرير ل " نيويورك تايمز " أن النظام السعودي يشترط لتطبيع علاقته علنيا مع إسرائيل دعما أميركيا لبناء مشروع مدني للطاقة النووية ، وتقليلا للقيود على صفقات الأسلحة مع أميركا ، وهما شرطان يسهل على أميركا الاستجابة لهما ، واختفى شرطه لحل القضية الفلسطينية . ومهما تنوعت مظاهر الغضب والهلع الإسرائيلي من استئناف العلاقات السعودية الإيرانية يظل فيها منسوبٌ موفورٌ من خسة الابتزاز ولؤمه . غضبت إسرائيل وهلعت من الاتفاق النووي مع إيران في 2015 ، وهولت أخطاره عليها ، فمنحتها إدارة أوباما 30 مليار دولار مدى عشر سنوات ، ولما ولي ترامب الرئاسة حرضته على نقض الاتفاق . وتطمع الآن في ابتزاز جديد يأتيها بمكاسب سياسية سيكون التطبيع العلني مع النظام السعودي أهمها ، ومكاسب عسكرية ومالية من أميركا . ودائما طلباتها ونزواتها مجابة من أميركا مهما غلت وتعسفت . ويوما بعد يوما ستتوالى مآلات استئناف العلاقات السعودية الإيرانية التي نقدر أن إسرائيل قد لا تكون خاسرة منها ، ويحسن ألا نسرف في تفاؤلنا بحتمية خسارتها ، ولا تذم ولا تشكر إلا بعد سنة وستة أشهر ، والعبرة بالخواتيم لا بالفواتيح ، وأخطار تمزقات وتفجرات إسرائيل الداخلية أفدح عليها مصيريا من تحولات البيئة السياسية حولها ، وهي التي ستقذفها في هاوية زوالها المقترب ، وتلك التمزقات والتفجرات أبعد وأعمق من كون الصراع على النظام القضائي حافزها الوحيد . هي انبعاث طبيعي لما في هذا الخليط الاستيطاني العدواني من متنافرات عرقية وثقافية أخفق الخوف والحروب في التوفيق بينها لإنتاج هوية واحدة سوية تتكيف مع المحيط الجغرافي والبشري الذي حشرت فيه خطأ وعدوانا وظلما رغم ما يبديه كثير من دول المحيط من تقبل لهذا الخليط .
وسوم: العدد 1023