استمرار وانتشار رقعة الحراك الطلابي في بلاد الغرب إيذان بميلاد عهد جديد
استمرار وانتشار رقعة الحراك الطلابي في بلاد الغرب إيذان بميلاد عهد جديد يطبعه التحرر الفكري من هيمنة الأساطير المؤسسة لدولة الكيان الصهيوني
لا شك أن الحراك الطلابي الذي اندلع في أعرق الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية ثم انتقل وانتشر في العديد من الجامعات الغربية بالدول الأوروبية السائرة في فلك الولايات المتحدة ، قد خلق وعيا راشدا لدى الطلاب في تلك البلاد التي أسرتها الأساطير المؤسسة لدولة الكيان الصهيوني العنصري لعقود ، ثم انتقل هذا الوعي بعد ذلك إلى عموم الغربيين الذين جرهم التعاطف مع هؤلاء الطلبة إليه ، فتحرك ضمير الغرب مكسرا القيود التي كانت تقيده ، وهي صناعة إعلامية ماكرة مضللة ، توهمهم بأنها تقدم لهم الحقائق عن الكيان الصهيوني ، وهي في حقيقة الأمر إنما تسوق لهم أوهاما والأساطير ، وتذر الرماد في عيونهم لحجب الرؤية الصحيحة عن بشر في عالم متطور تكنولوجيا، لكنه بكل سذاجة يصدق بتلك الأساطير، وهو بذلك في مؤخرة ركب حضارة القيم الإنسانية السامية التي تغطت عليها القيم المادية .
وها هم الطلبة الجامعيون بحراكهم يوقظون ضمير عالمهم الغربي ، وضمير باقي العالم ، وهم يحاولون بذلك الخلاص من نير الأوهام والأساطير الصهيونية ، والتحرر من تأخرهم عن ركب حضارة القيم الإنسانية المؤسسة على العقل والمنطق ،وهي قيم توجد في مجتمعات لا تطور مادي فيها ، ولكنها ذات أرصدة قيم إنسانية سامية .
ويذكر العالم كله أن الفيلسوف الفرنسي الراحل روجي جارودي الذي خاض بعقل منفتح رحلة البحث عن الحقيقة بين الفكر المسيحي، والفكر الإلحادي حتى انتهى في آخر المطاف إلى سمو الفكر الإسلامي، فأعلن إسلامه ، وكان هو من تنبه إلى وقوع العالم الغربي ضحية الأساطير المؤسسة لدولة الكيان الصهيوني ، وقد نشر تنبيهه في كتابه " الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل " الذي تمت مصادرته في بلاد الغرب ، ولم يعد له أثر، لأنه كان أخطر كتاب على الكيان الصهيوني المرتزق والمتاجر بتلك الأساطير من أجل تكريس أفكار عنصرية مقيتة تريد أن تعود بالبشرية إلى عهود الجهالة المظلمة التي كان فيها بعض البشر يستعبدون البعض الآخر انطلاقا من أوهام وخرافات وأساطير ، كادعاء جنس اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه ـ تعالى الله عما زعموا علوا كبيرا ـ وأنهم شعبه المختار ، وبهذا تعالوا ، واستكبروا ، وتمردوا على طبيعتهم الناسوتية مدعين الطبيعة اللاهوتية ، وكرسوا بذلك عنصرية مقيتة جعلتهم يرون عموم الناس مخلوقات دونهم كرامة وإنسانية، ويزعمون أنهم خلقوا من أجل أن يكونوا عبيدا وأقنانا لهم يسخرونهم للخدمة كي يعيشوا هم في بذخ ورفاهية .
ولقد كان الأجدر بالعالم الغربي أن ينتبه منذ زمن بعيد إلى ما فضحه الفيلسوف جارودي، وما حذر منه كي لا يقع ما وقع في أرض فلسطين ، ما يقع الآن في قطاع غزة ، بسبب تلك الأساطير المهيمنة في العالم الغربي الذي استنبث الكيان السرطاني الصهيوني في أرض فلسطين التي انتقلت من احتلال ابريطاني بغيض إلى احتلال صهويني أشد بغضا منه ، علما بأن الغرب وتحديدا دوله الأوروبية هي المسؤولة الأولى أخلاقيا وتاريخيا على زرعه ورعايته ودعمه كي ينتشر شره ووباله في العالم العربي والإسلامي . ولقد كان لفكرة التكفير عما لحق العنصر اليهودي في القارة العجوز خصوصا على يد النازية دور في نشأة هذا الكيان العنصري الذي عاقب ويعاقب الشعب الفلسطيني يحمله وزر ما اقترفته النازية ، ويعامله بأشد مما عاملته به النازية، لأن الصهيونية تكن الحقد الأسود لكل ما له صلة بدين الإسلام الذي فضح كل جرائر العنصر اليهودي بدأ بالإساءة إلى الذات الإلهية ، ومرورا بقتل الأنبياء ، ومخالفة تعاليمهم ، وتحريف ما أنزل عليهم ، وانتهاء بنشر الفساد حيثما حلوا وارتحلوا ، والغدر بكل من آواهم في فترات ضعفهم وشتاتهم ، وإشعال الحروب بين أمم الأرض ... إلى غير ذلك مما أصبحت صفات ملازمة لهذا العنصر البشري الذي يعتمد في وجوده على أساطير تميزه عن كل الأعراق البشرية ، وهي صفات لا تنفك عنهم إلى قيام الساعة .
وها قد تنبه طلاب الغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي ، وهم النخبة المثقفة والطليعة إلى أساطير الصهاينة بدءا بفكرة إقامة ما سمونه الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المهدد بالهدم والدمار، والمعرض للتدنيس يوميا استفزازا لمشاعر مليار ونصف المليار مسلم ... إلى غير ذلك من الأوهام والخرافات . ولقد ظل الغرب يصدق تلك الأساطير بسبب الخداع الذي يمارسه الصهاينة من خلال العزف على وتر فكرة قيام أو عودة المسيح المرفوع إلى الأرض ، وقد جعل الصهيانة عودته رهينة بقيام دولتهم القومية فوق أرض فلسطين التي احتلوها بالقوة وبدعم من الاحتلال البريطاني لها ، وبمباركة كل الدول الغربية التي خرجت منتصرة على النازية في الحرب العالمية الثانية . وبكل سذاجة ، و تعطيل للعقول صدقت شرائح واسعة في المجتمعات الغربية المسيحية هذه الخرافة ، و تسرب إليها التصهين ، وصار الزعماء الغربيون المتصهينون يعلنوا صراحة تصهينهم ، ويفاخرون به ، ويقفون إلى جانب الصهاينة بالمال والعتاد ، وحتى بالجيوش المقاتلة والمتورطة في جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ، الشيء الذي أيقظ ضمائر الطلاب الجامعيين ، فتصدوا باحتجاجاتهم واعتصاماتهم لأنظمتهم شريكة الكيان الصهيوني في إجرامه .
وعندما نتأمل مطالب الطلبة الثائرين في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية ، نجدها تركز على تورطها الد اعم للكيان الصهيوني حيث توفر له كل احتياجاته بما فيها أسلحة الدمار الشامل ، وقد وضعت رهن إشارته جامعاتها ومعاهدها العلمية التي يسخر الصهاينة خريجيها، ويعاملونهم كالأقنان يمدونه بما يطور ترسانة أسلحته الفتاكة التي يستخدمونها في عدوانه على الشعب الفلسطيني الأعزل كما هو الشأن بالنسبة للطائرات المسيرة المتطورة التي هي حصيلة مجهودات علمية في الجامعات والمعاهد الأمريكية والأوروبية ، والتي استخدمت في جرائم الإبادة الجماعية ، وقد ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء معظمهم من الأطفال، والنساء، والعجزة .
ولقد غضب الشباب الجامعي الأمريكي والأوروبي الذين وجدوا أنفسهم أقنانا بيد الصهيونية تستنزف عقولهم ، و طاقاتهم ، وملكاتهم ، وخبراتهم، ومؤهلاتهم العلمية لتذل شعبا فوق أرضه ، وتذيقه الخسف ، وتستبيح أرواح أبنائه تحت ذريعة أساطير وأوهام بالية كتلك التي نبه إليها الفيلسوف جارودي. وعند النظر في مطالب الشباب الجامعي سواء في أمريكا الشمالية أو في الدول الأوروبية ، نجدها منحصرة في مطالبة أنظمتها بفك الارتباط مع الكيان الصهيوني على مستوى البحث العلمي الذي يستفيد منه على حساب جهودهم ، ويشعر هؤلاء الطلاب أن الكيان الصهيوني قد ورطهم بطرق غير مباشرة في جرائم الإبادة الجماعية التي يقترفها بكل وحشية ونازية .
ولقد حرك هذا الشباب الجامعي المتنور شعوب بلدانهم التي ظلت لعقود طويلة أسيرة الأساطير الصهيونية التي يروجها الإعلام العالمي المسيطر عليه صهيونيا ، والموجه للرأي العالم العالمي والعابث به خصوصا العالم الغربي ويسوق رعاياه سوء الأنعام استخفافا بعقولهم ، وعبثا بمشاعرهم .
ولا يمكن أن تظل تلك الأساطير والخرافات الصهيونية مسيطرة على الرأي العام العالمي ، وتحديدا الغربي ، لأنها لا يمكن أن تثبت أمام ما يصدر عن مراكز العلم والمعرفة والبحث المعادية بطبيعتها لكل نوع من أنواع الأوهام والخرافات والأساطير التي تسوق لأغراض خبيثة ومكشوفة لكل ذي لب . ولن ينجح بعد طوفان الأقصى الذي جاء كتنبيه للرأي العام العالمي الغافل عن الطبيعة العنصرية والوحشية للكيان الصهيوني .
ولقد صار بعض المسؤولين في الدول الغربية تحت ضغط الحراك الطلابي يعبرون عن تضامنهم معه إما تحايلا من أجل امتصاص غضب الطلاب ، أو ربما يكون قد أيقظ ضمائرهم التي ظلت معطلة لعقود .
وأمام ازدياد ضغط الحراك الطلابي ، يزداد الكيان الصهيوني إصرارا على مواصلة جرائم الإبادة الجماعية في غزة متحديا العالم بأسره ، وضاربا عرض الحائط كل القيم السائدة فيه ، ومع ذلك لا زالت الإدارات الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية تقف مساندة له غير مبالية بإرادة شعوبها الغاضبة والساخطة على ما يجري في غزة ، والضفة الغربية من أرض فلسطين المحتلة .ولن يقبل العالم بعد اليوم رؤية حاخامت صهاينة بلحى مرسلة وضفائر شعورهم المرسلة والسواد الذي يلبسونه قبعات ومعاطف ،والذي يرمز لسواد قلوبهم التي يعشش فيها الحقد والكراهية وهم يوزعون البنادق الرشاشة على أتباعهم ، ويحرضونهم على القتل والإجرام باعتماد أساطيرهم البالية .
ولعل هذا الحراك الطلابي إذا قدر له أن يزداد أن يكون إيذانا بميلاد عهد جديد يتحرر فيه العالم من أساطير الصهيونية التي تعيث فيه فسادا ، و لا شك أنه سيكون بألف خير دون وجود هذه الصهيونية العنصرية النازية التي يجب أن تستأصل شأفتها كغيرها من الحركات العنصرية البائدة .
وسوم: العدد 1079