ثبات المسلمين في زمن حرب الإبادة
لم تترك الحرب القذرة على غزة الصامدة أي طعم لحياة المسلم غير أننا لا ننهار...نتألم، نحزن، نبكي لكننا لا ننكسر ولا نتوارى عن المشهد ولا نستسلم لليأس بل نجعل من كل صدمة خبرة، ومن كل حزن مناعة، وقد جعلنا طوفان الأقصى نستبين سبيل المنتصرين، فعلى كل محب لدينه وأمته والأرض المباركة أن يجعل شعاره:" لن تؤتى الأمة من قِبلي"، فلا يكون بالتالي معبرا لمرور الخيانة أو التواطؤ أو التطبيع أو المهادنة أو القنوط، ولا يكون سببا من أسباب الهزيمة...هذا لأننا في فترة عصيبة من حياتنا كأمة، والحقائق ماثلة تتكلم: 2مليار مسلم و450 مليون عربي ينتظرون رجلا ملثما مطاردا مجوّعا ليرفع معنوياتهم...هل نفرح أم نبكي على حالنا؟ وما زال للعب والتفاهة واللهو وجود لافت في مجتمعاتنا رغم نزيف الدم وانعدام أسباب الحياة في غزة على مرأى ومسمع العالم، ومنه البلاد العربية والإسلامية الغنية بالأموال والثروات إلى حد التخمة ...في هذه الأوقات الحرجة ماذا ينفع اللاعبون والمطربون والممثلون والمؤثرون؟ فلزم أن يبقى المؤمن – فردا وجماعة ملتزمة – ثابتا وسط الزوابع التي تموج كقطع الليل المظلم، وقد ذكروا أن رجلا أمريكيا ترك بصمته – وهو وحيد – زمن حرب فييتنام، فقد كان يقف كل ليلة أمام البيت الأبيض في واشنطن يحمل شمعة، فسأله صحفي مرة: هل تعتقد أن احتجاجك الصغير هذا سيغيّر شيئا؟ فأجابه: أنا لا آتي هنا لأغيّر شيئا وإنما أقف حتى لا يغيروا مني شيئا، لن أسمح لهم بمحو إنسانيتي، سأبقى مع الحقيقة، سأقوم بدوري الصغير كل يوم محاولا أن أبقى إنسانا مستيقظا وحساسا حتى لا تزول إنسانيتي:...ونحن اليوم أولى بما فعله وقاله هذا الرجل حتى لا ننسى مأساة غزة رغم الملهيات من كرة القدم إلى صغائر الحياة اليومية، فيجب أن نبقى نتابع أحداث غزة، نتفاعل، نكتب، ننشر، نبذل المال، نشيد بالمقاومة، نفضح المرجفين والمنافقين، حتى لا تزول إنسانيتنا ولا تتبلد حواسنا ولا تقسو قلوبنا.
وفي هذه السياق تظهر الحاجة إلى العلماء الربانيين الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا غيره، ليصدعوا بكلمة الحق أمام الباطل المتبجح والنفاق المكشر عن أنيابه، ليشحذوا الهمم ويدحضوا الأباطيل ويرسموا أفق النصر للمسلمين، ويرغموا أنوف المخذّلين ويحييوا معاني الجهاد بالمال والنفس، وقد ذكر ابن رجب الحنبلي – وهو من تلاميذ ابن تيمية وعاش فترة التتار- أن شيخ الإسلام ابن تيمية "سافر مرة بالبريد إلى الديار المصرية يستنفر السلطان عند مجيء التتار سنة من السنين، وتلا عليهم آيات الجهاد وقال: إن تخليتم عن الشام ونصرة أهله والذب عنهم فإن الله تعالى يقيم لهم من ينصرهم غيركم ويستبدل بكم سواكم، وتلى قول الله "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم"، وقوله تعالى "إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا"، وبلغ ذلك الشيخ ابن دقيق العيد – وكان هو القاضي حينئذ بالديار المصرية – فاستحسن ذلك وأعجبه هذا الاستنباط وتعجب من مواجهة الشيخ للسلطان بهذا الكلام ". (ذيل طبقات الحنابلة 4/510)...فما أحوجنا إلى لأمثال شيخ الإسلام ليوجه الحُكام ويوجه الجماهير كذلك، فإن منا من طال عليه الأمد فتبلد حسه واستسلم للروتين، فيا مسلمون تصوروا حال إخوانكم المسلمين في غزة: التقتيل اليومي، العيش في الخيام مع الجوع والعطش وبرد الشتاء بلا تدفئة ولا علاج ولا وسائل عيش و لا دراسة، دول الطوق لا تترك المساعدات تصلهم ، الكيان الصهيوني يقصفهم ليل نهار، المجتمع الدولي لا يكترث بهم...ونحن المسلمين ماذا نفعل؟ لماذا لا نتظاهر تأييدا لهم؟ لماذا لا نبذل المال؟ لماذا لا نشتغل بالقضية دون انقطاع؟ الحمد لله المقاومة في أوج عطائها، فالمشكلة ليست فيها ولكن فينا، فهناك من يجدون لذة كرة القدم رغم كل هذا، والفرح والاهتمام بالأمور التافهة زمن المحنة عورة يليق بالإنسان العاقل أن يسترها بل كارثة حقيقية ألمت بعقله وقلبه ودينه وقيمه، ومادام هناك مسلم قادر على أن يشاهد هذه الأيام مباراة بدم بارد فلبحث له عن قلب فإنه لا قلب له.
ويبقى الأمل، وتبقى الثقة بالله وبعباد الله الصالحين الذين يستحقون أن تنزل النصر عليهم، فيا من تتألمون لحال غزة اعلموا أن القوي الذي لم يحقق أهدافه انهزم، وأن الضعيف الذي صمد وأفسد خطط العدو قد انتصر.
وسوم: العدد 1067