في مقاومة المشروع الصهيونيّ الإجراميّ العدوانيّ: الطوفان قُبَيْلَ اقتلاع الكيان (الرابعة أو الأخيرة)
تذكير بنتائج الحلقات السابقة وتأكيد عليها
نؤكِّد أنّ موقعة طوفان الأقصى، هي القارعة التي تفصلنا عن نهاية الكيان الصهييونيّ المجرم، وزوال كلّ المتواطئين من عملائه وخونة العُربان والمسلمين، ونواطير الغرب الصليبيّ الاستعماريّ.
ونعود فنقول: إنّ المشروع الصهيونيّ يتآكل فعلاً وحقيقةً، لأنه مشروع ظالم قائم على الإرهاب والاغتصاب والخروج عن سُنَنِ الله عزّ وجلّ في أرضه.. وسيلحق به في منطقتنا العربية والإسلامية المشروعان: الأميركيّ الصليبيّ الغربيّ، والصفويّ الرافضيّ الفارسيّ، ومشروع الاستبداد والظلم والخيانة العربيّ.. وذلك للأسباب نفسها، ولأنّ مشروع الاستبداد والظلم والخيانة العربيّ، هو أصلاً من تصنيع المشروع الصليبيّ الغربيّ الاستعماريّ، الذي لم يغادر بلادنا العربية والإسلامية إلا بعد توريث روحه وأُسُس مشروعه الاستعماريّ الظالم، إلى نواطيره (أي الأنظمة المسيطرة على الحُكم بالقوّة الاستعمارية الصليبية وتدبيرها) التي تقوم مَقامه، وتضمن استمرار سيطرته الكاملة التامة على أمّتينا العربية والإسلامية، فضلاً عن زراعته كيانَهُ الصهيونيّ اليهوديّ في قلب بلادنا ومركزها الحيّ.
* * *
ثمرات طوفان الأقصى، وفوائده، وشروط جَنْيِ حصاده
لا نشكّ أنّ حرب طوفان الأقصى قد كرّست أزمة المصير لدى الكيان الصهيونيّ، بعد تعميقها خلال حروب سنوات العقدين الأخيرين، عقب انتفاضة الأقصى، وقد أسهب الكُتّاب والمفكِّرون والمحلّلون السياسيون والاستراتيجيون في تسجيل ذلك، ما يُغنينا عن تكرار ذِكْر ماتوصّلوا إليه، لكننا سنُلقي بعض الضوء على ما نراه اقتناعنا الذي ترسّخ لدينا، من خلال مراقبتنا ودراستنا المعمّقة للأحداث والوقائع التي وقعت، وماتزال تجري على الأرض حتى الآن، ضمن مجريات هذه الحرب ذات الأهمية البالغة في تاريخ الصراع كله، ضد الكيان الصهيونيّ ومن وَرائه القوى العالمية الاستعمارية الصليبية العدوانية، التي صنّعته وزرعته بين ظهرانينا، للاستمرار في السيطرة على أمّتنا العربية والإسلامية، وإخضاعها لسطوة الباطل والشرّ والعدوان..
على ذلك، فإننا نرى أنّ حرب طوفان الأقصى هي فعلاً الواقعة المهمة التي تسبق اقتلاع الكيان الصهيونيّ من الأرض التي زُرِعَ فيها، إن تحقّقت الشروط السُّنَنِيّة التي أودعها الله عزّ وجلّ في أرضه، ويساعد على ذلك، ضمان تحقيق بعض المفاهيم الشرعية والعَقَدية والأخلاقية الإسلامية الأساسية، من أهمها:
أ- القضايا الإسلامية كُلٌّ واحد لاتتجزّأ، لأنها جميعاً يؤثّر بعضها على بعض، من جميع النواحي: السياسية، والمعنوية، والدينية، والفكرية، والمواقف الشرعية والأخلاقية.. فإما أن نتصدّى لها بمواقف وأخلاقياتٍ وعقيدةٍ واحدة، أو أننا سنفشل في نصرتها جميعاً نُصرةً تُحقّق ما أمرنا به الله عزّ وجلّ وحده لا شريك له.
ب- لا يجوز التقرّب أو التعامل أو التحالف مع عدوٍّ للإسلام والمسلمين، اتّضح عدوانه، وظهرت أهدافه وممارساته في العدوان على الأمة الإسلامية، أو النيل منها أو المكر أو الغدر بها، أو بجزءٍ منها ومن شعوبها وأوطانها.
ج- لا سبيل لتحرير الأرض المحتلّة والمغتصبة، وتحرير أهلها، إلا بالجهاد في سبيل الله وحده لا شريك له، بكل أنواعه وأبوابه وأشكاله الشرعية.
د- إنّ نصر الله عزّ وجلّ وحده، هو الأساس في أيّ مواجهةٍ مع العدوّ، وإنّ العمل على غير هذه الرؤية، هو فسق وضلال وانحراف، مهما كانت الظروف والمـُغريات التي يبتزّنا بها الآخرون أو الأعداء والخصوم.
ه- إنّ طوفان الأقصى أثبتت أنّ الإعداد الجيّد حسب الاستطاعة، والتوكّل على الله، يمكن أن يقهر العدوّ وداعميه، بعون الله وإذنه ومشيئته وإرادته.. وإنّ الاحتلال الاستيطانّي والديموغرافيّ المدعوم.. يمكن قهره ودحره واقتلاعه، مهما بلغت مستويات قوّته وخططه ومشروعاته واختراقاته الخبيثة.
* * *
القضية السورية وملاحظات وتحذيرات لأصحاب طوفان الأقصى
موقف ما يُسمى بمحور (الممانعة)
لشرح الموقف الرسميّ الإيرانيّ أو موقف النظام السوريّ أو بقية مكوِّنات ما يُسمى بمحور (الممانعة)، من مثل: حزب الله الشيعيّ الرافضيّ اللبنانيّ.. لابدّ من التذكير، بالأرضية (الباطنية) التي تنطلق منها الأركان الأساسية لهذا المحور (النظامان الطائفيان الإيرانيّ والسوريّ، والحزب الطائفيّ الشيعيّ الرافضيّ اللبنانيّ)، هذه الأرضية القائمة على (التَّقِيّة) في التعامل مع الآخر (لا دين لمن لا تَقِيَّةَ له.. لا إيمان لمن لا تَقِيَّةَ له)، لاسيما الآخر المسلم الذي لا يؤمن بهذه العقيدة والوسيلة، التي يُخفي المؤمنون بها ما يُضمرون، فيُظهِرون غير ما يُبطِنون، ويخدعون -بمواقفهم وشعاراتهم وإعلامهم السياسيّ، بناءً عليها- الناسَ والدولَ والأشخاصَ والحركات والأحزاب، لاسيما الحركات الإسلامية!.. ولابد من التنويه هنا، إلى أنّ أبناء الشعب السوريّ عموماً، وأبناء الحركة الإسلامية السورية خصوصاً، هم أفضل الناس خبرةً، بكشف مثل تلك الأساليب الملتوية الباطنية، لأنهم دفعوا ثمنها –وما يزالون يدفعون- عشرات الآلاف من الأرواح، وشلالاتٍ من الدماء، وملايين المُهَجَّرين والمشرَّدين، ووطناً مُدَمَّراً، أخلاقياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً وتربوياً وثقافياً.. وبلداً مرهوناً لعصابةٍ طائفيةٍ حاكمة، تعيث فيه فساداً ونهباً وسلباً وبطشاً وقمعاً.. وخيانةً لا سقف لها ولا حدود!.. وعندما نذكر السوريين، لا يمكن أن نُغفِلَ الأشقاء العراقيين، الذين خبروا جيداً الأساليب الباطنية الرافضيّة لإيران وعصاباتها وتوابعها، في التعامل مع الآخر، ودائماً، هذا الآخر هو المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله!.. فيما نلاحظ أنّ معظم تنظيمات الحركة الإسلامية العالمية وفروعها في مختلف البلدان العربية والإسلامية، تتعامل مع أرباب الباطنية المكوِّنين لهذا المحور الذي يزعم (الممانعة).. بالصفاء الأخلاقيّ المستَمَدّ من التربية الإسلامية، لكنه صفاء مصحوب بالسذاجة السياسية، التي تعكس مدى الجهل الخطير، في فهم حقيقة النظامَيْن المذكورَيْن وتابعهما الرافضيّ (حزب الله اللبنانيّ)، كما تعكس مدى التقصير في الاهتمام بقضايا المسلمين، كقضية احتلال العراق العربيّ المسلم، مع كل ما يجري فيه من سَحقٍ واضطهادٍ وقتلٍ.. وهَدرٍ للدم والروح والعِرض والمال تجاه مسلميه، على أيدي إيران وميليشياتها الطائفية الشيعية الرافضيّة.. وكقضية الشعب السوريّ، الذي فقد من أبنائه وبناته على أيدي نظامه الطائفيّ الحاكم وحلفائه، أكثر بكثيرٍ جداً مما فقدته فلسطين العربية المسلمة على أيدي العدوّ الصهيونيّ منذ عام 1948م حتى اليوم!.. فهل هو الجهل أم التقصير أم القصور أم السذاجة أم التجاهل.. أم الهوى البعيد عن أي معيارٍ شرعيٍّ أو إنسانيّ؟!..
عندما نستحضر كل المعاني المذكورة آنفاً، التي لا يمكن تجاهلها في تحليل موقف أركان هذا المحور المشؤوم، نستطيع أن ننطلق إلى الخطوة التالية في شرح هذا الموقف، إبراءً للذمّة، وتوضيحاً لكل ذي بصيرة، وإنارةً لكل عتمة، وإجلاءً للحق والحقيقة، وتعريةً للباطل وأهله وشيعته:
أ- الموقف الإيرانيّ: نعيد إلى الأذهان، بعض جوانب السلوك الباطنيّ المداوِر المخادِع للنظام الإيرانيّ، قبل حرب طوفان الأقصى وخلالها، وذلك على سبيل المثال:
1- فهو (أي النظام الإيرانيّ) يُسمي بلده باسم: (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ويرفع شعار: الموت لأميركة (الشيطان الأكبر).. ثم يتحالف مع أميركة نفسها على احتلال العراق العربيّ المسلم وأفغانستان المسلمة، ويُقدّم لها كل الدعم اللوجستيّ والاستخباراتيّ والأمنيّ.. والتحريضيّ.. وفوق ذلك كله، يدفع بحرسه الثوريّ وأجهزة استخباراته الطائفية وعملائه الطائفيين، لتدمير ما لم يستطع الأميركيون تدميره في البلدَيْن، ولنهب ما لم يستطع الأميركيون نهبه، ولانتهاك البلاد والعباد والمقدّسات، بأبشع صورةٍ عرفها تاريخ العراق، وبأخسّ الأساليب، وأشدّها حقداً وإجراماً.. علماً أنّ إيران هي أول دولةٍ تعترف بحكومة الاحتلال الشيعية الطائفية، بالتزامن مع اعتراف النظام السوريّ الحليف بتلك الحكومة، التي نصّبها المحتلّ الأميركيّ على رقاب العراقيين.. ثم لتكونَ إيران أول دولةٍ تدعم الاتفاقية الأمنية (العراقية-الأميركية) المكرِّسة للاحتلال، وتؤيّدها، وتشجّع عملاءها في حكومة الاحتلال على إقرارها!..
2- وهو يرفع شعار: (إزالة إسرائيل).. ونذكّر هنا بارتكابه فضيحة: (إيران غيت) أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، عندما تم الكشف عن تصدير النفط الإيرانيّ للكيان الصهيونيّ مقابل السلاح.. إذ اقترفت إيران ذلك كله، بناءً على فتوى خاصةٍ لمرشد ثورتها الشيعية (الخميني)، حسب ما أفاد به تلميذه الرئيس الإيرانيّ الأسبق (أبو الحسن بني صدر) لوسائل الإعلام المختلفة!..
3- كما يقيم (النظام الإيرانيّ) مكاتب أمنيةً في شماليّ العراق (كوردستان)، جنباً إلى جنبٍ مع مكاتب الموساد الصهيونيّ، وتحت حماية الحكومة المتحالفة مع أميركة والعدوّ الصهيونيّ.
4- وتقوم كل وسائل الإعلام الإيرانية، بتسليط الأضواء على الظلم الواقع على الفلسطينيين في فلسطين والقدس والأقصى، ثم يقوم النظام بدفع ميليشياته الطائفية، بعد تدريبها وشحنها بأحقاده الطائفية الفارسية وخرافاته الشيعية الرافضيّة.. بدفعها إلى هدر دماء الفلسطينيين المقيمين في العراق، واستباحة أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وبيوتهم!..
- موقف النظام السوريّ: الموقف السوريّ للزمرة الحاكمة، متناغم تماماً مع الموقف الإيرانيّ، ويتطابق معه في باطنيته ومفارقاته.. ولشرح الموقف الرسميّ السوريّ، لابد من الرجوع إلى ثوابت نهج النظام وسياسته المعتَمَدَة وسلوكه في التعامل مع الأحداث المختلفة، من ذلك:
1- يتميّز النظام بباطنيته، وبقدرته على الخداع، فهو يُظهِر غير ما يُبطِن، وعلى الرغم من كل النكسات والكوارث والإحباطات التي سبّبها للأمة العربية والإسلامية منذ أكثر من خمسة عقود، وعلى الرغم من كل سياساته التواطؤية، وعلى الرغم من كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها بحق شعوب دول المواجهة (سورية وفلسطين ولبنان).. فإنه يُقدّم نفسه على أنه حامي حمى العرب، وأنه النظام (الممانِع) الذي سيحرّر القدس والأقصى.. تُشجّعه على ذلك مواقف بعض الأحزاب العربية القومية التي (تَسْكر) على شعاراته الفقاعية، وبعض الحركات الإسلامية التي تعشق التحليق في عالمَ الشعارات الصوتية، والتي لم تتعلّم من التاريخ أي عِبرةٍ من دروسه.
2- لنلاحظ أنّ النظام لم يعمل لتحرير الجولان، ولم يوجِّه سلاحاً باتجاهها منذ عام 1974م.. وأنه يقف موقف المتفرّج من انتهاكات الطائرات الحربية الصهيونية المتكرّرة للأراضي السورية واللبنانية.. وأنه أرسل جيشه إلى (حفر الباطن) لقتال العراق الشقيق جنباً إلى جنبٍ مع قوات (الإمبريالية الأميركية) (في عام 1990م)، كما يسمّيها في أدبياته.. وأنه اصطفّ إلى جانب إيران ضد العراق في الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرّت ثماني سنوات، مع أنّ هذا النظام السوريّ يقدِّم نفسه، من الناحية الرسمية، نظاماً بعثيّاً قوميّاً عربيّاً!.. وأنه انخرط فيما يُسَمى بعملية السلام مع الكيان الصهيونيّ منذ مؤتمر مدريد في 30/10/1991م، مع أنه يرفع شعار: (الصمود والتصدّي) ومحاربة (إسرائيل)!.. وأنه وافق على أكذوبة: الأرض مقابل السلام.. وأنه دخل في مفاوضاتٍ سرّيةٍ ثم علنيةٍ مع الصهاينة.. وأنّ أكذوبة (السلام) بالنسبة إليه هي (خيار استراتيجيّ) ثابت معتَمَد، كما يكرّر في كل مناسَبة.. وأنه حليف علنيّ لأميركة في ما يسمى بمكافحة الإرهاب، كما يصرّح رئيسه ومسؤولوه.. وأنّ هذا النظام خيار صهيونيّ ينبغي المحافظة عليه ودعمه، كما صرّح بذلك عدد من القيادات الصهيونية، على رأسها السفّاح المقبور (آرئيل شارون)!..
3- تذكير: سياسة النظام وسلوكه يدوران حول محورٍ واحدٍ فحسب: حماية نفسه وعرشه من السقوط، واستمراره في الحكم، وذلك مهما قدّم في سبيل ذلك من تنازلاتٍ على حساب سورية وكرامتها، وعلى حساب الحقوق والقضايا العربية والإسلامية.. وهو لذلك يغيّر جلده بسرعةٍ كبيرةٍ، فيتنازل على حساب سورية وشعبها، ويخضع بسرعةٍ فائقة: فقوّاته -مثلاً- دخلت لبنان بحجة حمايته من (إسرائيل)، ثم كان أول الفارّين من وجه الجيش الصهيونيّ خلال اجتياحي 1978م و1982م.. وزعم أنه ألدّ أعداء (الإمبريالية) وأميركة، فإذا به يعقد الصفقات والاتفاقات معها ويختبئ تحت العباءة الأميركية،.. ويزعم أنه يحمل لواء تحرير فلسطين، ثم يسحق المقاومة الفلسطينية ويتآمر عليها، إلى أن تم إبعادها نهائياً عن لبنان وعن حدود فلسطين.. مع ملاحظة أنّ السجون السورية ملأى بالمعتقلين الفلسطينيين، و..، ولا ننسى مجازر تلّ الزعتر وطرابلس والكرنتينا وبرج البراجنة وصبرا وغيرها، التي ارتكبتها قوات النظام السوريّ بحق الفلسطينيين.. وحين يُفتَح ملفُه في واشنطن داعماً للإرهاب، فإنه يتعاون مع أميركة في قضايا ما يسمى بمكافحة الإرهاب، بل يُقدِّم ما لديه أو ما يُلفِّقه من وثائق للمخابرات الأميركية، ويعلن أنه قد ساعد أميركة على حماية مواطنين أميركيين!..
4- لقد عمل النظام السوريّ طوال أكثر من أربعة عقود، على تدمير البنية التحتية والأرضية الصلبة اللازمة لبناء مقاومة الشعب السوريّ، ففتّت الوحدة الوطنية بحكم الحزب الواحد القائد، وزرع الفتنة بين مكوّنات الشعب السوريّ بحكمه الطائفيّ ثم الأسرويّ، وحوّل الجمهورية إلى مهزلة (جمهوريةٍ وراثية)، وحكم البلاد بقوانين الطوارئ والأحكام العُرفية والقانون رقم 49 لعام 1980م، وصادر الحريات العامة، وفتح سجونه الواسعة لأحرار سورية، ودمّر الاقتصاد السوريّ، وشوّه تاريخ سورية وثقافتها، وتآمر على دِين شعبها بتغطيته الكاملة ودعمه للمدّ الشيعيّ الصفويّ المجوسيّ الفارسيّ داخل البلاد، وحكم البلاد والعباد بزرع الخوف والشك، وكانت وسيلته للحوار مع مواطنيه –على الدوام- هي الدبابة والبارودة والمدفع، فارتكب أفظع المجازر الإنسانية في العصر الحديث، و.
أما موقفه من (حرب الطوفان)، فلم يخرج عن موقفه العام الباطنيّ التواطؤيّ من القضية الفلسطينية طوال تاريخه: رَفْعُ الشعارات الفارغة، والجعجعة الإعلامية، وإظهار نفسه بأنه النظام الممانِع الداعم للمقاومة، وإسهامه في شَقّ الصف العربيّ، وتغذيته لسياسة المحاور، بالاشتراك مع إيران وحزب الله، وبإمكاننا أن نلاحظ بوضوح:
أ- وقوفه موقف المتفرِّج على مذابح غزّة، سوى استنفار قنواته الفضائية ووسائل إعلامه الباطنيّ، لضرورات الجعجعة والخداع!..
ب- عدم تحريك أي ساكنٍ على جبهة الجولان المحتلّ.. ولا حتى القيام بأي تحرّكٍ وقائيٍّ على الجبهة.. ولا الإدلاء بأي تصريحٍ يحمل صبغةً عسكريةً تُربك العدو الصهيونيّ، وتُربك مخطّطاته وعملياته العسكرية في غزة.
ج- لم يعمل على استثمار المَدّ الشعبيّ السوريّ المؤيّد للمقاومة، لصالح تحرير الأرض والجولان المحتلّ.
ج- موقف حزب الله: لم يخرج عن موقف حلفائه (الإيرانيين والسوريين)، ولا يمكن له أن يخرجَ عن موقف سادته ووليّ نعمته الذي يتبع له، على أساس تابعيّته لـ (الوليّ الفقيه) الإيرانيّ.. فهو موقف شعاراتيّ صوتيّ متفرِّج على الأحداث، ولتذهب الشعارات (الصاروخية) الخاصة بـ (حيفا) و(ما بعد حيفا) و(ما بعد.. بعد حيفا) إلى الجحيم!..
* * *
المخطّط الصهيوني الصليبي الغربي- المجوسي الرافضي، ضد الإسلام والمسلمين
لم تمرّ على الإنسانية حقبة تاريخية تمكّن فيها الظالمون بباطلهم.. أشدّ من الزمن الذي نعيشه، وكأنّ العالَم قد صار غابةً مُتخمةً بالضواري، التي لا ترويها أنهار الدم النازف هنا وهناك في هذه الأرض.. إنه عالَم تتسلّط على رقابه حفنة من الموتورين، امتلكت قوةً هائلة، ولم تجد مجالاً لاستخدامها إلا في التدمير والتخريب وإشاعة الظلم والقهر والفوضى، فجعلت من جبروت القوة وسيلةً للابتزاز والإذلال وارتكاب الانتهاكات والجرائم بحق الإنسانية، وأصبحت القوة هي الأمر الوحيد الذي يحتكم إليه طغاة العصر، فضاعت القِيَمَ الإنسانية، وضاعت الأخلاق السويّة التي من المفترض أن تتحكّم بالنفس البشرية، لتتصدّى للمهمة الأساس التي أوكلها الله عزّ وجلّ إليها، وهي: عِمارة الأرض، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل، ونشر العدل والقسط بين الناس!.. (.. هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود: من الآية 61).
عقيدة القوة الطاغية الباغية، اعتنقتها حفنة من المهووسين، بعد أن شعروا أنهم امتلكوا عواملها ومفاتيحها، فاجتمع شرّ النفس البشرية وتجرّدها من كل خُلُقٍ إنسانيٍ سويّ.. مع القوّة المادية الهائلة، فكانت النتيجة: بطشاً وظلماً وجبروتاً وطغياناً وتدميراً واستعباداً ونزفاً للدم في كل مكان!.. وكان -في المحصّلة النهائية- الانقلاب المريع في المفاهيم الإنسانية وأسس التعامل بين البشر، فظهر العالَم وكأنه يسير على رأسه وليس على قدميه، وانقلبت مع ذلك أسس الروح الإنسانية، فأصبح (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف) هو أصل العلاقات بين الشعوب والأمم.. تلك العلاقات التي نسجت خيوطها حفنةُ الطغاة القابعين في البيت الأبيض الأميركيّ، ولم تعد خافيةً على عاقلٍ في هذه الدنيا.. تِلْكُمُ الأصابع الخفيّة التي تُحرِّك حفنةَ الطغاة أولئك: الأصابع الصهيونية اليهودية، التي التقت مصالح أصحابها الفاجرين، مع مصالح المصابين بجنون التطرّف والتسلّط والعَظَمَة والحقد، في أميركة والغرب.. فكانت الحربُ المستمرّة الضارية موجهةً توجيهاً دقيقاً، نحو الإسلام، دِيناً وعقيدةً ومنهج حياة.. ونحو العالَمَيْن العربيّ والإسلاميّ: مَهْداً وأرضاً للإسلام.. ونحو المسلمين: إنساناً وأداةً لمقاومة الظلم والعبودية لغير الله عزّ وجلّ!..
لقد سقطت -مع إسقاط كل القِيَمِ الإنسانية من قِبَلِ الطغاة في أميركة والكيان الصهيونيّ والغرب- كل الدعاوى العِراض، التي استطاعت تزييف الحقائق على مدى قرنٍ كامل، فسقطت -مثلاً- مزاعم تحقيق الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية واحترام استقلال الدول وما يسمى بالشرعية الدولية.. وغير ذلك!.. وظهر أولئك الطغاة على حقيقتهم تماماً، وتبيّن أنهم ليسوا سوى حفنة من السفّاحين الساديّين، الساعين إلى ابتزاز الشعوب المستضعَفَة واحتلال أوطانها، واستغلالها وإذلالها وقهرها، محَمَّلين بكل أدوات الاستكبار والاستبداد والظلم ونهب الأوطان وانتهاك حُرُماتها!..
هكذا.. سقط العالَم بين مخالب أميركة والغرب الصليبيّ، ومُحرّكهما الدائم ضد العرب والمسلمين: الكيان الصهيونيّ اليهوديّ!.. وظهرت استراتيجية هؤلاء جَليّةً تجاه شعوبنا وأوطاننا: التفتيت أولاً، لخدمة المخطّطات القائمة على السيطرة والاحتلال، وعلى مَنْعِ أي حالة نهوضٍ حقيقيةٍ لأمّة العرب والإسلام!.. وكان لابدّ من أداةٍ فعّالةٍ تُحقِّق لهم ذلك!..
* * *
ضمن هذا الواقع المشحون المريب، الذي صنعه وما يزال يصنعه طغاة أميركة ومشروع إدارتها المبرمَج للسيطرة على العالَم والهيمنة على شعوبنا وأوطاننا.. يبرز أصحاب المشروع الصفويّ الفارسيّ أشد ريبةً، لينموَ ويشتدَّ عُودُهُ في حضن المشروع الأميركيّ الغربيّ العدوانيّ، وليظهرَ الصفويّون الجدد حلفاء للاستراتيجية الغربية الأميركية الصهيونية في التفتيت.. فبدل أن تجدَ الأمة العربية والإسلامية في إيران ظهيراً وسنداً ودعماً وحمايةً للمسلمين وأوطانهم.. أطلّ مجوس الفُرس وأذنابهم والمتواطئون معهم.. من الحضن الأميركيّ والغربيّ الصليبيّ، كالأفعى الضالّة، مُنْقَضّينَ على الأمَّتَيْن العربية والإسلامية، مُقتَنِصينَ فرصةً تاريخيةً طالما حلموا بها منذ مئات السنين، مُحَمَّلين بكل الحقد على أمتنا، وبخرافاتهم الماكرة، وبكل أساطير المراجع الشيعية الصفوية السردابية، وبكل اللؤم وبواعث التآمر ومزاعم الثأر، تواطؤاً لمصلحة عدوّ الأمة، وممالأةً له على احتلال أوطان المسلمين، وأداةً لتنفيذ استراتيجيّته الشرّيرة في تفتيت شعوبنا وأوطاننا، ومِعْوَلاً يهدم كل أركان الأمة: عقيدةً، وكرامةً، ومَنهجاً، ووحدةً،.. ووجوداً وحضارةً ومعالمَ حياة، لتعودَ إلى الأذهان كل حادثات الطعن بأمتنا والغدر بها، التي اقترفها (ابن سبأ) و(ابن العلقميّ) و(الحشّاشون) و(الطوسيون) و(القرامطة) و(الصفويّون).. وأمثالهم من الخونة المارقين أصحاب الأهداف المريضة.. وليُثبِتَ هؤلاء بالصوت والصورة، أنهم بعيدون عن الإسلام ومصالح أهله بُعدَ المشرقَيْن!.. فأصبحت المعادلة الدقيقة منسوجةً على الشكل الآتي: أميركة والغرب والصهيونية والفُرس بظلمهم وطغيانهم وباطلهم وغطرستهم.. في طرف، ضد الأمة الإسلامية ومصالحها.. والإسلام والعرب والمسلمون.. في الطرف المقابل، هدفاً وحيداً للطرف الأول الذي يتنافس أهله على تفتيتنا وذبحنا وإذلالنا واستعبادنا!..
* * *
لقد جرّبت البشرية خلال عقود ضياعها، كل المناهج الممكنة لتحقيق العدل والمساواة والسعادة والرفاهية.. من أقصى يسار الاشتراكية والشيوعية، إلى أقصى يمين الرأسمالية وما يسمى بالليبرالية.. ثم إلى عقيدة الثورة الخمينية الصفوية الفارسية الكسروية الشيعية.. فكانت النتيجة مذهلةً مروّعة: مزيداً من الجَوْر والشقاء والعبودية لغير الله!..
ولعلّه لم يَبْقَ لخروج البشرية من مأزقها الخطير الحاليّ بعد سقوط المناهج الوضعية، إلا المنهج الربانيّ: الإسلام، ومَنهجه العادل الصالح لكل زمانٍ ومكان.. الإسلام الحقيقيّ لا المزيّف المبتَدَع، مُنقِذاً في أول الأمر، ثم ناظماً لحياة البشر وحاكماً لهم، يُرخي عليهم ظلال العدل والمساواة والسعادة والرفاهية والأمن، واحترام إنسانية الإنسان وحقوقه، واحترام الكرامة والمروءة الإنسانية، وإحياء الروح الإنسانية الحقة، بكل ما تختزنه من رحمةٍ وقِيَمٍ خلاّقةٍ كريمةٍ عزيزة!..
الإسلام بات ضرورةَ مصيرٍ لأمّتنا، بعدله ورحمته ووسطيّته وتسامحه واحترامه لحقوق الناس وكرامتهم، فقد أفلست كل المناهج الوضعية إفلاساً مروّعاً، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبدت معالم أصحاب (التَّقِيَّةِ) ومَراجع تحريف ديننا الحنيف، تنكشف عن حقيقتهم التآمرية الحاقدة الغادرة، ولا بد للأمة أن تُبرِزَ مشروعَها الأصيل النقيّ، لتواجه به المشروعَيْن المشبوهَيْن الغادرَيْن: الأميركيّ الغربيّ الصهيونيّ، والفارسيّ الصفويّ الشعوبيّ، ولا بد من العمل الحثيث المتواصل، لكشف أدوات المشروعات الهدّامة أولاً وتعريتها، لردّ كيدها وشرّها عن أمّتنا وأوطاننا..
* * *
طوفان الأقصى وإعادة بناء مشروع الأمة الإسلامية، وتحريرها، وتحرير الإنسانية كلها
لا تعجبوا، فإنّ طوفان الأقصى يمكن أن يكون اللبنة الأولى لبناء مشروع الأمة الإسلامية، وإعادة مَجدها، وحضارتها الـمُـشرقة، وذلك إن استُثمِرَت واقعة الطوفان من قِبَل الأمة الإسلامية، على مستوى الشعوب العربية والإسلامية وحركاتها وتنظيماتها العاملة، الدعوية والثورية، أقول: الشعوب لا الأنظمة الوظيفية التي تعمل لدى الصليبية الاستعمارية، والصهيونية اليهودية، والصفوية الكسروية المجوسية.. برتبة (ناطورٍ) لتحقيق مصالحهم جميعاً، أو لممالأتهم ضد الإسلام والمسلمين.. وستكون أول ثمرةٍ لذلك، هي تحرير الأقصى المبارك وفلسطين كلها، من النهر إلى البحر!.. فأين العاملون المتعاضدون المستثمرون أيها المسلمون؟!.. وأخصّ بالذكر في طليعة هؤلاء، أبطال قوى الثورة السورية الجاهزة!.. للإسهام في بناء اللّبنة الأساس لمشروعٍ إسلاميٍّ مستقلٍّ طاهرٍ نظيف، بهدف تحقيق مَنهج الله عزّ وجلّ في الأرض، والقيام بمهمّة عمارتها على أفضل وجه، ليعودَ العدلُ والقسطُ –المفقودان- بين الناس، ليكونا المعيار الكريم للعلاقات الإنسانية السويّة. واللهَ نسأل، أن يُسخِّرَ المجاهدين العاملين الأطهار، لتحقيق ذلك بإذن الله.. جهاداً في سبيله وحده لا شريك له.. بشرطٍ واحدٍ فحسب، هو الثبات على طريق الله عزّ وجلّ، دون التحالف مع، أو ممالأة أي جهةٍ أو قوّةٍ من قوى الأعداء المذكورين أعلاه، تحت أي ذريعةٍ أو بحّجة أي ظرفٍ من الظروف، التي اعتاد أصحاب طوفان الأقصى، على التذرّع أو التحجّج بها، طوال السنوات المنصرمة، إلى أن ظهر للعيان، غَدْرُ أصحاب المشروع الصفويّ الفارسيّ المجوسيّ، وظهرت خياناتهم وممالأتهم الخفيّة لأصحاب المشروعَيْن العَدُوَّيْن الخبيثَيْن الماكِرَيْن: الصليبيّ الغربيّ، والصهيونيّ:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين]. (المائدة/51).
والحمد لله ربِّ العالمين.
* * *
.. تمّت..
وسوم: العدد 1069