التهجير «الطوعي» للفلسطينيين… والسوريين!

شارك آلاف من الإسرائليين، بينهم وزيران في حكومة بنيامين نتنياهو، أمس الثلاثاء، في مسيرة جرت في مدينة سديروت بالقرب من حدود غزة، دعوا فيها إلى استيطان القطاع وإجبار سكانه على مغادرته. ايتمار بن غفير، وزير «الأمن القومي» قال للمتظاهرين بأن هذا هو «الحل الحقيقي. يجب أن نشجع الهجرة الطوعية لسكان غزة. إنه أمر أخلاقي»!

يمثل الحدث الآنف جزءا من سلسلة تصريحات أطلقها كبار المسؤولين في الدولة العبرية، بمن فيهم نتنياهو نفسه، وسموتريتش، وزير المالية، ونواب في الكنيست، وتجيء هذه التصريحات، التي تعبّر عن معنى الدولة الإسرائيلية في استئصال الفلسطينيين، على ما يظهر، كبدائل ممكنة لما كشفت عنه وثيقة سرية للمخابرات الإسرائيلية مع بداية الحرب على غزة تتضمن خطة لنقل سكان القطاع إلى سيناء بعد انتهاء الحرب.

من المؤسف أن تعليقات وخطط المسؤولين الإسرائيليين تزامنت، مع تصريحات مماثلة، وحملة وإجراءات تهجير تتشارك فيها، للمرة الأولى، مجمل أطراف السياسة في لبنان، وكان آخر تفاصيلها إخراج 330 شخصا قال الإعلام اللبناني إنهم «سجلوا أسماء لدى مراكز الأمن العام لتأمين عودتهم إلى بلدهم».

حصل ذلك بعد أن اعتمدت الحكومة اللبنانية سلسلة من السياسات التقييدية على الإقامة والعمل والتنقل، رافقتها زيادة غير مسبوقة في أشكال التضييق والمطاردة والاستهداف ضد السوريين وهو ما اعتبره مسؤولون ونواب لبنانيون يدخل في سياق «الحل الجذري لمشكلة النزوح السوري» ورافقتها تحذيرات أطلقتها منظمات حقوق إنسان دولية، بينها «هيومن رايتس ووتش» ومنظمة «العفو الدولية» استندت إلى توثيقها ما يواجهه اللاجئون السوريون من تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي حال عودتهم.

من اللافت للنظر، أولا، أن تجري الحملة ضد السوريين في الوقت نفسه الذي تخوض فيه المقاومة اللبنانية معركة لدعم الفلسطينيين في غزة ضد خطط الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري، وثانيا، أن تنضم إليها أطراف كانت قد اتخذت مواقف داعمة للشعب السوري ومناهضة للنظام مع بدء الثورة الشعبية ضده عام 2011، لكنها قررت اليوم أن تنقلب على مواقفها السابقة وتشارك في الحملات العنصرية ضد الضحايا مما يصبّ، عمليا، في صالح النظام (تحدثت «القوات اللبنانية» مؤخرا على «إجماع اللبنانيين على ترحيل اللاجئين») وثالثا، أن يقترح زعيم «حزب الله» السيد حسن نصر الله، فتح البحر إلى أوروبا أمام السوريين لحل «أزمة النازحين في لبنان» بدل مطالبة حلفائه في النظام السوري بتغيير سياساتهم القمعية ضد اللاجئين وبضمان أمن النازحين وسلامتهم وعودتهم إلى الأماكن التي هجّروا منها، والتي يملك الحزب وجودا فيها، كما في الزبداني والقصير وحمص وغيرها.

إن ترافق التصريحات الإسرائيلية عن «هجرة طوعية» للفلسطينيين، مع عمليات الإبادة الجارية، يظهر كم في كلمة «طوعية» من مفارقة هائلة لواقع الحال، أما تناظر ذلك مع استخدام المداهمات وهدم المخيمات والحرمان من الإقامة والضغوط القانونية والسياسية ضد اللاجئين السوريين، من دون ظهير يدافع عنهم سوى منظمات حقوق الإنسان الدولية، فيظهر عطبا سياسيا لبنانيا وعربيا شاملا، يمكن أن يفسّر، بأكثر من طريقة، التجريف الإسرائيلي الهائل لمقومات فلسطين.

وسوم: العدد 1080