قد علمنا كيف يحاربوننا ونحتاج إلى علم كيف ندفع عن أنفسنا
استقيظت اليوم، وأحد الأحباب يوزع على فضائنا المأزوم، مقالا عنوانه "مخطط الغرب في الحرب على الاسلام" !!
أيها الحبيب… القريب
هذه تعلمناها منكم منذ سبعين سنة.
وما ننتظره اليوم: مخطط المسلمين في التصدي للهجمة على الاسلام. وفي الدفع عن أنفسهم!!
وأتوقعه أن يكون أكثر إحكاما ودقة، وإحكاما من الذي كان..
و مشروع "يا خيل الله اركبي" بمفهومها الذي قدمه لنا بعضهم، لم يكن في إحكام مشروع الغرب، ولا نصفه ولا ثلثه ولا عشره؛ وأورثنا هذا الذي نحن فيه، وجعل أعداءنا الظاهرين والأخفياء من رقابنا وأعراضنا يتمكنون.
أنا لا أندب ولا ألطم، كما يتصور البعض، ولا آسف ولا آسى (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا) بل أقول للناس، وسأظل أقول للناس: اقدحوا زناد عقولكم، واشتغلوا على الأهم من أموركم، وكفوا عن هذه السرديات التي تؤزم أزمتكم.. وأعلم أن معادلتنا مستقيمة، لا مستحيلة، وأن لكل معادلة مستقيمة حل، ما توفر العقل. وأقسم إذا شئتم على هذا يمينا برة غير غموس إن شاء الله. وأزيد: إن حل معادلتنا قريب، ومنذ أول يوم كان قريبا، لولا أن تولى امرنا الأدباء وغاب عنه المهندسون!!
كان لنا شيخ رحمه الله تعالى، إذا اعترضتنا مشكلة علمية أو فكرية أو ذهنية أو واقعية؛ ، يقول: هذه بدها فسفور!! يقصد الوقود الذي تعمل عليه الخلايا الدماغية النبيلة، حسبما كان سائدا في ذلك الزمان.
وأحيانا يقول الشيخ، هذه بدها هندسة!!
ومرة حكى لنا حكاية الشاب قارئ القرآن، الذي قرأ على أبيه الأميّ "فخر عليهم السقف من تحتهم" فاستوقف الأب الأمي ولده، وقال له: يا بني.. عمري ما علمت أن السقف يكون من تحت!! وعلق الشيخ رحمه الله تعالى على الواقعة بقوله : هذه بدها جغرافيا!!
وبقوله ما زلت أقول..
أحب الشيخ الذي يشق الشعرة، لا الذي يفتي عليها.
فكروا وتعلموا وعلموا كيف نخرج بأهلنا وديارنا من هذا الذي نحن فيه، توقفوا عن اللطم وعن التنديد أيضا. توقفوا عن التنديد يمنة ويسرة وبمن بين أيديكم وبمن خلفكم، فإن التنديد لا يغني من الحق شيئا.
وتوقفوا عن الاسترسال، ففقه الفقهاء في غبن المسترسل لا يأخذ حكمه في عالم السياسة، الذي يجوز في عالم السياسة "وين ما شفت المغفل طبو"
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، صحابيين للتأكد من حقيقة موقف بني قريظة، فلما اطلعوا عليه، وواجهوهم على حقيقتهم الكالحة ، أقبل أحد الصحابيين على القوم يسبهم، يا … يا..
فقال له الصحابي الآخر رضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين أبتعين أبصعين: "دعهم فإن ما بيننا أكبر من السباب."
هذه العبارة "دعهم فإن ما بيننا أكبر من السباب" ما زالت تسكرني منذ قرأتها، ربما من ستين سنة، ومن طبعي أنني أسكر حتى النشوة بالكلمات..
ولو كتب فيها "ما بيننا أكبر من السباب" ومن الهجاء ومن التنديد ومن التكفير ومن التفسيق ومن التبديع ومن التضليل، ولو كتب في كل هذا دراس السيرة سبع كراسات ما وفاها حقها..
وأعود: لعلنا نفكر ونحن محاربون ومخذولون ومحاط بنا، وقد أجمع أشرار العالم على حربنا، ومن يزعمون أنهم خياره على خذلاننا، نفكّر كيف نصحت الحمامةُ المطوقة رفيقاتها وقد وقعن في شبكة الصياد،
تجدون ذلك في كتاب كليلة ودمنة، وهو كتاب في الأخلاق السياسية، وليس لتسلية الأطفال..!!
وسوم: العدد 1042