بعد عشرين عاما من سقوط بغداد… أين أصبحت دمشق؟
لن تنتهي قصص تلك الأيام الفارقة في نيسان/أبريل عام 2003، عندما قادت القوات الأمريكية غزوا عسكريا لاحتلال «البوابة الشرقية» للوطن العربي، العراق، البلد الذي ظل في واجهة التصدي للمد الإيراني، وما أن سقط جداره، حتى غرق المشرق العربي في طوفان من النزاعات الأهلية الطائفية، وتوالى سقوط العواصم وخضوع عواصم أخرى لهيمنة المحور الإيراني، المعتمد أساسا على قوى شيعية وعلوية محلية انخرطت منذ عقود في نزاعات مع السلطة المركزية.
بيروت ودمشق وصنعاء، كلها عواصم تأثرت بسقوط بغداد، بل غرقت في طوفان من الصراعات المذهبية، كان فيها طرفان محليان، واحد مدعوم من دول عربية سنية متحالفة مع دول غربية، وطرف اخر مدعوم من طهران، في بيروت كان حزب الله الشيعي يترصد اللحظة التي سينقض فيها على بيروت، ولم ينتظر أكثر من أعوام ثلاثة على سقوط بغداد لينجز غزوته الشهيرة في بيروت، في السابع من أيار/مايو 2008، ما جعل المجتمع السني في العاصمة بيروت يدرك، ولو متأخرا، هذا التحول الحاسم في موازين القوى، في لبنان والمنطقة، بعد أن ظن أن عواصم عربية أخرى، قادرة على تعويض ثقل بغداد ومركزيتها، ولكن الزمن الجديد في بلاد الرافدين أرخى ظلاله على بلاد الشام واليمن بأسرع مما هو متوقع، وانتقل حزب الله من غزوة بيروت إلى غزوة القصير وحلب، ففي سوريا تمكنت أقلية علوية حاكمة تحالفت مع طهران عسكريا وأمنيا، من قمع ثورة أغلبية سنية بالحديد والنار، مستعينا بآلاف المقاتلين الشيعة من حزب الله اللبناني وكذلك العراقي، الذين منحوا النزاع في سوريا صبغة طائفية فاقعة، ولم يكن هذا التحشيد المذهبي لينجح في مؤازرة دمشق لو كانت أسوار بغداد صامدة. وكانت المفارقة أن الدول العربية التي رعت الغزو الأمريكي وأيدته وفتحت أراضيها للقواعد العسكرية الأمريكية خلال الحرب على العراق عام 2003 هي نفسها التي اشتكت لاحقا من تبعات هذا الغزو وهيمنة طهران، وهذا راجع لسوء التقدير وضعف فهم طبيعة المجتمع العراقي ومآلات النزاع بعد غزو خارجي لبلد يمثل الشيعة أغلبية وازنة فيه، وتحضر إيران بنفوذها من خلال الروابط المذهبية والقوى الحزبية والمراجع الدينيين، الذين ينتمي اكبرهم في العراق وهو السيد السيستاني لإيران، وهذه الدول نفسها، التي اشتكت من النفوذ الإيراني بعد غزو العراق، ودعمت كل الحركات والفصائل المناوئة لطهران في العراق وسوريا ولبنان، وشنت حربا في اليمن، نفسها هذه الدول عادت وطبعت علاقاتها مع إيران!
وبينما كان تدخل روسيا بعد أربع سنوات من الثورة السورية، يعطي النزاع بعدا دوليا بين خندقين، روسي صيني إيراني من جهة وغربي من جهة أخرى. وفي صنعاء، لم ينتظر الحوثيون طويلا بعد سقوط بغداد، حتى وثقوا علاقتهم بطهران واستمدوا منها دعما عسكريا وتقنيا، مكنهم من الهيمنة على العاصمة اليمنية، بل شن هجمات على أكثر المواقع التي تمس السيادة والاستقرار في الجزيرة العربية، فاستهدفت مرافئ النفط في المنطقة الشرقية، وعطلت اقتصادا يعتبر واحدا من الاقتصاديات الكبرى في العالم، وأمام توقف الحرب ضد الحوثي، عادت العلاقات معه وتبخرت وكأن شيئا لم يكن! وأكد هذا المشهد ثنائية المعسكرين في المنطقة بعد سقوط بغداد، معسكر تقوده طهران وحلفاؤها ومناصروها من المجتمعات والقوى المحلية الشيعية والعلوية، ومعسكر مقابل من المجتمعات والقوى والفصائل السنية تدعمه دول ما سمي لاحقا «محور الاعتدال»، تبين لاحقا أنه لم يكن معتدلا إلا مع التطرف الإيراني، إذ تم تطبيع العلاقات مع إيران ومع محورها، وبات الأسد وقادة حكومته ضيوفا في عواصم عربية حاولت لسنوات إسقاطه!
وسوم: العدد 1028