لماذا رفضت الرياض للعرض النووي الإيراني ؟!

ثار جدل طويل بين الرياض من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة ثانية في شأن البرنامج النووي السلمي الذي تطالب به الرياض شرطا من بين شروطها الثلاثة للتطبيع مع إسرائيل .وفي خبر مفاجىء ، علمنا أن إيران قدمت للرياض عرضا ببرنامج نووي دون شروط أمنية أو سياسية أو مالية أو اقتصادية ، وسمته  نقل خبرة ، وقوامه تدريب 600 سعودي على إنشائه وتشغيله وإدارته . وأدى اطلاع الأميركيين على العرض الإيراني من خلال الفرنسيين الذين أطلعهم بدورهم عليه ولي العهد ورئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة إلى باريس ؛ إلى مسارعتهم ، الأميركيين ، إلى اللين في تلبية طلب الرياض ، ولعل هذه التلبية وراء تصريح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان عن اعتزام بلاده بناء أول محطة للطاقة النووية للإسهام في التنمية . والسؤال : لماذا لم تقبل الرياض العرض الإيراني السخي النزيه  الذي يختلف اختلافا كليا عن العرض الأميركي المشروط بقيود كثيرة ، منها الإشراف الأميركي والإسرائيلي ، ورفضت الرياض مشاركة الجانب الإسرائيلي فيه ؟! الجواب أنها لا تملك حرية إرادة القرار السياسي في علاقتها مع أميركا ، وتخاف مطلق الخوف من معصيتها والتمرد عليها . تخاف أن تواجه ما واجهته إيران حول برنامجها النووي السلمي الذي تتهمها أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسرائيل بزيادة تخصيب اليورانيوم فيه والاقتراب من صنع سلاح نووي . وإسرائيل تملأ الدنيا صراخا فزعا منه وإلحاحا مبتزا في شأنه لدفع أميركا لمهاجمة إيران عسكريا منفردة أو بالاشتراك معها . الغرب وإسرائيل سادة الابتزاز الخسيس في العالم ، والبلاء والبؤس والخسران لمن يهوي ضحية لابتزازهم . لا يبقون له على خير ، ولا يحفظون له كرامة ، ولا يجنحون للتوازن أو ما يقرب من التوازن إلا مع من ينافسهم ويقف ثابتا متحديا مثلما تفعل إيران . وبلاد الحرمين تملك قوى كثيرة ضخمة للثبات والتحدي لو أجادت الإفادة منها . تملك المكانة الدينية ، والثروة النفطية الكبيرة التي تدر عليها مليارات الدولارات  ، وتملك الأراضي الواسعة المتنوعة التربة والمناخ بما يكفي لتنوع زراعتها ويغنيها عن استيراد كثير من السلع الزراعية . واستكفت وصدرت في ثمانينات القرن المنصرم من القمح ، هذه السلعة الغذائية الاستراتيجية العظمى ، وتدخلت أميركا وأوقفت الاستكفاء والتصدير لإبقاء بلاد الحرمين مستوردة لها منها . وتملك ثروة بحرية غنية ، وثروة  بشرية   جلها من الشباب ، وبعضهم تخرج في مؤسسات تعليمية وفنية أميركية وأوروبية ، وفيها جامعات عديدة نال بعضها درجة متقدمة في المفاضلة بين جامعات العالم . والمشكلة العسيرة أن حرية إرادتها السياسية لا توازي ثرواتها المتنوعة وغناها المالي .وتتخذ أميركا من طلب الرياض الحماية للتطبيع مع إسرائيل أداة ابتزاز كبرى . وهنا نسأل : لماذا تطلب الرياض حماية أميركا ؟! دولة تملك الثروة التي تحدثنا عنها ليست في عوز لحماية أحد . تستطيع منفردة بناء قوة حامية رادعة لو أجادت سبل الإفادة من تلك الثروة . لا أمان ولا دوام لحماية خارجية مدفوعة الثمن ماليا وسياديا . قال ترامب في فظاظة آمرة : " ادفعوا ! نحن نحميكم . " . والحماية المطلوبة حماية النظام قبل حماية الوطن . وهنا تطل كل دواعي ارتباط الرياض الوثيق المديد  بأميركا . أميركا هي الحامي للنظام من الداخل قبل الخارج ، وكبرت حاجته لهذه الحماية بعد خروج محمد بن سلمان على تسلسل الوراثة في نظام الحكم ، وتجاوزه لمن هم أولى منه بولاية العهد التي تقود لولاية العرش . ولذا رفضت الرياض العرض الإيراني السخي النزيه ، ويممت وجهها نحو العرض الأميركي بشروطه المتعسفة  

                              *** 

توافق وصول السفير السعودي نايف السديري يوم الثلاثاء إلى رام الله مع وصول وزير السياحة الإسرائيلي حاييم كاتس إلى الرياض للمشاركة في اجتماع منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة .لم يكن التوافق صدفة . لا ريب في أنه كان منسقا بين الطرفين  .