هذا سؤال تكرر عليّ كثيرا.. من هم الإخوان المسلمون؟؟

وأول أمس ذكرت رمزا حديث الخضر.. فثار بي بعض الناس وكأني قلت منكرا من القول وزورا…

واليوم سأحدثكم حديث الغول، فارفق بي حتى تسمعني يا صاحبي.

وقالت العرب:

لَمّا رَأَيتُ بَني الزَمانِ وَما بِهِم

خِلٌّ وَفِيٌّ لِلشَــــــــدائِدِ أَصطَفي

أَيقَنتُ أَنَّ المُســــــــتَحيلَ ثَلاثَةٌ

الغولُ وَالعَنقــــــاءُ وَالخِلُّ الوَفي

فحديث الغول الذي يتمارى بعض الناس فيه، هو حديث ثالث المستحيلات، التي كان بعض العرب ينسبون إليه كل أمر مخيف.

وكان من أمري وأمر بعض الأحباب، أنني كلما كتبت نعيا لأخ لي صالح،

كم من أخ لي صالح

بوأته بيدي لحدا

أرسل إلي بعضهم يسألني: ولماذا لم تعرفنا على هذا الفقيد قبل أن يقضي، ويصير إلى ربه؟!!

وفي جواب هذا السؤال المعاد والمكرور أيها الأحباب..

أولا ونحن - الإخوان المسلمين أقصد- في مقامنا وهجرتنا واغترابنا نشكل شريحة واسعة من أبناء المجتمع السوري..

كُتب علينا أن نكون مرة أقول: الحصنَ أو الدرعَ فيما جرى على الشعب السوري منذ سبعينات القرن الماضي، ومرة أقول رأس الرمح، الذي حاول جهدا وجهادا وبذل ما في الوسع؛ فما استطاع..

على المرء أن يسعى إلى الخير جهده

وليس عليه أن تتم المقاصد

أو هكذا كان…

فهذه الشريحة من أبناء المجتمع السوري، التي استهدفت بالقانون ٤٩: منذ ١٩٨٠

والذي كان غطاء لعشرات الألوف من جرائم القتل، نفذت على أبناء سورية في شوارع المدن، أو غياهب السجون، وما زال هذا القانون سيفا مسلطا على رقاب المسلمين السوريين يتلاعب في تنفيذه بشار الأسد كما يشاء…

فقط ولأشرح بعدا قانونيا في جريمة تنفيذ القانون المذكور منذ ١٩٨٠

فالأصل في القوانين حول العالم أنها تصبح معمولا بها، ونافذة، بعد صدورها، وبعد نشرها في الجريدة الرسمية بمدة قانونية، تصبح بعدها في سياق النفاذ!!

إلا القانون المذكور قانون ٤٩/ ١٩٨٠

الذي غطيت به جرائم وقعت قبل صدوره..

والذي حوكم بمقتضاه عشرات الألوف من السوريين بأثر رجعي، وأعدموا، إذا جاز لنا أن نسمي ما كان يفعله فايز النوري، أو الجلادين في الزنازين، محاكمات…

فعندما تريد أن تتحدث عن "الإخوان المسلمين" فمن حق ومن عدل ومن إنصاف أن تتذكر عشرات الألوف من السوريين، قضوا في مجازر حافظ الأسد على مدى ربع قرن من الزمان..آلاف من الشباب السوري علقوا على المشانق أواغتيلوا ماديا أو معنويا في سجن تدمر!!

وأن تتذكر بإزائهم الألوف من الأسر السورية، أخرجهم من وطنهم االمطاردة، والتهديد، بالاعتقال والتصفية على الطريقة التي شرحت لك…

الألوف من الأسر السورية رجال ونساء وأطفال، خرجوا من وطنهم منذ ٤٥ عاما، كما خرج الكثير من السوريين في هذا الزمان، وكثير منهم عانى كما يعاني كثير من الناس اليوم، وكثير منهم ضحى بوطن وعشرة وأهل ومال، وكثير منهم كان له أمل، وكثير منهم حاول..!! نسخة طبق الأصل لما جرى ويجري على السوريين في هذا الزمان…

وكما في هذا الزمان، بعض الناس يدأبون على الشكوى، وبعض الناس يتجملون حتى يحسبهم ..

ورغم أن حافظ الأسد قال للناس بعد ربع قرن في ذلك الزمان: "توبوا وعودوا". بمعنى أعطوا الدنية،، فإنه للأمانة لم يستجب لذاك الذي ظنه البعض إغراءّ، إلا أقل القليل

وبقيت هذه الشريحة من السوريين، بما آل إليها أمرها، ولعل بعض الناس أصاب يسارا، وبعضهم ظل قابضا على جمر الاغتراب وقلته، وبعض الناس لم تخطف بصره دنيا مؤثرة، فظل يحاول ويكابد، وبعض الناس كانت لهم آراء فغيروا مراكبهم؛ ولكن الجميع لم يعطوا الدنية لا لحافظ ولا لبشار على مدى يقرب من نصف قرن…غير أقل القليل الذي أشرت إليه

وحين نذكر الإخوان المسلمين في سورية، علينا أن تذكر هذا الوجود الإنساني بكلام من معدن العدل والإنصاف.

وحين أرسل لبعض الاحباب من حولي نعيا لبعض أحبابي الراحلين، فربما من المفيد أن أذكّر أنني لا أحيط عددا بواحد من مائة من هذا التجمع البشري الإسلامي الوطني الممتد في الزمان والمكان والعدد..

وأظنني إذا قلت واحد بالمائة فقد بالغت..

وأعيد إلى حكاية الغول الذي يظلون يحدثونك عنه كلما حاولوا تخويفك أو إرهابك، فإذا أردت أن تعرف منهم "الإخوان المسلمون"، فعد إلى أهلك وأسرتك الممتدة، وعشيرتك، وقريتك، وحيك ومدينتك..

فربما تتعرف عليهم من خلال أخ لك شقيق، أو عم لك أوخال، أو ابن عم أو ابن خال، أو صديق أو قريب، أو جار أو معلم…

من كل هؤلاء كانت الشريحة التي قضت، ومن كل هؤلاء تشكلت الشريحة التي تنتظر…

ونعوذ بنور وجهك ربنا أن نكون من الذين بدلوا تبديلا..

ولعل بعض الذين يسمعون حديث الغول أن يجيب: (لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1094