هوامش حول نظرية الإسلام السياسية

هذا بحث موجز مختصر مقدم لعموم القراء بهدف إعطاء صورة سريعة وتصور عام للنظام السياسي الإسلامي.. والهدف الأول منه إثبات صلاحية هذا الدين وأحكامه لكل زمان ومكان، فهو يستوعب كافة النظم والأشكال السياسية ويوجهها بالاتجاه الصحيح .

أما الهدف الثاني فهو الذود عن الدين من تصورات الغلاة من جهة والخصوم من جهة أخرى.

وهو يتكون من 22 فقرة، والله ولي التوفيق والنجاح.

***

هذه بعض الأفكار حول نظرية الإسلام السياسية، نكتبها بأسلوب مبسط وبإيجاز، لعل فيها نبراسا لمن يبحث عن التصور الإسلامي للنظام السياسي والحياة الإنسانية وأحداثها.

1 الناس كلهم عبيد لله تعالى

تعتبر البشرية في التصور الإسلامي أسرة واحدة، متساوية في حقوقها وواجباتها، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)/ النساء.

2 الأمم والمجتمعات مكونة من شعوب وقبائل

وقد انقسم البشر إلى شعوب وقبائل متساوية عند الله تعالى في الحقوق والواجبات، وأفضلها عنده أتقاها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)/ الحجرات.

3 العبادة غاية الخلق

أولا: الغرض الأساسي من خلق البشر هو العبادة، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)/ الذاريات.

ثانيا: العبادة تعني طاعة الله تعالى في أمور الدين والدنيا، إذ ليست العبادة مقتصرة على الصلاة والزكاة ونحو ذلك، بل هي تشمل رعاية الطبيعة، والإحسان إلى الحيوان، وتنظيف المدن والطرقات، وطلب الذرية الصالحة لاستمرار النسل البشري، ونحو ذلك...

فهي مفهوم شامل لنمو العلاقات وتطورها بين العبد وربه من جهة، وبينه وبين مجتمعه من جهة أخرى.

ثالثا: أعطى الله تعالى للإنسان فسحة في هذه الحياة ليستقر في الأرض، ويعمرها، ويستمتع فيها، ويأكل من خيراتها إلى أن يأتي أجله، قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (24)/ الأعراف. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168)/ البقرة. والإنسان مأجور على أي عمل يعمله من أمور دنياه، حتى الترفيه و التسلية المباحة، ما لم يكن هنالك معصية.

4 الله تعالى هو الذي يهب الحكم لمن يريد

أولا: كل شيء عند الله تعالى بقدر، وهو المتصرف الوحيد في هذا العالم خفضا ورفعا، والملك والغنى بعض ما يعطيه لعباده من نعم وفيرة لا تعد ولا تحصى، قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)/ النساء.

ثانيا: في حياة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام قد يعين الله تعالى الملك مباشرة عن طريق إخبارهم وحيا بذلك، كما عين طالوت، حيث قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)/ البقرة.

ثالثا: ولأن الله هو الذي يهب الملك لمن يشاء، فقد يطلب الأنبياء الملك من الله مباشرة، كما فعل سيدنا سليمان الحكيم عليه السلام، قال تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35)/ ص.

رابعا وبما أن الله تعالى أوجدنا في عالم الأسباب، والملوك قد يكونون سببا في. الملك، فقد يطلب الملك من ملك من ملوك الأرض كما فعل سيدنا يوسف الصديق عليه السلام، قال تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)/ يوسف.

خامسا: وقد يأتي الملك عن طريق الشورى بين الناس، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)/ الشورى.

5 كل شيء في الوجود لله رب العالمين

ليس لله شريك في خلقه، ولا أمره، ولا عطائه، قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)/ الأعراف.

6 الحكم لله عز وجل

كل الأمور ترجع إلى الله، والأقدار بين يديه، ومصائر العباد إليه، وهو الذي يقرر لعباده ما يريد من أحكام تتعلق بها أمور دينهم ومعيشتهم واستخلافهم في هذه الأرض، قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)/ يوسف.

7 الحكم بما أنزل الله

مطلوب من الحاكم أن يحكم بما أنزل الله تعالى، لا أن يحكم بهواه، فمن خلق الإنسان من طين هو أعلم بما يناسبه من أحكام وشرائع، وما سوى الله محدود العلم، واقع تحت تأثير الجهل والهوى والضعف، فلا بد أن تكون أحكامه صورة عنه، ولذلك وجب أتباع أحكام الله تعالى التي أنزلها في كتابه، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)/ المائدة.

8 الحكم بالعدل

ينبغي على الحاكم أن يعدل بين المتخاصمين في القضاء، ولا يميل مع طرف ضد آخر، قال تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم بالعدل: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)/ المائدة.

وقال تعالى آمرا أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالعدل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)/ النساء.

9 الحكم شورى

أولا: الشورى فرض في الإسلام، فقد أمر الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه رضي الله عنهم، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)/ آل عمران.

وجعل الشارع الحكيم أمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بعده قائما على الشورى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)/ الشورى.

ثانيا: يرى الأزهر الشريف أن النظام الديمقراطي يمكن أن يتوافق مع الإسلام، وأن الإسلام لم يأت بشكل محدد للحكم، فقد كتب لؤي علي في صحيفة اليوم السابع، بتاريخ الجمعة، 19 فبراير 2016 05:16 ص، الآتي:

"قالت اللجنة الشرعية،التابعة لمرصد الأزهر الشريف، إن الديمقراطية هى حكم الأكثرية والأغلبية عن طريق صناديق الاقتراع وهو ما يسمى بالتصويت الانتخابى، وهو يتفق مع الشريعة الإسلامية، فالحكم فى الإسلام مبنى على الشورى، أما إذا ارتضت الأغلبية سن قوانين تخالف الشريعة الإسلامية كإباحة الزنا وشرب الخمور وزواج المثليين وإجهاض الفتيات، وغيرها من الأشياء التى حرمها وجرمها الإسلام، كما يحدث فى الدول الغربية باسم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، فهو أمر يرفضه الإسلام ولا يمكن أن يقبله المجتمع الإسلامي؛ لأنه يؤدى إلى نشر الرذيلة والفاحشة فى المجتمع.

وأوضحت اللجنة فى تقرير لها، أنه عند الحديث عن حكم الديمقراطية فى الإسلام ينبغى الإشارة أولا إلى مفهومها لدى الغربيين، إذ إن لفظ الديمقراطية مصطلح دخيل على الثقافة الإسلامية، فالحكم على الشىء فرع من تصوره؛ فالديمقراطية تعنى وصول الأكثرية والأغلبية للحكم عن طريق التصويت الانتخابى، وبالتالى يحق لهم اختيار الحاكم وسن القوانين والتشريعات التى ترضاها الأغلبية دون اعتبار لدين أو أخلاق، فهى نظام سياسى اجتماعى يقوم بفصل الدين عن الدولة، وعند النظر إلى المفهوم الغربى للديمقراطية نجد أن فيه شقين، أحدهما يتفق مع روح الشريعة الإسلامية، والآخر يتعارض معها.

وتابعت اللجنة: "أما الشق الأول الذى يتفق مع الشريعة الإسلامية: فهو وصول الأغلبية والأكثرية للحكم عن طريق صناديق الاقتراع، وهو ما يسمى بالتصويت الانتخابي، فالإسلام لم يضع نظاما معينا للحكم، بدليل اختلاف الطريقة التى تم بها اختيار الخلفاء الراشدين، ولكن الإسلام وضع أسسا ودعائم يقوم عليها الحكم، وهى تحقيق العدالة والشورى، فالحكم فى الإسلام مبنى على الشورى لقوله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ" [آل عمران: 159]، وقوله: " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" [الشورى: 38]".

أما الشق الثانى الذى يتعارض مع الشريعة الإسلامية: فهو سن القوانين والتشريعات حسب ما ترتضيه الأغلبية حتى ولو كانت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن كان رأى الأغلبية لا يخالف الثوابت الدينية فلا مانع من إقرار القانون، وإن خالفه فيحرم إقراره، فمن المقرر فى أصول شريعتنا أنه "لا اجتهاد مع النص".

ثالثا: جاء في فتوى في موقع: إسلام ويب تحت عنوان: (نظام الحكم الإسلامي مباين للنظم الديمقراطية)، رقم الفتوى: 190837 الآني: "هذا، وليس في نظام الإسلام السياسي ديمقراطية بالمدلول الغربي للكلمة، والذي يقصد به عندهم أن تكون السيادة المطلقة للشعب، وفي المقابل فإن مبدأ الشورى من أعظم المبادئ التي يقوم عليها ذلك النظام، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 64323- 150315 - 172845.

وإذا أردت مزيد تفصيل في هذا الموضوع، فراجع كتاب: النظام السياسي الإسلامي مقارنًا بالدولة القانونية - دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة، وهو في أصله: رسالة دكتوراه استغرق إعدادها تسع سنين للأستاذ الدكتور/ منير حميد البياتي، وهذا الكتاب من أفضل الكتب وأجمعها في نظام الإسلام السياسي، ولا يغني عنه غيره، ويُنصح بطبعته الثالثة 1431هـ  دار النفائس؛ فإن فيها إضافات مهمة". 

10 وظيفة الحاكم الدينية والدنيوية

أولا: للحاكم وظيفتان:

الأولى: دينية وتتمثل في إقامة شعائر الدين وأحكامه.

والثانية: دنيوية وتتمثل في رعاية شئون الناس، وتيسير سبل العيش الكريم لهم، وحفظ النظام العام.

ولقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم ذلك، فحين طعن بعض القوم في خلافة أبي بكر، قال بعضهم: «لقد رضيه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟!

ثانيا: الحاكم مسئول أمام الله عن شعبه يوم القيامة، ومسئول أمام شعبه في الدنيا، وينبغي أن تكون هنالك آلية لمحاسبته فيما لو قصر، وآلية لاستبداله لو فقد الأهلية.

11 أهمية وجود القيادة للمجتمعات والأمم

أولا: الإنسان مدني بطبعه، والحياة في المدن تحتاج إلى تخطيط ونظام وقوانين، وهذا يقتضي وجود سلطة تنفيذية، ولا بد للسلطة من أن يكون على رأسها ملك أو أمير أو زعيم يضبط أمورها، ويرجع الناس إليه وقت الخطر والشدائد والنزاعات.

ثانيا: وإذا كان هذا الملك أو الزعيم عادلا فهذه نعمة عظيمة، وإن كان ظالما فهذه بلية ورزية، لكنها بكل الأحوال خير من الفوضى، والانفلات الأمني، والاضطراب الاجتماعي، فقد روى ابن عساكر في (تاريخ دمشق) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال لابنه عبد الله: (يا بني! سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم).

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لا يصلح الناس إلا أمير بر أو فاجر. قالوا: يا أمير المؤمنين هذا البر فكيف بالفاجر؟! قال: إن الفاجر يؤَمِّن الله عز وجل به السبل، ويجاهد به العدو، ويجبى به الفيء، وتقام به الحدود، ويحج به البيت، ويعبد الله فيه المسلم آمنا حتى يأتيه أجله). رواه البيهقي في (شعب الإيمان).

انظر موقع: (إسلام ويب، مفهوم أثر: سلطان ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم، رقم الفتوى: 149387).

12 من أحوال الملوك الصالحين

أولا: قص القرآن الكريم علينا بعض أخبار الملوك الصالحين، مثل: يوسف وداود وسليمان عليهما السلام، وهؤلاء ممن جمعوا بين النبوة والحكم، أما يوسف عليه السلام فهناك سورة كريمة باسمه تحكي قصته، وأما داود وسليمان عليهما السلام فقد ذكرتهما آيات القرآن الكريم في سور كثيرة، من ذلك ما قاله تعالى محددا رسالة داود عليه السلام وموصيا له بأن يحكم بالحق: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)/ ص.

ثانيا: وقد انتقل الملك من داود إلى سليمان عليهما السلام بالوراثة، وقد علم الله تعالى علوما عجيبة لسليمان عليه السلام، وآتاه ملكا لم ينله أحد من بعده، قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)/ النمل.

وهنالك في القرآن الكريم قصة ذي القرنين، وتبع، وبلقيس، وغيرها.

13 إمكانات الملك الصالح

أولا: الملوك الصالحون بشر، قد يخطئون ويصيبون، وهم مأجورون طالما تحروا الحق، سواء أصابوا أم أخطأوا.

ثانيا: حتى الأنبياء منهم، قد يلتبس عليهم بعض الأمور، فإذا التبس عليهم أمر وضحه الله لهم وحيا، إما مباشرة أو عن طريق أنبياء آخرين، كما حصل في قصة مع داود وسليمان عليهما السلام، قال تعالى: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)/ الأنبياء.

ثالثا: ومما يؤكد بشرية الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنه قد يجري عليهم ما يجري على غيرهم من البشر في أحكامهم، ما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- -قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص- فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحَدَثَ في الصلاة شيء؟ قال: «وما ذاك»، قالوا: صليتَ كذا وكذا، فَثَنَّى رِجليْهِ، واستقبل القبلة، وسَجَدَ سجدتين، ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه، قال: «إنه لو حَدَثَ في الصلاة شيءٌ لنَبَّأَتُكُم به، ولكن إنما أنا بَشَرٌ مثلكم، أنسى كما تَنْسَوْن، فإذا نسَيِتُ فذَكِّرُوني، وإذا شَكَّ أحدكم في صلاته، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فليُتِمَّ عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين». متفق عليه.

وفي حديث آخر عن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

14 من أحوال ملوك السوء

أولا: ملوك السوء من الطغاة والعتاة يحولون وظيفة العباد من عبادة الله رب السماوات والأرض إلى عبادتهم هم، حيث تشرئب أعناقهم لمقام الربوبية، فهذا نمروذ يدعي إحياء الموتى ويجادل سيدنا إبراهيم في ذلك، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)/ البقرة.

وهذا فرعون يدعي الألوهية والربوبية، ويمارس أسوأ سياسة طائفية عنصرية استئصالية مع رعيته، قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)/ القصص.

ثانيا: وهذا ملك آخر ظالم مغتصب، آخذ للسفن، مما يضطر البشر للتحايل عليه حفاظا على أملاكهم، قال تعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام: (وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)/ الكهف.

ثالثا: وهذه بلقيس ملكة اليمن تصف عامة سلوكهم عند الغزو: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34)/ النمل.

رابعا: ومهما كان من شأن هؤلاء الملوك المتجبرين الفاسدين، فإن لهم بعض المنافع العامة، كما أن الخمرة وهي أم الخبائث فيها منافع للناس كما ذكر الحكيم العليم، ولذلك قد يبقيهم الله عز وجل حكاما لفترة من الزمن، ثم يعاجلهم العقوبة في الدنيا، أو يؤخرهم ليوم الحساب.

15 المرجعية وطاعة ولي الأمر

أولا: تقتضي طبيعة الحياة المدنية طاعة ولي الأمر، فلا معنى لتنصيب حاكم ثم عصيانه.

ثانيا: وقد أكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة، فقال تعالى منبها على وجوب طاعة أولياء الأمور، ومبينا أنه في حال التنازع بين الحاكم والمحكوم تكون المرجعية الدستورية لكليهما هي العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)/ النساء.

ثالثا:وأكدت سنة النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب طاعة الحاكم مهما كان شكله أو جنسيته، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ). رواه البخاري.

16 فلسفة الحكم في الإسلام وأنماطه

أولا: الحكم في الإسلام شورى كما تقدم.

وتقتضي الشورى أن لا يوجد استبداد ولا طغيان، والشورى من مفاخر هذه الشريعة الغراء ومزاياها، وفي هذا الصدد قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

الدين يسر والخلافة بيعة

والأمر شورى والحقوق قضاء

ثانيا: الأصل في الإسلام هو نظام الخلافة القائم على الشورى.

ولكن بحكم الأمر الواقع، ومنعا للفتنة وسفك الدماء، وذلك عندما يأتي سلطان ما، ويفرض سلطته بقوة السيف، ويفرض نظاما مغايرا لنظام الخلافة كما حصل تاريخيا، فإن أكثر فقهاء الإسلام قد يتقبلونه كضرورة واقعية.

ثالثا: وكذلك قد يتقبلون أشكال الحكم المختلفة التي يختارها الناس إذا لم تكن خلافة، مثل: أنظمة ملكية، إمارة، جمهورية، برلمانية... مادامت ملتزمة بدستور السماء، وملتزمة بقيم العدالة والحرية والشورى والتسامح والتعايش والمساواة، وهذا أحد أهم أسباب صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان.

ثالثا: (لمحة تاريخية عن طريقة اختيار الحاكم)

لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص بالخلافة لأحد بعده بشكل صريح.

وتوفي بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد أوصى بها لعمر.

وتوفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد جعلها في ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب أن يختاروا أحدهم.

وتوفي عثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يجعلها لأحد.

واختير علي من قبل أهل الحل والعقد، وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين استشهد، فلم يجعلها لأحد من بعده، ولم يأمرهم ببيعة الحسن رضي الله عنه ولم ينهاهم عنها، رضي الله عنهم أجمعين.

ولي الحسن بعد أبيه ثم تنازل لمعاوية سنة 41 هجرية، وسميت عام الجماعة.

تحولت الخلافة إلى ملك جبري بعد وفاة معاوية سنة 60 هجرية، وورثه يزيد، واستمرت الخلافة الأموية إلى سنة 132 هجرية.

ثم قامت بعدها الدولة العباسية واستمرت الخلافة حتى سنة 656 هجرية، حيث سقطت بغداد على يد هولاكو.

وبعدها قامت الدولة العثمانية، واستمرت حتى سنة 1922هجرية.

رابعا: في بعض مراحل التاريخ تمزقت الوحدة الإسلامية، فكان هنالك خليفة عباسي ببغداد، وفاطمي بالقاهرة، وأموي بالأندلس، وتحولت كل دولة من هذه الثلاثة إلى دويلات صغيرة متناحرة.

خامسا: أجاز بعض العلماء حكم السلطان المتغلب بالسيف، في حالة كانت إزاحته ستؤدي إلى فتنة واضطراب وسفك الدماء بغير حق.

سادسا: في العصر الحديث عرف المسلمون الأنظمة البرلمانية والجمهورية، وهي أنظمة جاءت بفعل تطور الحياة السياسية في هذا العالم.

سابعا: (تعقيب)

ها هنا نستخلص أمورا عدة:

الأمر الأول: يرى جمهور العلماء والفقهاء أن الأصل أن يتحد المسلمون في دولة واحدة، تحت حكم خليفة واحد، ويكون الحكم شورى، كما في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.

الأمر الثاني: لقد تعددت أشكال الحكم المختلفة التي عرفتها الأمة الإسلامية بعد ذلك، وكلها بحكم الواقع قد تكون مقبولة إلى حد ما عند كثير من العلماء والفقهاء إذا كانت ملتزمة بمرجعية الكتاب والسنة. وهذا تخفيف على الأمة، وهو توسع ورحمة، فلا تقف رؤية بعض المرجعيات الدينية عند نموذج محدد للحكم تتمسك به، ولا تقبل سواه. وقد جاء في الأثر عن ابن مسعود: (ما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء). رواه أحمد.

الأمر الثالث: وليس يهم الإسلام شكل الحكم: خلافة (وهي الأصل)، أو ملكي، أو جمهوري.. بقدر ما يهمه سيادة قيم التوحيد، العدالة، والكرامة، والمساواة، والحريات العامة، والرخاء الاقتصادي، وسيادة القانون.

17 حقيقة الصراعات في الأرض

هنالك أربعة أنواع من الصراع على وجه الأرض:

الأول: صراع بين الإيمان والكفر، وإليه الإشارة في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)/ النساء.

الثاني: صراع بين الحق والباطل، وهو أعم من النوع

الأول، إذ كل إيمان حق، وليس كل حق إيمانا. وكل كفر باطل، وليس كل باطل كفرا.

فمثلا لو تخاصمت دولتان أو قبيلتان حول قطعة أرض، تملكها إحداهما، فهذا صراع بين حق وباطل.

وقد جاءت آيات كثيرة تشير إلى الصراع بين الحق والباطل، منها قوله تعالى: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)/ الرعد.

الثالث: صراع داخلي بين أفراد أو جماعات معسكر الباطل، حتى يأكل بعضه بعضا، ويفني بعضه بعضا، وإليه الإشارة في قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)/ الأنعام.

الرابع: صراع بين أفراد وجماعات معسكر الحق، وإليه الإشارة في قوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)/ الحجرات.

ويؤيد ما ذكرناه من إمكانية وجود صراع بين أهل الحق ما رواه مسلم، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها، وأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ، وإنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتي أنْ لا يُهْلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وإنَّ رَبِّي قالَ: يا مُحَمَّدُ إنِّي إذا قَضَيْتُ قَضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ، وإنِّي أعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أنْ لا أُهْلِكَهُمْ بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، ولَوِ اجْتَمع عليهم مَن بأَقْطارِها، أوْ قالَ مَن بيْنَ أقْطارِها، حتَّى يَكونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، ويَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا).

18 من يدير الصراع في هذه الحياة

أولا: يتصور بعض الناس بأن الأمور في هذا العالم تجري بشكل عبثي، تعالى الله عن ذلك، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)/ المؤمنون.

ثانيا: وإنما تجري كل الأمور بأقدار الله تعالى، وفق سنن ربانية وقوانين كونية لا تتغير. ويجري كل شيء بأمر الله تعالى وتدبيره، فهو المتحكم بهذا الكون، لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: (إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

ثالثا: فالتاريخ وما فيه من أحداث وحروب وهزائم من تقدير الله عز وجل، وهي تجري وفق سنن كونية، وأسباب ومسببات، من ذلك ما يجري من أحداث مع بعض الأمم كبني إسرائيل، وذلك كما قال تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)/ الإسراء.

رابعا: وملكية الأرض ووراثتها من تدبير الله عز وجل، وذلك يجري وفق نواميس كونية وسنن ربانية وأسباب إنسانية، قال تعالى: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)/ الأحزاب.

والأرض في الآية مقصود بها أرض بني قريظة.

فما من شيء يجري في هذا الكون إلا بتدبير الله تعالى وأمره.

19 من سنن الله في الصراع الدنيوي

لله سنن في أحداث هذا العالم، منها:

أولا: يرث هذه الأرض الصالحون القادرون على عمارتها، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)/ الأنبياء.

ثانيا: لا بد لكل بداية من نهاية، ولكل عمار من دمار، فكما أن هنالك آجالا للأفراد، فهنالك آجال للحضارات والمدن والعمران، قال تعالى: (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)/ الإسراء.

ثالثا: العبرة في الصراعات بالكيف لا بالكم، كما قال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)/ البقرة.

رابعا: لا بد من الأخذ بالأسباب قدر الاستطاعة، والكسلان والمقصر لا ينتصر، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)/ الأنفال.

خامسا: لا بد من توازن نسبي بين القوى المتقابلة في الحروب، وذلك كما قال تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)/ الأنفال.

20 حول سنن التغيير الاجتماعي

يظن بعض الناس بأن القوة المادية هي الوسيلة الوحيدة للتغيير، ولا شك أن القوة المادية هي من أهم عوامل التغيير عبر التاريخ، ولكن القوة لها أشكل متعددة، وليست محصورة بالقوة المادية وحدها، فهنالك القوة النفسية، والقوة العلمية، والقوة الاقتصادية...

ومن الأشياء التي تسهم في التغيير الاجتماعي ما يأتي:

أولا: التربية والتعليم والتهذيب، فيجب إصلاح النفوس لإصلاح المجتمع، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)/ الرعد.

ثانيا: يلجأ الطغاة من الملوك إلى البطش والفتك والدمار والتهجير والإرهاب كوسيلة مفضلة للتغيير السلبي، كما ذكر تعالى على لسان ملكة سبأ وهي أدرى بأحوالهم بوصفها ملكة مثلهم: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34)/ النمل.

ثالثا: الأخذ بالأسباب، والسير في الأرض، وإقامة العدالة، والعمران كبناء السدود ونحوها، كل هذا من أهم وسائل التغيير الإيجابي، وقد تمت الإشارة إلى ذلك كله في قصة ذي القرنين التي جاءت في أواخر سورة الكهف.

رابعا: الكفر قد يجلب النعم في البداية، وذلك على سبيل الاستدراج، كما قال تعالى: (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)/ الزخارف.

خامسا: الكفر يزيل النعم في النهاية، كما قال تعالى: (مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)/ نوح.

سادسا: الإيمان يجلب الابتلاء في البداية، كما قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)/ البقرة.

سابعا: الإيمان يجلب النعم في النهاية: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)/المائدة.

ثامنا: الجزاء من جنس العمل، والمقدمات الصحيحة تقود إلى نتائج صحيحة، والمقدمات السلبية تقود إلى نتائج سلبية، قال تعالى: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)/ النساء.

21 من أدوات الصراع على وجه الأرض

أولا: جعل الله تعالى هذا الحديد وسيلة للحرب والسلام، وهو منزل كنعمة من السماء، فيه فوائد شتى للإنسانية، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)/ الحديد.

ثانيا: لم يذكر الله تعالى السيف صريحا في القرآن الكريم، وإنما ذكر الرماح، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)/ المائدة.

ثالثا: هذه السيوف والرماح والخناجر وكل أدوات القتل والفتك هي من صناعة الإنسان، وقد علمنا الله الوقاية من شرها باستخدام الدروع في زمن النبي داود عليه السلام، فكان أول من علم البشرية الوقاية من أدوات القتل، وقد ألان الله تعالى له الحديد لهذا الغرض حفاظا على الأرواح البشرية والحياة الإنسانية، وأمره لداود كان: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)/ سبأ.

22 الموقف من ولاة الأمور

أولا: ولاة الأمور بشر مثلنا، ينبغي طاعتهم في غير معصية الله تعالى، وهم قد يصيبون مرة، ويخطئون أخرى، فلا ينبغي التشنيع عليهم عند كل خطأ يرتكبونه.

ثانيا: لا ينبغي الشغب وزرع الفتنة بين الناس إذا وقع منهم ظلم يسير، أو تقصير، تجاه رعاياهم، أو من يقيمون على أرضهم لفترة محدودة، أو من يمرون بها المسافرين.. فمعظم البشر يقعون في الظلم، شعروا بذلك أم لم يشعروا.. يقول المتنبي:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعلة لا يظلم

ثالثا: لا تقبل الإساءة إلى أي ملك أو زعيم ولاه الله تعالى أمر شيء من هذه الأمة، سواء أحسن أم أخفق وأساء، تنصحه بأدب، عملا بقوله تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53)/ الإسراء.

رابعا: نقول للسلطان كلمة الحق، ولو كلفنا قولها ثمنا غاليا، ولكن نرفض الخروج عليه بالسيف، دفعا للفتنة، ومنعا لتفكيك وحدة الأمة السياسية.

خامسا: إننا ندعو إلى التسامح والتعايش، ونكره الحقد والظلم والانتقام، وندعو الله أن يولي علينا الأخيار، ويكفينا شر الأشرار. فقد أخرج الطبراني في "المعجم الأوسط" ومن طريقه أبو نعيم في "حلية الأولياء" عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا مَالِكُ الْمُلْكِ وَمَالِكُ الْمُلُوكِ قُلُوبُ الْمُلُوكِ بِيَدِي ، وَإِنَّ الْعِبَادَ إِذَا أَطَاعُونِي حَوَّلْتُ قُلُوبَ مُلُوكِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَإِنَّ الْعِبَادَ إِذَا عَصَوْنِي حَوَّلْتُ قُلُوبَ مُلُوكِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالسَّخَطِ وَالنِّقْمَةِ فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ، إِذًا فَلَا تَشْغِلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالدُّعَاءِ عَلَى الْمُلُوكِ وَلَكِنِ اشْغَلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالذِّكْرِ وَالتَّفَرُّغِ إِلَى أَكْفِكُمْ مُلُوكَكَمْ ).

وهذا الحديث ضعيف، ولكن معناه صحيح، فهو منسجم مع قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)/ الرعد.

سادسا: التغيير في الحياة نحو الأفضل مطلوب، ويكون على قدر الاستطاعة، وبالطرق السلمية، بعيدا عن العنف والقتل والإجرام والتكفير، فالإسلام دين تعمير لا تدمير، ودين إصلاح، لا دين فتن وحروب أهلية، تحرق الأخضر واليابس، وتدمر الحضارة والسلام.

خاتمة

نرجو أن يكون هنالك فائدة في تلك النقاط وعددها 22 وهي التي وقفنا عندها بالبحث بإيجاز، أما التفصيل فيها فيحتاج إلى دراسة موسعة أو رسالة علمية.

نسأل الله أن يجعل فيها صوى للباحثين عن الحقيقة، والله الهادي إلى صراط مستقيم.

وسوم: العدد 1094