قراءة مهمة حول السلفية الجهادية
علاء الريماوي
مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي
السلفية وحزب التحرير
كتبت صحيفة "يدعوت أحرنوت" في تقرير مطول لها عن الحركة السلفية في الضفة الغربية، وكان اللافت في التقرير حالة الخلط بين حزب التحرير الإسلامي الذي أسسه تقي الدين النبهاني في مدينة القدس عام 1953 م، والذي أقام فكرة حزبه على الإيمان بعودة الخلافة عن طريق انقلاب الجيوش "أهل القوة" وتسليم الحكم للحزب، وبين السلفية الجهادية التي تعتبر الزعيم الروحي للقاعدة أسامة بن لادن الذي اغتيل من قبل قوات أمريكية في باكستان مرجعيتها الفكرية والتنظيمية.
الصحيفة الإسرائيلية اعتبرت أن الحزبين "واحد" في فلسطين ، وأن الفكر "المتطرف" الذي أدى إلى ظهور الأفراد المتطرفين –حسب الصحيفة- في الضفة الغربية مبعثة الحركة الأم حزب التحرير . حديث الصحيفة العبرية أثار سخرية الباحث في شأن الحركات الإسلامية في مركز القدس الأستاذ وائل احريز قائلا: " إن حزب التحرير في فلسطين لا علاقة له البتة بالحركات السلفية ، بل إن هناك بوناً شاسعاً من حيث المكون الفكري لحزب التحرير ، والمكون الفكري للسلفية الجهادية ، إذ يؤمن الأخير بالعمل المادي المسلح ضد الأنظمة ، ويأخذ على عاتقه تنفيذ التغيير بالقوة ، أما الأول فيرى الكفاح السياسي منهجاً لتعبئة الجماهير نحو التغيير خاصة في جانب تغيير معتقدات الجيوش في البلدان الإسلامية." وأضاف: "أما في فلسطين فالقضية مختلفة تماماً ، السلفية في الضفة الغربية متواجدة من خلال تيار دعوي غير قائم على الفلسفة التنظيمية المنضبطة، كما أن هذه الحالة يُجهل عنها وجود سلفية جهادية ، مع التأكيد على وجود أفراد غير متبلوري الفكر يميلون إلى التشدد في القضايا الفقهية." وأضاف: "لذلك فإن ما أشيع عن وجود تنظيم سلفي جهادي في الضفة الغربية ليس موضوعياً ولا يقوم على منهجية بحث علمية حقيقية وإنما يحمل بعداً سياسياً كما يبدو".
ويوضح مركز القدس في مقارنة سريعة بين الفكر والبنية التي تحكم التيار السلفي وحزب التحرير وحتى تكون المقارنة صحيحة لا بد أن نحدد مفهوم السلفية التي نريد مقارنتها بحزب التحرير، فنحن حين نتحدث عن حزب التحرير نتحدث هنا عن جهة واحده معروفة وقائمة على أسس صلبة يمكن دراستها من حيث البنية الفكرية والتنظيمية، بينما تتعدد الرؤى والتيارات إلى حد التناقض والتكفير بين ما يسمى بالسلفية، فمن السلفية تيارات علمية دعوية جعلت أهم ركائز عملها الدعوة إلى قيم الإسلام وعقائده، كما تبنت نظرة سلمية تماماً تجاه السلطات التي تحكمها ونظَّرت للقضية دينيا وعقدياً حين جعلت من الحاكم مهما كانت الطريقة التي وصل بها إلى الحكم "ولي أمر" تجب طاعته ولا يجوز الخروج عليه تحت أي ظرف.
بينما نجد التيار الآخر الذي أخذ من السلفية طريقتها في التأصيل الفقهي والمرجعيات التاريخية، يختلف اختلافاً جذرياً في نظرته إلى الحكام الحاليين ويرى وجوب الخروج عليهم ومحاربتهم من أجل إعادة توحيد الأمة تحت راية واحده تحكم بالشريعة الإسلامية كاملةً وفق المنهج الذي يحملونه.
هذا الخلاف الأساسي والذي يحمل في تفاصيله جزئيات هائلة حملت الحركات السلفية على التشظي خلال مراحل مختلفة تبعاً لفهم كل شيخ من شيوخ السلفية لمسألة من المسائل الفقهية التي يقوم البناء السلفي على ربطها بالعقيدة التي تعجل من عملية الفرز والانفصال بين المجموعة الواحدة طالما أن كل الخلافات سوف تنتقل تدريجيا من خلافات فقهية نصية إلى خلافات عقائدية غير قابلة للتأويل أو الخلاف حسب نظرة كل مجموعة من هذه المجموعات.
باب العقيدة وهو الباب الأهم في الدين الإسلامي وعليه مدار العمل وهو النواة الصلبة التي يجب الاتفاق عليها عادة قبل أي نقاش آخر تم تضخيمه لدى الحركات السلفية عموماً إلى حد كبير جداً جعل حتى الكثير من الجزئيات الفقهية والنظرة إلى الشخصيات التاريخية وأعمالها مرتبطاً بهذا الباب وهو ما فتح باب الخلاف واسعاً وأدى إلى حالة التشظي داخل الحركات السلفية عموماً.
أما حزب التحرير والذي يختلف هنا في مركزيتة الشديدة في التعاطي مع عناصره سواءً في الجانب الفكري أو الجانب الإداري، فإن الباحث في تاريخه يجد أن مدار عمل المؤسس وصاحب الشخصية ألأكثر تأثيراً وصاحب النظرية الأهم داخل الحزب والمؤصل لأغلب القضايا الفكرية والسياسية في الحزب "تقي الدين النبهاني" قد انتقل في بنائه الفكري بطريقة مقلوبة ، فلقد بدأ النبهاني بالأفكار السياسية التي جعلها أهم أعمال الحزب بل إن الحزب يحصر عمله بالسياسية"الإسلام مبدأه والسياسة عمله" وعليه فقد كانت أول الإنتاجات الفكرية للنبهاني "كتاب التكتل الحزبي" متعلقة بالنظرة السياسية للواقع والحل لهذه المشكلة المتمثل بإقامة الخلافة، ثم نظرته إلى الحركات والأحزاب السياسية وغير السياسية الإسلامية السابقة له والتي رأى فيها جميعا تعطيلاً لحركته التي تسعى لهدف واحد يدور حوله كل عمل الحزب وهو فكرة الخلافة.
بعد أن انتهى النبهاني من هدم الأفكار السابقة بنى أفكاره الخاصة المتعلقة بالخلافة وكيفية الوصول إليها و"الكفاح السياسي" المطلوب للوصول إلى هدفه، اصطدم لاحقاً بحاجته إلى توضيح قضايا فقهية فبدأ بوضع آراء فقهية كثيرة متعلقة بالخلافة وأحكامها ورأيه فيها، وبناءً عليه احتاج إلى توضيح الأصول التي بنى عليها طريقته في التأصيل فضمن كتبه آراءه الأصولية، ثم كان لا بد له أخيراً من تضمين كتبه آراءه الخاصة بمسائل العقيدة. واللافت هنا أنه قد بدأ البناء الفكري بالمقلوب ولذلك يجد الباحث أن فكر النبهاني خليط من الأفكار الإسلامية فلديه أبواب أقرب ما يكون فيها إلى السلفية الأصولية التي تعتمد النص المجرد دون نقده في إثبات المسائل الفقهية بل ويعتمد كثيراً على فكرة إجماع الصحابة في إثبات أبواب الدستور الذي وضعه لدولته.
وتجد في بعض الأبواب أنه أقرب إلى المعتزلة وتراه في بعض المسائل العقائدية قريباً من الأشاعره، والأهم هنا أنه يرى المشكلة بين الشيعة السنة مشكلة سياسية ولدي شهادة من إحد أعضاء الحزب في العراق يؤكد فيها وجود عناصر شيعية في العرق انتمت إلى حزب التحرير.
خلاصة الأمر إن حزب التحرير قام في الأساس على فكرة الخلافة وكيفية الوصول إليها ولذلك كان مدار التأصيل لديه حول هذه الفكرة وكل ما يخدمها مباشرةً، وكان مدار كل ما تبناه الحزب من أفكار مرتبطاً بهذه الفكرة وقد استخدم من أجل ذلك منهجاً فيه الكثير من الخلط لأنه وضع الفكرة أولاً ثم بنى المنهج حولها ثانياً، أما السلفية فقد اهتمت بكل القضايا الإسلامية العامة والخاصة وحملت منهجاً واضحاً متمايزاً عن غيرها من الحركات والتنظيمات الإسلامية.
والحزب فيما يتعلق برؤيته لواقع الأمة حين إقامة الخلافة أو طريقة تطبيق الإسلام وفي نظرته إلى الآخر المخالف لأفكاره أو الآخر غير المسلم يتفق اتفاقاً كاملاً مع السلفية بأقسامها وهو لا يختلف مع السلفية الجهادية تحديداً في هذه التفاصيل إلا في كيفية تطبيقها، فبين الحزب وبين السلفية الجهادية فاصل صغير جداً هنا، ولذلك ينقلب الكثير من أبناء الحزب إلى السلفية الجهادية بكل سهوله فالخلاف هنا فقط في أن الحزب لا يستخدم القوة للوصول إلى الخلافة بينما السلفية تستخدمها بتوسع، وبينما تنظر السلفية الجهادية إلى الحزب ومؤسسه نظرة سلبية لوجود خلل في منهجهم العقائدي والتأصيلي المخالف للسلفية الجهادية، يرى الحزب أن طريقة السلفية الجهادية لإقامة الخلافة مشروعة وعليها شبهة دليل!
أخيرا فإن التيارين يتشابهان في طريقة البناء التنظيمي ونظرتهم لفكرة الشورى في الإدارة و"الحكم" لاحقاً فالطرفان يريان في الشورى وسيلة لإعلام الأمير أو الخليفة فقط وليس للإلزام ورأي الأمير يرفع الخلاف ولا يجوز مخالفته حتى وإن اقتنع الفرد بخطأ رأي القيادة سواء الفكري أو السياسي أو الإداري فإن عليه أن يطبقه ولا يجوز له أن ينشر رأيه الخاص حتى وإن اقتنع تماماً بصواب رأيه وخطأ رأي القيادة
من جانبه قال علاء الريماوي مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي إن هذا التوضيح يأتي لفهم حالة التفكير التي تحكم الإعلام الإسرائيلي والذي يتم تناوله من البغض كمسلمات لا ينظر في فحواها ز
وتابع الريماوي من خلال القراءة الماضية التي أجراها المركز أراد التأكيد على أن المتابع للشأن الإسرائيلي الحذر من كل ما ينشر والتعاطي معه كمادة ظنية ، أو موجهة ، وأحيانا سطحية خاصة في النظرة للملفات المهمة التي تمس الأمة .
وأكد الريماوي على أن المركز سيصدر سلسلة من هذه القراءات خلال المرحلة القادمة والتي تركز على هذا النوع من القراءات الإسرائيلة المبتورة .