كيف اختفى وصف حماس بـ«بالإرهاب» في الإعلام العربي؟
سيظل طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من أكتوبر 2023 حدثا فارقا على هذا الكوكب، يحمل في طياته التباين بين ما قبل وما بعد الطوفان، سواء على صعيد مواقف الدول أو الشعوب أو الكيانات أو الشخصيات.
كثير من المواقف تغيرت بفعل طوفان الأقصى، ومن ذلك تناول الإعلام العربي لحركة حماس، وعلى وجه التحديد وصفها بأنها منظمة إرهابية، وهو ما دأب عليه إعلام بعض الدول العربية، التي تعبر عن التوجهات الرسمية.
في نهاية أكتوبر الماضي، وبعد مرور 23 يوما على معركة طوفان الأقصى، نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، تحليلا بعنوان «الانتقادات والإدانات العربية لحركة حماس قبل 7 أكتوبر 2023»، تضمن اقتباسات لتصريحات أدلى بها مسؤولون رسميون وكُتّاب وإعلاميون من عدة دول عربية عن حركة حماس، تشترك في وصف حماس بأنها منظمة إرهابية توجه إرهابها ضد الفلسطينيين والدول العربية، تحت اسم تحرير فلسطين، وبعضها يزيدنا من الشعر أبياتا، فيرى أن الفلسطينيين يعانون بسبب حماس لا بسبب الإسرائيليين، بل تمادت بعض هذه الأصوات مطالبة بضرب معسكرات الحركة في قطاع غزة.
الشعوب الغربية شاهدت المجازر الوحشية التي يرتكبها الاحتلال بحق شعب غزة، ونظرت إلى موقف حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية على أنه دفاع عن الأرض
السبب الجامع لهجوم إعلام تلك الدول على حركة حماس، هو الامتداد الفكري للحركة، التي ترتبط فكريا بجماعة الإخوان المسلمين، وأن الحركة المقاومة تقف حجر عثرة أمام مشروع التطبيع، الذي هرول إليه العديد من الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي.
وبعد 275 يوما على بدء الحرب، نستطيع القول إن هذا الوصف اختفى في الخطاب الإعلامي العربي، فلم نعد نسمع عبارة «حماس منظمة إرهابية» إلا في بعض الدول الغربية الراعية والمؤيدة للكيان الصهيوني. ولا يعبر هذا عن تغيير في توجهات تلك الدول الحاضنة للمنابر الإعلامية المعادية لحماس، وإنما جاء هذا التغير في الخطاب الإعلامي بضغط الواقع. الواقع يقول إن حركة حماس، أدهشت القاصي والداني، إذ تواجه أقوى جيش في الشرق الأوسط، والذي يتلقى دعما غير محدود من أمريكا وحلفائها، فشل هذا الجيش في القضاء على قوات غير نظامية، لم يتلق أحد عناصرها تعليما في المعاهد والكليات الحربية، ولا تملك الحركة دبابة واحدة ولا مدرعة ولا طائرة، وعلى الرغم من فارق القوة الهائل، ألحقت خسائر فادحة في الجنود والمعدات الإسرائيلية، وأدارت المعركة إعلاميا بشكل يفوق الوصف، وأظهرت عبقريتها الفريدة في التفاوض، وقوّضت العقيدة العسكرية الإسرائيلية القائمة على مبادئ الضربات الاستباقية، وأنظمة الإنذار المبكر والردع الفعال، والدفاع القوي والحل السريع، والسيطرة على التصعيد. عمليات عسكرية بالغة التعقيد والفاعلية تقوم بها حماس ضد القوات الإسرائيلية، وتقوم بتوثيقها بالصوت والصورة، مقابل إخفاق مستمر من العدو الصهيوني في إحكام السيطرة على القطاع، أو تقويض قدرات الحركة، وليس له إنجازات على الأرض سوى دك البيوت وقصف المخيمات واستهداف النساء والأطفال والمستشفيات والمساجد. الحاصل أن حماس خالفت كل التوقعات التي أكدت من قبل أن دخولها في حرب مع الكيان الإسرائيلي محال، لأنه يعني إفناءها، ومن ثم أجبرت العالم على أن يتعامل معها باعتبارها كيانا قويا يمثل أحد طرفي الصراع.
انسحبت تلك النظرة على الإعلام العربي الرسمي، فتخلى عن موقفه السابق في شيطنة الحركة ووصفها بالإرهاب، إذ أن الأنظمة العربية والدولية تتعامل بشكل رسمي مع قادة الحركة في التفاوض، لإنهاء الحرب، تستمع لشروط الحركة، وتنتظر ردودها على مقترحات الهدن ووقف إطلاق النار، فلن يكون من المقبول، أو المنطقي أن تتوسط أنظمة عربية ودولية بين الحركة وخصمها، ثم توصف بأنها جماعة إرهابية. هناك بُعدٌ آخر في هذه القضية، وهو التأثير القوي الذي أحدثته الحرب في الشعوب العربية والإسلامية، ونظرتها إلى حماس، هذه الشعوب كانت مُغيبة بسبب الصورة الذهنية التي رسمها الإعلام المعادي لحماس عن الحركة، من أنها حليفة للكيان، وتبسط مظلة المقاومة والدفاع عن فلسطين من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وأنها من أجل تعزيز مصداقيتها تطلق من آن لآخر حزمة صاروخية لا تحدث تأثيرا يذكر في الجانب المعادي، لكن طوفان الأقصى كشف لهذه الشعوب أن الحركة كانت تتجهز عبر سنوات لحرب التحرير، وأنها أنقذت المسجد الأقصى من عملية تهويد كانت قد وصلت إلى مرحلتها الأخيرة، وأحيت القضية الفلسطينية من جديد، بعد أن ماتت دوليا، وأن هذه الحركة باتت تنوب عن الأمة في صراعها مع العدو الصهيوني، وأصبحت حماس مدعاة للفخر، واكتسب قادتها شعبية جارفة، وباتت هذه الشعوب تصنف الدول والكيانات والشخصيات على أساس موقفها من المقاومة. هذا التأثر الشعبي أجبر إعلام الدول المعادية لحماس على التخلي عن وصف الحركة بالإرهاب، لأن شيطنتها في هذا التوقيت سوف يوسع الفجوة بين الشعوب وأنظمتها الحاكمة. أمر آخر أسهم في تخلي الإعلام العربي عن وصف حماس بالإرهاب، هو موقف الشعوب الغربية التي قربتها حرب طوفان الأقصى من القضية الفلسطينية، بعد أن كانت أسيرة للروايات الرسمية المضللة، وشاهدت المجازر الوحشية التي يرتكبها الاحتلال بحق شعب غزة، ومن ثم نظرت إلى موقف حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية أنه دفاع عن الأرض. أضف إلى ذلك التباين الأخلاقي بين الطرفين، سواء في المصداقية التي ظهر بها إعلام المقاومة مقابل التضليل والتزييف الإعلامي الإسرائيلي، أو في ما يتعلق بالتعامل الراقي الإنساني لحماس مع الأسرى الإسرائيليين، مقابل العسف والإجرام والبطش الذي تتعامل به قوات الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين.
هذه النظرة من الشعوب الغربية تجاه حماس، أسهمت في تخلي الإعلام العربي عن وصف حماس بالإرهاب، ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن «بي بي سي» وهي التي أظهرت عدم الحيادية في تناولها لأحداث طوفان الأقصى، أحجمت على الرغم من ذلك من وصف حماس بأنها حركة إرهابية لاعتبارات مهنية، ونشرت بذلك تقريرا بعد خمسة أيام من اندلاع المعركة، تبرز فيه حيثيات عدم وصفها الحركة بالإرهاب، على الرغم من الضغوط التي تعرضت لها الهيئة داخل بريطانيا، فكيف سيبرر الإعلام العربي إذن موقفه حال وصفه حماس بالإرهاب، لا شك في أنها ستكون سباحة واضحة ضد التيار، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وسوم: العدد 1086