جامعة الدول العربية تكافؤ النظام السوري بعودته إلى حظيرتها متغاضية عن فظائعه ضد الشعب العربي السوري
يذكر الرأي العام العربي أن الشعب السوري حين خرج إلى الشوارع تزامنا مع ثورات الربيع العربي، لم يكن قصده إسقاط النظام على غرار قصد شعوب عربية أخرى ، بل كان قصده تنسم قسطا من الحرية المفقودة ، ونيل هامش من حقوق تشعره بقسط من كرامة مهدرة في ظل حكم نظام من أعتى الأنظمة المستبدة في الوطن العربي إلا أن هذا الأخير، وتحت تأثير هاجس السقوط والانهيار كغيره من الأنظمة المستبدة في الوطن العربي، ذهب شأوا بعيدا في قمع الشعب ، ومارس ضده الفظائع التي يعجز اللسان عن وصفها لشدة وحشيتها بما في ذلك استخدام الأسلحة والقنابل الفوسفورية المحظورة دوليا ، والبراميل المحرقة ، والإعدامات الميدانية ، والتهجير ، والاغتصاب ، والسلب والنهب ، وتدمير الإنسان والعمران على حد سواء ، وقد انتهى أمر فظائعه بنتيجة قوامها آلاف الضحايا والمعتقلين ، وملايين المهجّرين قسرا وفرارا من جحيم نظام لا يطاق وذلك على مرأى ومسمع العالم بأسره، والذي لم تتجاوز مواقفه عبارات الشجب والتنديد بجرائم راقية إلى تصنيف جرائم الحرب التي تستوجب المحاسبة الدولية .
ولقد وجد هذا النظام سندا ودعما من النظام الشيعي الإيراني الذي سلمه الغرب أرض العراق بعد غزوه على طبق من ذهب ليكتمل بذلك ما سمي بالهلال الشيعي والذي من أهدافه تصفية المسلمين السنة، وتغيير خريطة جغرافيتهم البشرية في تلك المنطقة من الوطن العربي تمهيدا لابتلاع هذا المد الشيعي غيرها من المناطق العربية متذرعا بذريعة مواجهة الكيان الصهيوني الذي تمد يده الطولى لضربه في الصميم والعمق دون أن يحرك ساكنا ، بل يكتفي بالتهديد والوعيد، وعليه ينطبق قول الشاعر الجاهلي معيّرا غريما له قد نيل من عرضه وعجز عن صونه والانتقام لكراكمته:
يغط غطيط البكر شد خناقه ليقتلني والمرء ليس بقتّال
ومرت السنون والنظام المستبد في سوريا لا يحفل بتنديد المنددين ، ولا بشجب الشاجبين ماضيا في فظائعه ، وقد أنزل بشعب كريم الأعراق كل أنواع الإذلال ، وشتته شذر مذر في كل أنحاء المعمور ، ولا زال على هذه الحال المزرية فرارا من البطش المحاكي لأنواع من بطش أطغى الطغاة التي عرفها التاريخ في عهود مظلمة غابرة .
ولسنا ندري ما الذي طرأ على سلوك هذا النظام الأسوأ سلوكا في كل المعمور حتى تعطيه جامعة الدول العربية شهادة حسن السلوك باستقباله في حظيرتها من جديد دون شرط أو قيد ، وكان الأجدر أن يدان، ويحاكم محاكمة مجرمي الحرب.
ولا شك أن الجامعة العربية وجدت نفسها تواجه تناقضا ، وهي محرجة بازدواجية المكيال من خلال سكوتها على أنظمة أخرى لا تقل استبدادا بشعوبها عن النظام السوري ، فاضطرت إلى احتضانه، لأنه ليس بدعا من الأنظمة الشمولية في الوطن العربي ، وتذرعت بأن إعادته إلى حظيرتها جاء نتيجة قناعتها وإيمانها بأن المشكلة السورية لا يمكن أن تعالج إلا عبر الحوار بين الضحية والجلاد .
وبعودة النظام السوري إلى حظيرة دول الجامعة العربية ،والسكوت على فظائعه ،ينتهي آخر فصل من فصول مأساة ثورات الربيع العربي التي أجهضت في مهدها ، ويذلك تم القضاء على أحلام الشعوب العربية بحياة كريمة في ظل حكم ديمقراطي يضمن صيانة كرامتها ، ويحترم حقها في اختيار من يحكمها بدساتير من وضعها ، وقوانين من تشريعها عوض أن تحكم بالحديد والنار، وبالظلم والاستبداد .
وأخيرا نقول إن الجامعة العربية مسؤولة أمام الله عز وجل، وأمام التاريخ على دماء الشعب السوري التي ذهبت هدرا ، وعلى معاناة من عذبوا وماتوا على ذلك ، ومن لا زالوا يعذبون في معتقلات النظام الرهيبة ، ومسؤولة أيضا على عذاب ملايين المهجّرين من وطنهم ظلما وعدوانا لمجرد مطالبتهم بحياة كريمة.
وسوم: العدد 1031