هل هناك مفاوضات بين "الإنقلابيين" والإخوان؟!
هل هناك مفاوضات بين "الإنقلابيين" والإخوان؟!
بدر محمد بدر
لا أحد يستطيع، سواء من المحللين السياسيين أو المراقبين المنصفين للمشهد المصري، منذ الثالث من يوليو الماضي وحتى الآن، إنكار أو تجاهل أن قادة الإنقلاب العسكري الدموي يمرون حاليا بأزمة كبيرة وأفق مسدود ويعيشون كارثة واضحة، ربما تطيح بهم تماما من الساحة، وقد تدفع بهم إلى أعواد المشانق أو رميا بالرصاص، أو حتى السجن المؤبد، إن لم يتم التوصل إلى "حل ما" ينهي هذه الكارثة، التي حلت بمصر منذ وقوع هذا الإنقلاب العسكري الدموي.
الأزمة بالطبع تتعدد أسبابها وتتشعب جوانبها وتتراكم نتائجها؛ سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإستراتيجية أو العسكرية، مع تزايد وتنامي الضغوط الداخلية والأعباء الخارجية على سلطة الإنقلاب، إضافة إلى استمرار وزيادة الحشود الجماهيرية في الشوارع يوميا دعما للشرعية ورفضا للإنقلاب، مع كثرة الحديث مؤخرا عبر مؤسسات مالية ومصرفية عالمية كبرى، عن أن "سلطات الإنقلاب لن تتمكن من توفير الرواتب للموظفين الحكوميين في الدولة، خلال الربع الأول من 2014، على الرغم من الدعم المالي الخليجي السخي منذ الأيام الأولى للإنقلاب وحتى الآن".
أيضا الحديث المؤكد عن أن دول الخليج، التي مولت ودعمت الإنقلاب العسكري، تدرس حاليا بوضوح التراجع عن التعهد باستمرار دعم الإنقلاب ماديا، وبعضها تراجع بالفعل بعدما رأوه من صمود المصريين ضد بقائه واستمراره، وأدركوا أن عودة الشرعية والاستقرار السياسي كفيل بحل الأزمة المتفاقمة، وأيضا بسبب موضوع يخص هذه الدول وهو خذلان الولايات المتحدة الأمريكية لها مؤخرا في مواجهة الخصم السياسي اللدود: "إيران".
إذن البحث عن حل سياسي لما جرى، كان ولا يزال أحد المسارات التي بدأت عقب الإنقلاب مباشرة، وهو ما أكده الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"، والمعتقل حاليا، في شهر يوليو الماضي من أن هاتفه لا ينقطع رنينه من اتصالات قادة المجلس العسكري الإنقلابي، بهدف التفاوض مع الإخوان على الوصول إلى حل سياسي ما، لكنه لا يرد عليهم، وهو ما حدث ولايزال مع قيادات أخرى غيره.
وتوالت الاتصالات والمبادرات، التي قدمها مقربون من الإنقلاب حينا، أو رافضون له، أو ساعون للوساطة بين الجانبين في أحيان أخرى، منها مبادرة الدكتور محمد سليم العوا، ومبادرة المستشار طارق البشري، ومفاوضات حسنين هيكل وغيرها، ومؤخرا مبادرة الدكتور أحمد كمال أبو المجد، ومن الخارج كانت هناك المبادرة التركية القطرية، ومبادرة الاتحاد الأوروبي، ومبادرة وفد الاتحاد الأفريقي.
معظم هذه الاتصالات والمبادرات، فيما عدا ثلاثة تحديدا هي: مبادرة البشري، والتركية القطرية، والاتحاد الأفريقي، كانت تسعى إلى إقناع الإخوان والمتحالفين معهم بقبول الأمر الواقع، والرضا بما جرى، ومنع المظاهرات التي تطالب بعودة الشرعية ورفض حكم العسكر من الشوارع، والقبول بخارطة الطريق التي أعلنها الإنقلابيون الذين يسيطرون بالقوة العسكرية، وفي المقابل يتم الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين من الإخوان وبقية الإسلاميين، (يتردد أنهم الآن حوالي 40 ألف معتقل، والعدد يتزايد بمعدل يومي)، وإلغاء المحاكمات التعسفية التي تجري لهم حاليا، وتحديد نسبة هامشية لمشاركتهم في الحياة السياسية مستقبلا.
المبادرات الأخرى تبنت مبدأ الالتزام بالشرعية الدستورية، واحترام إرادة الشعب الذي اختار بحرية وشفافية، وعودة الرئيس الشرعي المنتخب، وإعادة العمل بالدستور الذي تم الاستفتاء عليه، وعودة مجلس الشورى، والتعجيل بإجراء انتخابات مجلس النواب القادم، إضافة إلى تفصيلات أخرى تحاول إرضاء الطرفين إلى حد ما.
وويؤيد هذا ما قاله مؤخرا النائب رضا فهمي رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشورى المعطل من أن "اتصالات قادة الانقلاب العسكريين لم تتوقف ولم تنقطع منذ الانقلاب حتى الآن، للتفاوض والقبول بالأمر الواقع، وكان الرد من قادة التحالف الوطني لدعم الشرعية هو الرفض القاطع.
قادة الإنقلاب، الذين اعتقلوا منذ الساعات الأولى أغلب رموز وأعضاء حركة الإخوان المسلمين وعلى رأسهم فضيلة المرشد العام، وكذلك أغلب رموز وقيادات الأحزاب الإسلامية وعلى رأسهم د. محمد سعد الكتاتني رئيس حزب "الحرية والعدالة"، تركوا وزيران فقط من قادة الإخوان، وهما أيضا من رموز التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب، هما وزيرا التخطيط والتعاون الدولي د. عمرو دراج، والتنمية المحلية د. محمد بشر، أملا في التفاوض معهما والوصول من خلالهما إلى صيغة ما لحل سياسي، يمكن أن يبقيهم في السلطة كأمر واقع.
منذ البداية اعتمد قادة "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب"، الذي تشكل عقب الإنقلاب العسكري مباشرة من عدة أحزاب وهيئات ذات مرجعية إسلامية من بينها حزب "الحرية والعدالة"، مبدأ محددا وهو: "لا مانع من أي حوار سياسي مع الجميع على أساس واضح، مفاده: لا حديث عن أي حلول سياسية قبل عودة الشرعية كاملة, (الرئيس والدستور ومجلس الشورى)، ومحاكمة الإنقلابيين والقصاص منهم، خصوصا بعد إسالة دماء الآلاف من المصريين الأبرياء في ميداني رابعة والنهضة وغيرهما منذ الإنقلاب وحتى الآن، وأنه لا مجال لقبول أي حل سياسي آخر لا يبدأ من هذه القاعدة الواضحة".
ورغم ذلك يحاول البعض الضغط من أجل الوصول إلى حلول أقل قبولا من قادة التحالف، سواء بالترهيب بمزيد من الاعتقالات وتلفيق القضايا، والإيحاء بما يمكن أن يحل بجماعة الإخوان من كوارث، أو ينتظر مستقبل الوطن من أزمات إذا استمر "عنادهم"، أو بالترغيب في الإفراج عن المعتقلين من القيادات، وإعادة الأموال التي تم مصادرتها، والسماح لأعضاء الجماعة بالعمل السياسي في إطار صيغة ما، وربما يراهن هؤلاء البعض على الاستمرار في إرهاق الإخوان، ماديا وسياسيا واجتماعيا، خصوصا في حال ضعفت المسيرات الداعمة للشرعية والرافضة للإنقلاب، وهو رهان خاسر تاريخيا وواقعيا.
آخر وأحدث هذه المحاولات (وهذا خبر أكده عضو في تحالف دعم الشرعية) جاءت من الفريق الإنقلابي عبد الفتاح السيسي، بعد فشل كل المحاولات السابقة، "الذي اتصل قبل أيام شخصيا وبعيدا عن الوسطاء، بالدكتور محمد علي بشر، وطلب لقاءه منفردا بعيدا عن "التحالف"، للبحث عن مخرج وحل سياسي، بدعوى أن الإخوان على استعداد للتضحية لأنهم الأحرص على مصلحة الوطن! ورفض د. بشر لقاءه منفردا، وأكد له أن أي مفاوضات يجب أن تكون تحديدا مع قادة "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب"، وثانيا أن تكون على أرضية واضحة وهي "عودة الشرعية كاملة"، ثم نناقش التفاصيل بعد ذلك".
"التحالف الوطني" الذي أعاد تنظيم صفوفه داخليا، (في القاهرة والمحافظات الأخرى عبر قيادة الفعاليات اليومية)، وخارجيا (عبر تنظيم العمل في أوروبا وأمريكا تحديدا) بشكل جيد خلال الفترة الماضية، يعتمد بشكل كبير على أنه صاحب حق مشروع وواضح، وعلى استمرار حشد الشارع والتصعيد وتنامي المد الثوري، لرفض كثير من المبادرات غير المناسبة، التي تقدم عبر وسطاء.
كما أكد على عدم تعاطيه مع "أي مبادرات أو عروض سياسية لا تتوافق مع سقف مطالب الشارع، وأنه لن يستقبل وسطاء دون تقديم أجندة واضحة لأهداف اللقاء وبنوده، تصل إليه قبل عقده بفترة كافية، وأن السيد الرئيس د. محمد مرسي هو طرف رئيس وأصيل في أي حل، ولا يمكن تجاوزه مطلقا".
سقف الشارع المناهض للإنقلاب والداعم للشرعية الآن ارتفع عاليا، خصوصا بعد إسالة الدماء البريئة بهمجية غير مسبوقة، من جيش وشرطة ضد أبناء وطنهم المسالمين، والتنازل عن هذا السقف (عودة الشرعية كاملة والقصاص من القتلة والتطهير الثوري للجيش والشرطة والقضاء والإعلام) لم يعد في إمكان أحد، لا الإخوان ولا تحالف دعم الشرعية، لأنه يعني ببساطة: الانتحار السياسي.
والإخوان يدركون ذلك جيدا، ويدركون أيضا أن الحديث عن "مبادرات سياسية" ربما يهدف إلى إثارة الغبار حول حقيقة موقف الإخوان، وإظهارهم بمظهر الحرص على مصالحهم فقط، أكثر منه تقديم حل واقعي للكارثة التي تنتظر الوطن في الأيام المقبلة.. حمى الله مصر والأمة من شرور وكوارث الإنقلابيين.