النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/9
أسباب دينية
حيث تحاول كل جهة أن تظهر بأن دينها هو الحق والصواب، وبقية الأديان يلوكها التحريف والتشويه سواء كانت الأديان سماوية أو وضعية، والحروب الصليبية والتبشيرية من أبرز الشواهد التأريخية التي يمكن الاستشهاد بها. قالَ الشَّاعِرُ:
وَلَقَدْ رأَيتُ مكانَهم فكرِهْتُهمْ كَكَراهَةِ الخِنزيرِ للإِيغار
قال ابن منظور" الإِيغارُ: أَن تُسخن الْحِجَارَةَ وتُحْرِقَها ثُمَّ تُلْقِيَهَا فِي الْمَاءِ لِتُسَخِّنَهُ. وَقَدْ أَوغَرَ الماءَ إِيغاراً إِذا أَحرقه حَتَّى غَلَى؛ وَمِنْهُ الْمَثَلُ: كَرِهَتِ الخنازِيرُ الحَمِيمَ المُوغَرَ، وَذَلِكَ لأَن قَوْمًا مِنَ النَّصَارَى كَانُوا يَسْمُطون الْخِنْزِيرَ حَيًّا ثُمَّ يَشْوُونه". (لسان العرب5/286)
ـ قال البحتري في هجائه قوماً من النصارى وذلك حيث يقول:
دارٌ بها جهل السماح وأنكــــر المعروف بين شماسمس وقسوس
لم يسمعوا بالمكرمات ولم ينخ في دراهم ضيف سوى إبليس
أسيافهم خشب وحلف نسائهم إمّا حلفن بفيشة القسّييس
آذانهم وقرٌ عن الداعي إلى الهيجاء مصغيةٌ إلى الناقوس ( العقد المفصل/81).
ـ قال مهيار الديلمي:
فخالف أمرك فيما أمرت ثقيل إذا خفّ رضوى ثقل
كأنّي أنا قلت في مريـــم وحاشا لها من بغيّ الحبل
وهدّمت قبلة ماسرجــس وأطفأت قنديلها المشتعل
وشاركت في دم عيسى اليهود كما عنده أنّ عيسى قتل (العقد المفصل/81).
ـ قال ابو طاهر" كان لباديس بن حبوس الحميري صاحب غرناطة وزير يهودي فهلك واستوز بعده نصرانياً، فقال أبو القاسم خلف بن فرج اللبيري الشاعر المنبوز بالسميسير ثلاثة أبيات وكتب بها نسخاً عدة ورماها في شوارع البلد والطرقات، وسار من ساعته إلى المرية معتصماً بالمعتصم بن صمادح، وطارت الأبيات في أقطار الأندلس ولما وقف باديس أرسل وراءه أصحاب الخيل، ففاتهم ولم يلحقوهن والأبيات فهي:
كل يوم إلى ورا بدل البول بالخرا
فزماناً تهـــــودا وزماناً تنصرا
وسيصبو إلى المجوس إن الشيخ عمرا (أخبار وتراجم اندلسية/83).
ـ كما قال الجاحظ" ليس الخصاء إلا في دين الصابئين، فإن العابد ربما خصى نفسه، ولا يستحل خصاء ابنه. فلو تمت إرادتهم في خصاء أولادهم في ترك النكاح وطلب النسل كما حكيت لك قبل هذا لانقطع النسل، وذهب الدين، وفتن الخلق. والنصراني وإن كان أنظف ثوباً، وأحسن صناعة، وأقل مساخة، فإن باطنه ألأم وأقذر وأسمج، لأنه أقلف، ولا يغتسل من الجنابة، ويأكل لحم الخنزير، وامرأته جنب لا تطهر من الحيض، ولا من النفاس، ويغشاها في الطمث، وهي مع ذلك غير مختونة. وهم مع شرارة طبائعهم، وغلبة شهواتهم ليس في دينهم مزاجر كنار الأبد في الآخرة، وكالحدود والقود والقصاص في الدنيا، فكيف يجانب ما يفسده، ويؤثر ما يصلحه من كانت حاله كذلك. وهل يصلح الدنيا من هو كما قلنا؟ وهل يهيج على الفساد إلا من وصفنا؟ وزعموا أن كل من اعتقد خلاف النصرانية من المجوس والصابئين والزنادقة فهو معذور، ما لم يتعمد الباطل، ويعاند الحق. فإذا صاروا إلى اليهود قضوا عليهم بالمعاندة، وأخرجوهم من طريق الغلط والشبهة". (رسائل الجاحظ3/323).
ـ قال الشاعر:
سموك عيسى ولم تأتِ بمكرمة ولم تشابهه في فضل ولا أدب
وما أتيت بشيء مــــن فضائله إلا بأنك من أم بغير أب (كشكول البحراني3/1480)
ـ قال ابو نواس:
لا تمكنني من العربيد يشربني ولا اللئيم الذي ان شمني قطبا
ولا المجوس فإن النار ربهم ولا اليهود ولا من يعبد الصلبا
ولا السفال الذي لا يستفيق ولا غر الشباب ولا من يجهل الأدبا ( ديوان ابي نواس/248)
ـ قال ابن الخطيب:
وعصبة شر من يهــــــود لقيتها بجانبها داعي الهدى ويخليها
اذا آمنوا واستوثقوا الباب أعلنوا خبائث ما كان اللسان يشفيها هامش (أمثال العوام1/217).
ـ قال الحسين بن الضحاك:
آذنك الناقوس بالفجــــــــــر وغرّد الراهب في العمر
واطّردت عيناك في روضة تضحك عن حمر وعن صفر
وحنّ مخمور إلى خمــــــرة وجاءت الكأس على قدر
فارغب عن النوم إلى شربها ترغب عن الموت إلى النّشر
(المجموع اللفيف/474). (الديوان/61)
- أسباب مذهبية
هذه ناجمة عن تعدد الفرق المذهبية لأصحاب الدين الواحد، ومحاولة معظمها الإساءة لبقية الفرق والطعن فيها بهدف دعم افكارها من وإظهار محاسنها من جهة واستمالة الناس اليها، والحد من ظاهرة انجذاب الناس لبقية الفرق المعارضة لها أيضا. وغالبا ما ينجم عن هذا التطاحن حروبا بين أبناء الدين الواحد، كما هو الحال بين الكاثوليك والبروتستانت، وحروب الخوارج والقرامطة والزنج وغيرها في الإسلام. وعلى الرغم من أن ظاهر الحروب هو مذهبي، لكن باطنه صراع من أجل المصالح والسلطة والنفوذ.
حدَّثنا عبد الله بن زكريا البصريُّ، قال: شهد السَّيدُ الشاعر عند سوَّار بن عبد الله القاضي بشهادة، فَرَدَّةَ، وقال: أنت رافضيُّ. فقال السيِّدُ أبياتاً كتب بها إلى المنصور، أوَّلها " من الرمل ":
قفْ بنا يا صاحِ وارْبع بالمغاني الموحشاتِ
يا أَمينَ اللهِ يا من صورُ يا خيرَ الولاةِ
إِنَّ سوَّارَ بن عبد الله مِن شرِّ القضاةِ
نعثليُّ جَمليُّ لكم غيرُ مُواتِ
جدُّهُ سارقُ عنزِ فَجْرَةٌ من فَجَرات
لرسولِ اللهِ والقا ذِفهِ بالمنكراتِ
والذي نادى رسول الله خلفَ الحجراتِ
يا هناهُ اخرجْ إِلينا إِنَّنا أَهلُ هِناتِ
فاكفنيهِ لأكفاهُ الله شَرَّ الطَّارقاتِ
فكتب إليه المنصور بإقطاعه أرضاً من أرض الحجاج بن يوسف، وكتب إلى سوَّار: لا يد لك عليه.
فقيل له: لو اعتذرت إلى الرجل، فقد أسأت القول فيه، ففعل، فلم منه سوَّار، فأنشأ يقول " من المتقارب:
أَتيتُ دَعيَّ بني العَنبر أَرومُ اعتذاراً فلم يَعذُرِ
فقلتُ لنفسي وأَلزمتُها السْلامة من لومنا أَقصري
أَيعتذرُ الحُرُّ ممَّا أَتى إِلى رَجلٍ من بني العنبر
أَبوكَ ابنُ سارقُ عَنزِ النَّبيِّ وأُمُّك بنتُ أَبي حَجدرِ
" ونحن على رغمكَ الرَّافضون لأَهل الضلالةِ والمنكرِ (أمالي المزرع العبدي/2)
- اسباب مادية واقتصاديه
وهذا الأمر يتجلى بوضح في الشعر العربي حيث يحاول الشعراء والخطباء التكسب من أشعارهم بمدح الخلفاء والسلاطين والزعماء من جهة والقدح بمن يعاديهم من جهة أخرى، فينالوا الجوائز ويحظوا بالمناصب والنفوذ. وفي التأريخ الإسلامي نشط هذا النوع من الشعر والخطب في العهد العباسي الأول للقدح والإساءة لبني أمية. وظاهرة التكسب والتزلف للقادة والزعماء ما تزال قوية لحد الآن سيما عند الشعوب المتخلفة عن ركب الحضارة.
قال الفضل بن العباس اللهبي في بني امية:
مهلا بني عمنا عن نحــت أثلتنا سيروا قليلاً كما كنتم تسيرونا
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا
مهلا بني عمنا مهـــــلاً موالينا لا تنشروا بيننا ما كـــان مدفونا
الله يعلم أنّا لا نحبكم ولا نلومكم ألا تحبونا (بهجة المجالس/165).
قال ابن الجراح" يروى أن أبا جعفرٍ المنصورَ طلب المستهل بن الكميت حتى ظفر به، فقال له: أبوك الذي يقول:
الآن صرتُ إلى أميّـَة والأمورُ لها مصائر؟
فقال: يا أمير المؤمنين وأبي الذي يقول:
فما لي إلا آل أحمدَ شيعةٌ ومالي إلا مشعب الحقِّ مشعبُ
(الورقة/20). وقال ابو هفان" دخل على محمد الأمين فقال: قد قلت فيك أبياتا يا أمير المؤمنين ولست بمنشدكها حتى تنزل عن السرير وأجلس أنا عليه فقال له: قد تجاسرت، فوالله لئن أحسنت لأحسنن إليك، ولئن أسأت لأمثلن بك. فنزل عن السرير وأجلسه فأنشأ يقول:
ضياء الشمس والقمر المنير إذا طلعا كأنهما الأمير
فإن يك أشبها شيئا قليلا فقد أخطاهما منه كثير
لان الشمس تغرب حين تمسي وأن البدر ينقص إذ يسير
ونور محمد أبدا تمام على وضح المحجة مستنير
فقال الأمين: علي بسفط فيه در فجيء به. فلم يزل يحشو فاه حتى صاح: القتيل القتيل يا أميرالمؤمنين". (أخبار ابي نواس/13)
سأل أبو النواس أبي الشمقمق عن حاله فأنشده:
كنتُ فيما مضى فتى أمدحُ الناس وأهجوُ وذاكَ ذلٌ ذليلْ
فأنا اليومُ ليسَ قولـــــــــــــي إلا حسبنا الله وهو نعمَ الوكيلْ
قال له أبو النواس: يا ابن الزانية، قل لهذا يطعمك الخبز فبلغت الرشيد، فقال ليعلمن الزنديق أذاك سينفعه، فيعث إلة أبي الشمقمق بعشرة آلاف درهم، وأمر أن يجري عليه في كل شهر ألف درهم. (سقط الملح/27).
- أسباب شخصية
هي ناجمة عن الحسد والعداوة والنهب والسلب والحقد والثأر والتنافس على التكريم والحظوة والنفوذ والامتيازات وغيرها من العوامل. قال ابن المقفع" الحاسد لا يزال زاريا على نعمة الله ولا يجد لها مزالا، ومكدّرا على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعما، ولا يزال ساخطا على من لا يتراضاه، ومتسخّطا لما لا ينال، فهو كظوم هلوع جزوع، ظالم أشبه شىء بمظلوم، محروم الطّلبة، منغّص العيشة، دائم السخط، لا بما قسم له يقنع، ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود يتقلّب في فضل نعم الله مباشرا للسرور". ( زهر الآداب1/246).
كان بين مسلمة بن عبد الملك وبين العباس بن الوليد تباعد، فبلغ العباس أن مسلمة ينتقصه، فكتب إليه يقول:
ألا تقنى الحياء أبا سعيــــــــد وتقصر عن ملاحاتي وعذلي
فلولا أنّ فرعك حيــــــن تنمى وأصلك منتهى فرعى وأصلى
وأنى إن رميتك هضت عظمى ونالتني إذا نالتك نبلــــــــــى
( زهر الآداب3/717).
قال ثعلب" اخبرنا أبو العباس قال: حدثني أبو العالية قال: نزل الكروس الهجيمي بشيخ من بني الهجيم، يقال له عرف، فأكرمه وأحسن قراه، فغدا يهجوه فقال:
لو كــــــان عوف مجرباً لعذرته ولكــــــن عوفاً ذو حليب ورائب
لدى روضة قرحاء برقاء جادها من الدلو والوسم طل وهاضب
تحوز منى أمهم أن أضيفها كما انحازت الأفعى مخافة ضارب
أناس يبيت الضيف قدام أهلهم مكباً تخطله عظام المحالب (مجالس ثعلب1/17).
قال ابن الجراح" ان سبب اتصال إسماعيل القسري بطاهر أنه اعترضه في بعض طرقاته، فقال: إني قد امتدحت أمير المؤمنين، فهل يسمع؟ قال: لا قال: فإني مدحتك، فهل تسمع؟ قال: لا.قال: فقد هجوت نفسي فهل تسمع؟ قال: هات. فأنشده:
ليس منْ بخلك أنىِّ لمْ أجدْ عندكَ رزقاً
إنما ذاكَ لشؤْمي حيثما أذهبُ أشقى
فجزاني الله شراً ثمَّ بُعداً لي وسُحقاً (الورقة/20)
- أسباب عشائرية والقيمية
لو استعرضنا تأريخ العشائر العربية سنجد، سيما قبل الإسلام، كان هناك تناحر وحروب ما أنزل الله بها من سلطان ولأسباب بعضها تافهة، وكان شاعر العشيرة هو لسان حال العشيرة والواجهة الإعلامية لها، فيشيد بمآثر عشيرته وأبطالها وانتصاراتها، ويطعن في العشيرة أو العشائر المعادية لها، وغالبا ما تفيض مخيلته عن عيوب هي غير موجودة أصلا في العشيرة المثلوبة، ولكن الحاجة والضرورة تضطره لمثل هذا النهج، وهذا ما يقال عن العشيرة المقابلة، ويعتبر فن الهجاء ونقيضه المفاخرة من أبرز فنون الشعر العربي وأغراض الشعر. لذلك كان هناك شعراء تميزوا بالفخر وآخرون بالحماسة وآخرون بالرثاء وغيرهم بالمديح وغيرهم بالخمريات وهكذا. ولا تخلو عشيرة عربية من الطعن بها من قبل غيرها من العشائر سواء عن حق أو باطل. قال الابشيهي" القصد من الهجاء الوقوف على ملحه وما فيه من ألفاظ فصيحة ومعان بديعة، لا التشفي بالأعراض والوقوع فيها. وليس الهجاء دليلا على إساءة المهجو ولا صدق الشاعر فيما رماه به، فما كل مذموم بذميم، وقد يهجى الإنسان بهتانا وظلما أو عبثا أو ارهابا". (المستطرف/251). قال الفراهيدي" فسو: الفَسوُ: معروف، الواحدة: فَسْوة، والجميع: الفُساء، والفعْل: فسا يفسو فسواً. والفَسو: اسم لزم حيّاً من العرب معروفين، يقال لهم: الفُساة، وهم: عبد القيس، وقيل لهم: بنو فسوة". (العين7/309).
ـ قال الفرزدق:
إِذَا أَسَدِيٌ جَاعَ يَوْمًا بِبَلْدَةٍ ... وَكانَ سَمِيْنًا كَلْبُهُ فَهُوَ آكلُه
قال الجاحظ" هذا قول الفرزدق هذا يهجو به بني أسد لأنهم كانوا يأكلون الكلاب". (البخلاء/300).
ـ قال الفرزدق:
إِذَا أَسَدِيٌ جَاعَ يَوْمًا بِبَلْدَةٍ ... وَكانَ سَمِيْنًا كَلْبُهُ فَهُوَ آكلُه
قال الجاحظ" هذا قول الفرزدق هذا يهجو به بني أسد لأنهم كانوا يأكلون الكلاب". (البخلاء/300).
حكى أبو عبيدة قال: كان عجل بن لجيم من محمقي العرب، فقيل يوماً إن لكل فرس اسماً، فما اسم فرسك فإنه جواد؟ قال: لم اسمه، قالوا: فسمه، ففقأ إحدى عينيه وقال قد سميته الأعور! وفيه يقول الشاعر:
رمتني بنوُ عجلٍ بداءِ أبيهــــمُ وهلْ أحدٌ في النَّاسِ أحمقُ منْ عجلِ
أليسَ أبوهم عاب عينَ جوادهِ فسارت به الأمثالُ في النَّاسِ بالجهلِ (الهفوات النادرة/17).
وقول جرير:
لو أن تغلب جمعت أحسابها يوم التفاخر لم تزن مثقالا
وكقوله فيها:
والتغلبيّ إذا تنحنح للقرى حك أسته وتمثّل الأمثالا
( المحاضرات في اللغة والأدب/107)
وقول الطرماح:
لو كان يخفى على الرحمان من أحد من خلقه خفيت عنه بنو أسد
( المحاضرات في اللغة والأدب/107)
قال اليوسي" كانوا بنو نمير من جمرات العرب المستغنين بقوتهم وعددهم عن طلب حلف، وكانوا يفتخرون بهذا الاسم ويمدون به أصواتهم إذا سئلوا، إلى أن هجا جرير عبيد بن حصين الراعي منهم بقصيدته التي يقول فيها مخاطباً له:
فغضَّ الطرف إنك من نمــير فلا كعباً بلغـــــت ولا كلابا
ولو وضعت شيوخ بني نمير على الميزان ما عدلت ذبابا
فسقطوا ولم يرفعوا بعد ذلك رأساً، حتى كانوا لا يتسمون بهذا الاسم، فإذا قيل للواحد منهم من أنت؟ قال: عامريّ".( المحاضرات في اللغة والأدب/16)
قال اليوسي" كانوا بنو العجلان يتفاخرون بهذا الاسم لأن جدهم إنما قيل له العجلان لتعجيله القرى للضيفان حتى هجاهم النجاشي فقلب الاسم ذماً، وفي ذلك يقول:
قُبَيِّلَة لا يخفرون بذمــــــة ولا يظلمون الناس حَبّة خردل
ولا يردون الماء إلاّ عشية إذا صدر الوُرَّاد عن كلِّ منهل
تعاف الكلاب الضاريات لحومهم وتأكل من كعب بن عوف ونهشل
وما سمي العجلانَ إلاّ لقولهم خذ القَعْبَ واحلب أيها العبــــد واعجل
فتنكروا من هذا الاسم، وجعل الواحد منهم إذا سئل يقول: كعبي مخافة أن يسخر منه".( المحاضرات في اللغة والأدب/16).
قال إبن المعتز" كان ابو نواس شديد التعصب لقحطان علي عدنان، وله فيهم أشعار كثيرة، يمدحهم ويهجو أعداءهم، وكان يُتهم برأي الخوارج، فمما يروى له في تفضيل اليمن والافتخار بهم قوله:
واهج نزاراً وأفر جلدتها وهتك الستر عن مثالبها
واحبب قريشاً لحب أحمدها واشكر لها الجزل من مواهبها
إن قريشاً إذا هي انتسبت كان لنا الشطر من مناسبها
فأم مهدي هاشم أم موسى الخير منا فافخر وسامِ بها
بل مل إلى الصيد من أشاعثها والسادة الغر من مهالبها
أما تميم فغير راحضة ما شلشل العبد في شواربها
أول مجد لها وآخرهن ذكر المجدُ قوس حاجيها
وقيس عيلان لا أريد لها من المخزي سوى مُحاربها
وما لبكر بن وائل عصم إلا بحمقائها وكاذبها
ولم تعف كلبها بنو أسد عبيدُ غير انة وراكبها
وتغلب تندب الطلول ولم تثأر قتيلاً على ائبها
نكحت بأدنى المهور أختُهُمُ قسراً ولم يدم أنف خاطبها
وأصبحت قاسط وإخوتها تدّخر الفَسْوَ في حقائبها (طبقات الشعراء).
قال ابن المعتز في تفسير بعض الأبيات" يعني بأم مهدي هاشم هي أم موسى بنت منصور الحميرية، وهي أم المهدي بن وأما قوله الأشاعث فإنه من كندة وهم ولد الأشعث بن قيس ومنزلهم الكوفة. والمهالبة من العتيك ومحلهم البصرة أما قوله: أما تميم فغير راحضة ما شلشل العبد في شواربها، فإنه أراد أبا سُواج، وخبره مشهور مع صرد بن جمرة، وهو الذي يهجو به عمر بن لجا والأخطل جريراً وقومه. وقال ابن لجا:
تُمسح يربوع سبالاً لئيمة بها من مني العبد رطب ويابسُ
فما ألبس الله امرأ فوق جلده من اللؤم إلا ما الكليبي لابسُ
عليهم ثياب اللوم لا يخلعونها سرابيل في أعناقهم وبرانسُ
وقال الأخطل حين عيره جرير بشرب الخمر:
تعيب الخمر وهي شراب كسرى ويشرب قومك العجب العجيبا
مني العبد عبـــــــــــد أبي سواجٍ أحق من المدامة أن تعيبا
وقوله: قوس حاجبها يعني. حاجب بن زرارة بن عُدس بن زيد، وكان دفع قوسه تذكرة بذمته إلى حشّ، وهو عامل كسرى على السواد وأطراف بوادي العبر، حين رعت بنو تميم ولفهم السواد، وضمن حاجبٌ لكسرى ألا يعيثوا ففي ذلك يقول حاجب:
ربينا ابن ماء المزن وابني مُحرق إلى أن بدت منهم لحى وشواربُ
ثلاثة أملاك رُبُوا في حجورنا على مضر صلنا بهم لا التكاذُبُ
وأقسّم حش لا يسالم واحداً من الناس حتى يرهم القوس حاجب
وأما قوله: سوى محاربها، فإنه محارب بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر، وفيهم ضعة، والعرب تضرب بهم المثل، قال القطامي:
فلما تنازعنا الحديث سألتها من الحي قالت معشرٌ من محاربِ
من المشتوين القِد مما تراهم جياعاً وعيش الناس ليس بناضب
قال الجاحظ" هل أهلك عنزة، وجرما، وعكلا، وسلول، وباهلة، وغنيا، إلا الهجاء؟! وهذه قبائل فيها فضل كثير وبعض النقص، فمحق ذلك الفضل كله هجاء الشعراء في نمير شرف كثير. وهل أهلك عنزة، وجرما، وعكلا، وسلول، وباهلة، وغنيا، إلا الهجاء؟! وهذه قبائل فيها فضل كثير وبعض النقص، فمحق ذلك الفضل كله هجاء الشعراء. وهل فضح الحبطات، مع شرف حسكة بن عتّاب، وعبّاد بن الحصين وولده، إلا قول الشاعر:
رأيت الحمر من شرّ المطايا كما الحبطات شرّ بني تميم
وهل أهلك ظليم البراجم إلا قول الشاعر:
إن أبانا فقحة لدارم كما الظليم فقحة البراجم
وهل أهلك بني العجلان إلا قول الشاعر:
إذا الله عادى أهل لؤم ودقّة فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبّة خردل
ولا يردون الماء إلا عشية إذا صدر الورّاد عن كلّ منهل
وقد هجيت فزارة بأكل أير الحمار، وبكثرة شعر القفا، لقول الحارث بن ظالم:
فما قومي بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشّعر الرّقابا
وعلق الجاحظ على القصية: أما قصة أير الحمار فإنما اللوم على المطعم لرفيقه ما لا يعرفه. فهل كان على حذف الفزاري في حق الأنفة أكثر من قتل من أطعمه الجوفان من حيث لا يدري". (البيان والتبيين3/269)
- اسباب سياسية
وغالبا ما تتمثل في حالات الحروب والغزوات، حيث تعتبر من الحروب النفسية حيث يحاول الشعراء والخطباء أن يثيروا حماس مقاتليهم وإظهار عجز الأعداء وجبنهم وخسارتهم المؤكدة في الحرب، علاوة على التباهي بفرسانهم وبطولاتهم من جهة أخرى. ويمكن ملاحظة ذلك في أشعار حسان بن ثابت ولبيد بعد اعتناقه الإسلام وغيرهم.
قال ابو الفرج " أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن يحيى قالا حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن الهيثم بن بشر مولى محمد بن علي قال : أنشد سديف أبا العباس وعنده رجال من بني أمية قوله:
يابنَ عمّ النبيّ أنت ضِيَاءٌ اسْتَبنَّا بك اليقينَ الجَلِيّا
فلما بلغ قوله:
جَرِّد السَّيْف وارْفَعِ العفـْو حتَّى لا ترى فوق ظهرها أُمَويا
لا يَغُرَّنْكَ ما ترى من رجــــالٍ إنّ تحت الضُّلوع داء دَويّا
بَطن البُغضُ في القديم فأضحَى ثاوياً في قلوبهم مَطْويّا
وهي طويلة قال يا سديف خلق، الإنسان من عجل ثم قال:
أحيا الضغائن آبــــاءٌ لنا سَلَفـُوا فلنْ تَبِيدَ وللآباءِ أبناءُ
ثم أمر بمن عنده منهم فقتلوا". (الاغاني4/343).
وسوم: العدد 1069