التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية 3+4

3

الحسن المهلبي

الّف الحسن بن أحمد المهلّبي كتابه (المسالك والممالك) للعزيز بالله الفاطمي، في الفترة ما بين عامي 365 ـ 380 هجرية أي تاريخ وفاته كما تشير المصادر. ولذلك سمي بالكتاب (العزيزي). قال المهلبي" ان أبو عبيدة بن الجراح قد افتتح من فلسطين مدينة نابلس، وسفسطية، وبيت جبرين، ومدينة يافا، كل ذلك صلحا على أداء الجزية والخراج في الأرضين. وكان ذلك كله في أيام عمر بن الخطاب في سنة ست عشرة من الهجرة. وكان عمرو بن العاص قد افتتح غزة قبل ذلك في أيام أبي بكر صلحا على هذه الشريطة. ثم إن أبا عبيدة حاصر مدينة إيليا، وهي بيت المقدس. فطلب أهلها الصلح على مثل صلح الجند كله من أداء الجزيرة والخراج، على أن يكون عمر بن الخطّاب المتولّي للعقد بنفسه". (المسالك والممالك للمهلبي/70). وذكر أيضا " فأمّا الأقاليم التي هي منها، فإن من الإقليم الرابع حلب، وعرضها أربع وثلاثون درجة، فأما أهلها فهم أخلاط، من الناس من العرب والموالي، وكانت بها خطط لولد صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، وتأثلت لهم بها نعمة ضخمة، وملكوا بها نفيس الأملاك". (المسالك والممالك للمهلبي/84). وقال" نزل المسلمون على دمشق لأربع عشر ليلة بقيت من المحرّم سنة أربع عشرة للهجرة، بعد أن فتحت غوطتها كلها عنوة. فنزل أبو عبيدة ابن الجراح على باب الجابية، ونزل خالد بن الوليد على باب شرقي، ونزل يزيد بن أبي سفيان على باب بسيان، ونزل شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس، ونزل عمرو بن العاص على باب توما. وحصرها المسلمون مدة، ثم فتحها أبو عبيدة من ناحية باب الجابية". (المسالك والممالك للمهلبي/89). وقال أيضا" أمّا أهل البلد، فكانوا من سائر أقطار الأرض بخلق حسن وألوان صافية، وفيهم رقيق وأجسام عبلة، والأغلب على ألوانهم البياض والحمرة والسمرة الصافية. وكان في أكثرهم جفاء وغلظة على الغريب، إلا من كان منهم قريب عهد بالغربة، وكذلك الشحّ كان فيهم فاشيا إلّا في الغريب، وغلب على السوقة والمستخدمين قوم من الخوز وسفلة العجم. ومن كانت فيه فسولة عن الحرفة، وكسل عن طلب المعاش فأظهروا زهدا وورعا، وأعلنوا بالنصب، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر. أمّا أهل البلد وأولاد المجاهدين وأولاد الغلمان وأولاد خراسان فكانوا من الأخلاق السمحة، والنفوس الكريمة، والهمم العالية والمحبة للغريب على ما ليس عليه أحد، ولكنهم كانوا في تقيّة من هؤلاء الأوباش، فهذا الأكثر من حال طرسوس". (المسالك والممالك للمهلبي/98). وعن الكوفة ذكر" الكوفة في القدر كنصف بغداد وقبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه منها عليه مشهد جليل يقصده الناس من أقطار الأرض". (المسالك والممالك للمهلبي/118).

المسعودي

يستشهد البكري في القسم الأول من المسالك بمؤلف آخر يتردد اسمه بكثرة في تاريخ مصر القديمة ويسمى الوصيفي وكثيرا ما يكتب اسمه الوصفي . والراجح أن هذا الشخص هو إبراهيم وصيف شاه صاحب كتاب العجائب الذي ترجمه كرادي فو. أما النص العربي فإن ناشره نسبه خطأ إلى المسعودي بعنوان أخبار الزمان. ابن وصيف شاه إبراهيم: مختصر عجائب البلدان، (نشر بعنوان أخبار الزمان للمسعودي) بيروت 1966. قصص سليمان وابن وهب قد دونها في بداية القرن العاشر الميلادي أبو زيد الحسن السيرافي من أهل البصرة، وقد التقى به المسعودي عام 303 هـ، وقد استفاد منه رواية ابن وهب الواردة في رحلته. قال الادريسي" جزائر الواق واق ولا يعرف ما بعدها وربما وصل أهل الصين إليها في الندرة وهي جزائر عدة ولا عامر بها إلا الفيلة وطيرها كثير جدا وبها شجر حكى المسعودي عنها أمورا لا تقبلها العقول من جهة الإخبار عنها لكن الله على ما يشاء قدير". ( نزهة المشتاق /91).

ابن شداد

قال ابن شداد" ولى على الشام والجزيرة الضحاك بن قيس الفهري. ولم يزل واليا عليها إلى أن قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. ووليّ عليٌ - عليه السلام - فأولاها مالكا الأشتر النخعي وقثم بن العباس. ولم تزل في أيديهما مدة خلافة عليّ (ع) وخلافه ولده الحسن - رضي الله عنه. وولي معاوية ومات" . (الاعلاق الخطيرة/159).

لاحظ السلام والرضا على علي وولده وليس على عثمان ومعاوية! بل إنه يترحم على من هو لا يقارن بعثمان ومعاوية، حيث يذكر" وكز هولاكو بسيف كان في يده الملك الكامل فخرق بطنه. وأمر سونجق فضرب عنقه وبعث برأسه إلى الشام، فطيف به في البلاد، وعُلّق على باب الفراديس بدمشق، فبقي مدة. ثم سرقه مجد الدين - إمام مسجد رُقيّة ودفنه في طاقٍ إلى جانب محراب المسجد - رحمه الله" . (الاعلاق الخطيرة/192). وقوله" في آمد عين نائبا عنه ابن أخيه شمس الملوك، سيف الإسلام، أحمد ابن الملك الأعزِّ شرف الدين يعقوب ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فحكم بها اثني عشر يوما ثم توفي، فدُفن على باب آمد - رحمه الله" . (الاعلاق الخطيرة/195). وفي حديثه عن حمدان بن حمدون بن الحارث التغلبي العدوي الذي حكم دارا ونصيبين وتحصن بقلعة ماردين ذكر" توفي - " رحمه الله " - في سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وولي ولجه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان وقلده المقتدر بالله الموصل وديار ربيعة والدينور والجبل والكوفة وطريق مكة" . (الاعلاق الخطيرة/200). وقال" توفي الملك السعيد نجم الدين إيلغازي في سادس عشر صفر سنة تسع وخمسين وقيل: في ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وستمائة. وكانت وفاته وتولية ولده في السنة الخالية - نقله الله إلى رضوانه ووفر حظّه من عفرانه - من وباء وقع في أهل القلعة، فأهلك أكثرهم" . (الاعلاق الخطيرة/204).

ابن الفقيه

قال ابن الفقيه" عندمّا نظر معاوية إلى عسكر أمير المؤمنين (ع) قال: من طلب عظيما خاطر بعظيمته- يعني برأسه-". (كتاب البلدان للهمداني/113). وقال" نزل الكوفة من الخلفاء والأئمّة عليّ والحسن (ع)، ومن الملوك والخلفاء معاوية، وعبد الملك، وأبو العبّاس، وأبو جعفر المنصور، والمهدي، وهارون الرشيد".(كتاب البلدان للهمداني/203). وعن عمر الفاروق يقول عندما خاطب أهل الكوفة" كتب إليهم عمر بن الخطّاب: أني اختبرتكم فأحببت النزول بين أظهركم، لما أعرف من حكم الله ولرسوله، وقد بعثت إليكم عمّار بن ياسر أميرا، وعبد الله بن مسعود مؤذّنا ووزيرا، وهما من النجباء من أهل بدر، فخذوا عنهما واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي".(كتاب البلدان للهمداني/202). كذلك "حدّثني أشياخ من النّخع أن أهل الكوفة كانوا يوم الجمل تسعة آلاف رجل مع أمير المؤمنين (ع) ، وكان عليه ثلاثون ألفا مع طلحة والزبير وعائشة".(كتاب البلدان للهمداني/206). وذكر" دخل اليقظان بن ظهير على عائشة فقالت: ممن أنت؟ فقال: من أهل الكوفة. فقالت: وددت أن الله سلّط على أهل الكوفة عذابا مثل عذاب يوم الظلة". (كتاب البلدان للهمداني/224). وقال عن العرب في الأهواز" أهل الأهواز الأم الناس وأبخلهم. وهم أصبر خلق على الغربة والتنقل في البلدان. وحسبك أنك لا تدخل بلدا من سائر البلدان ولا إقليما من جميع الأقاليم إلّا وجدت في تلك المدينة صنفا من الخوز لشحهم وحرصهم على جمع المال. وذكر الأصمعي قال: الخوز هم الفعلة وهم الذين بنوا الصرح واسمهم مشتق من الخنزير. ذهب إلى أن اسمه بالفارسية خو، فجعلته العرب خوز وإلى هذا ذهبوا. وقال آخرون: معنى قولهم خوزي أي زيّهم زي الخنزير. وروى أبو خبرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ليس في ولد آدم شر من الخوز ولم يكن منهم نبي قط ولا نجيب". (كتاب البلدان للهمداني/400).

قد فهمنا لم يكن منهم نبيا! لكن كيف لا يوجد منهم نجيبا؟ ويضيف" قال علي رضي الله عنه فيما روي عنه: على مقدمة الدجّال رجل خوزي يقال له مهران". لكنه يروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: أسعد الناس بالإسلام أهل فارس. وأشقى العرب به بهراء وتغلب. ويضيف" قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أبعد الناس من الإسلام الروم، ولو كان معلقا بالثريا لتناولته فارس. يعني الإسلام". روي عن ابن عباس في قول الله عزّ وجلّ «ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد» قال: أهل فارس". (كتاب البلدان للهمداني/403). ويذكر" كان أنوشروان إذا أفرض، يقدم الفارسي على رجلين من الديلم وعلى خمسة من الترك وعلى عشرة من الروم وعلى خمسة عشر من العرب وعلى الثلاثين من الهند. لأنهم كانوا أشجع ممن ذكرنا قلوبا وأعزهم نفرا وأعظمهم ملكا وأكثرهم عددا وأوسعهم بلدا وأخصبهم جنابا وأشدهم قلوبا وأرجحهم عقولا وأحسنهم تدبيرا وأصحهم جوابا وأطلقهم ألسنا". (كتاب البلدان للهمداني/403).

المبرد

قال المبرد "حدثني الرياشي في إسناد ذكره: قال عمر بن الخطاب للخنساء: ما أقرح مآقي عينيك؟ قالت: بكائي على السادات من مضر. قال: يا خنساء، إنهم في النار قالت: ذلك أطول لعويلي". (الفاضل/61). ويقول" يروى أن عمر بن الخطاب عزّى أبا بكر رحمة الله عليهما عن طفل له فقال:
عوّضك الله منه ما عوّضه منك، فإن الطفل يعوّض من أبويه الجنّة. وقال رسول الله صلّى الله عليه: "إن الطفل لا يزال محبطنا" على باب الجنّة يقول: لا أدخل الجنة حتى يدخل أبواي".(الفاضل/ 66). قال المبرد" يروى أن ابن ملجم قال لعلىّ بن أبى طالب صلوات الله عليه". واخرى " يروى أن الحسن والحسين عليهما السلام لاما عبد الله بن جعفر في إسهابه في إعطاء المال". وان زاد قال " وهذا نظير ما يروى أن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه". وقوله" يروى أن عبيد الله بن العباس كان عاملا لعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنه على اليمن".(الفاضل/ 65). ويقول" قد خضب أبو عبد الله الحسين بن علىّ صلوات الله عليهما".(الفاضل/77). ومنها" قال معاوية: لا رأى لذى هوّى. وقال أمير المؤمنين علىّ (ع): إنما أخشى عليكم الهوى".(الفاضل/123). قال المبرد" قالت الأنصار: فقدنا صدقة السرّ مذ مات علىّ بن الحسين صلوات الله عليه".(الفاضل/105). وقال أيضا " يروى أنه لما ورد عليه خبر علىّ بن أبى طالب، صلوات الله عليه صعد المنبر فقال: الحمد لله الذى أدالنا من عدوّنا، وردّ إلينا من زماننا، فقام اليه رجل من أهل الشام، فقال: ما ذاك من كرامتك على الله يا معاوية، فقال له عمرو بن العاص: اسكت يا جاهل، فو الله لأنت أنذل أهل الشام وأقطعهم عن الكلام، فتمثّل معاوية:

إني أرى الحلم محمودا مغبّته ... والجهل أفنى من الأقوام أقواما

(الفاضل/88).

قال المبرد " حدثني الرياشي قال: دخل عقيل بن أبى طالب على معاوية- وكان من أحضر الناس جوابا- فقال له معاوية: يا عقيل، ما حال عمّك أبى لهب؟ وأين مكانه من النار؟ فقال: إذا أنت دخلتها فخذ على يسارك، فستجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب، فأطرق معاوية".(الفاضل/93). وقال "حدثني الرياشي عن أبى عمرو بن العلاء قال: قيل لشيخ قد بلغ ثلاثين ومائتي سنة: كيف رأيت عيشك؟ قال: عشت مئة سنة لا أصدّع، وأصابني في الثلاثين والمئة ما يصيب الناس. وحدثني الرياشّي قال: سمعت الأصمعي يقول: قال أبو عمرو: عاش ابن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم عشرين وثلاثمائة سنة".(الفاضل/68).

اليعقوبي

قال اليعقوبي" ولاة سجستان الربيع بن زياد الحارثي لعبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان، وربعي بن كاس العنبري الكوفي من قبل عبد الله بن عباس في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وعبد الرحمن بن سمرة أيضا في أيام معاوية ومات بها". (البلدان/104).

وولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام على خراسان جعدة بن هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي وكان قد قدم على علي بن أبي طالب (ع)، وهو بالبصرة ماهويه مرزبان مرو فصالحه، وكتب له كتابا وهو بمرو إلى هذه الغاية، ولما قتل علي (ع) ولى معاوية عبد الله بن عامر خراسان فوجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم السلمي وعبد الرحمن بن سمرة فسارا جميعا وحطا على بلخ حتى افتتحاها". (البلدان/127).

لكن عن عثمان يذكر" مدينة كابل العظمى التي يقال لها: جروس افتتحها عبد الرحمن بن سمرة في خلافة عثمان بن عفان". (البلدان/121). وذكر: أول من دخل خراسان عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس كتب إليه عثمان بن عفان في سنة ثلاثين وكان يومئذ على البصرة، وكتب إلى سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وكان عامله بالكوفة يأمرهما بالنفوذ إلى خراسان ويقول لكل واحد منهما أنه إن سبق إلى خراسان فهو أمير عليها". (البلدان/127).

وعن الفاروق وسعد بن ابي وقاص يذكر" كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص لما افتتح العراق يأمره أن ينزل بالكوفة ويأمر الناس أن يختطوها، فاختطت كل قبيلة مع رئيسها، فأقطع عمر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكانت عبس إلى جانب المسجد، ثم تحول قوم منهم إلى أقصى الكوفة". (البلدان/147). كذلك " كتب عمر بن الخطاب إلى سعد أن يجعل سكك الكوفة خمسين ذراعا بالسواء، وجعلت السوق من القصر، والمسجد إلى دار الوليد إلى القلائين إلى دور ثقيف وأشجع وعليها ظلال بواري إلى أيام خالد بن عبد الله القسري فإنه بنى الأسواق وجعل لأهل كل بياعة دارا وطاقا وجعل غلالها للجند، وكان ينزلها عشرة آلاف مقاتل".. (البلدان/149). وقال عن دمشق " فتحت مدينة دمشق في خلافة عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة افتتحها أبو عبيدة بن الجراح من باب لها يقال له: باب الجابية صلحا بعد حصار سنة ودخل خالد بن الوليد من باب لها يقال له: باب الشرقي بغير صلح فأجاز أبو عبيدة الصلح في جميعها وكتبوا إلى عمر بن الخطاب فأجاز ما عمل به أبو عبيدة". (البلدان/63).

في الوقت الذي جرد الشيخين وبقية الصحابة من القابهم ورفض كتابة صيغة الرحمة عليهم، فإنه في هذه الفقرة يصف كسرى بـ (العظيم) بقوله" المدائن دار ملوك الفرس، وكان أول من نزلها أنو شروان وهي عدة مدن في جانبي دجلة، فالجانب الشرقي فيه المدينة التي يقال لها: العتيقة فيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرون من بناه، وفيها المسجد الجامع الذي بناه المسلمون لما افتتحت.
وفي الجانب الشرقي أيضا المدينة التي يقال لها (أسبانير)، وفيها إيوان كسرى العظيم الذي ليس للفرس مثله، ارتفاع سمكة ثمانون ذراعا وبين المدينتين مقدار ميل، وفي هذه كان ينزل سلمان الفارسي، حذيفة بن اليمان وبها قبراهما". (البلدان/157).

وذكر عن مصر " افتتحت كور مصر كلها في خلافة عمر بن الخطاب والأمير عمرو بن العاص بن وائل السهمي. وبلغ خراج مصر على يد عمرو في خلافة عمر في أول سنة من جزية رؤوس الرجال أربعة عشر ألف ألف دينار ثم جباها عمرو في السنة الثانية عشرة آلاف ألف فكتب إليه عمر يا خائن، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان اثني عشر ألف ألف دينار، ثم أسلم رجالها فبلغ خراج الأرض في أيام معاوية مع جزية رؤوس الرجال خمسة آلاف ألف دينار". (البلدان/178).

علاوة على الطعن بالرشيد. قال ابن طولون. وحدث محمد (أحمد) بن أبي يعقوب الكاتب مثل هذا ما حكاه اليعقوبي قال: توجهت إلى باب حمدونة ابنة الرشيد فخرجت دقاق مولاتها وفي يدها مروحة مكتوب عليها في الوجه الأول: الحر أحوج إلى أيرين من الأير إلى حرين. وفي الجانب الثاني من المروحة مكتوب: كما أن الرحى أحوج إلى بغلين من البغل إلى رحيين". (البلدان/218).

حيدر الحلي

قال حيدر الحلي" قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : الكريم لا يلين على قسر ولا يقسو على يسر".( العقد المفصل/9). كما ذكر" وقال معاوية لعمرو: ما السخاء يا أبا عبد الله عند العرب؟ قال: جهد المقل. ينظر فيه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جهد المقل أكثر من عفو المكثر".( العقد المفصل/10). وقال أيضا" إنّ عمر بن الخطّاب خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيراً، فمرّ بامرأة مغلق عليها بابها، فاستمع لها عمر وهي تقول:

تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرقني أن لا ضجيع أُلاعبه".( العقد المفصل/166)

هذا المظهر هو الأهون من إساءات بعض الرواة الى الصحابة من جهة، وتعظيم ائمة الشيعة من جهة أخرى. أما بقية الإساءات وكبار الكتاب الشعوبيين فقد استعرضناهم وكتبهم في كتابنا (اغتيال العقل الشيعي) ويمكن الرجوع اليه للزيادة في المعلومات.

تنويه

قبل الخوض في هذا الموضوع نوضح للقارئ الفاضل، بأننا راجعنا معظم كتب الرحلات والجغرافية القديمة وكتب التأريخ التي لها مساس بهذا الموضوع، وهذا ما سيتبين من خلال المصادر والمراجع العديدة التي رجعنا اليها، علما ان بعض المصادر لم تفدنا في بحثنا أو كانت ذات فائدة محدودة للغاية فعزفنا عن ذكرها في قائمة المصادر في ذيل المبحث. وسبق أن نشرنا الموضوع في موقع البرهان الموقر فقط، ولكننا بعد ذلك أعدنا كتابة الموضوع بعد العثور على طبعات قديمة وجديدة تتعلق بموضوعنا، قرأنا الجديد وأعدنا صياغة المبحث للاستزادة في الفائدة، ولتعزيز وإثبات وجهة نظرنا.

سنركز على رحلة عبد اللطيف البغدادي، ومشاهدات الرحالة الذين سبقوه في زيارة مصر، سيما الإسكندرية موضوع بحثنا، وكذلك على الجغرافيين العرب ممن كتب عن الإسكندرية، ويلاحظ القارئ أن هناك أمورا متكررة في المشاهدات سيما منارة الإسكندرية وأعمدة الرخام، والمرآة العاكسة وغيرها من الصفات، باستثناء موضوع المكتبة التي انفرد بها بعض الرحالة والجغرافيين المتأخرين، كما سيتبين في المبحث بالتفصيل لغرض المقارنة من جهة، وإيجاد القواسم المشتركة عن أهم معالم الاسكندرية، لذا سوف نركز على أهم مشاهداتهم ووصفهم لمعالمها العمرانية.

حقيقة دامغة

يتفق المؤرخون الغربيون بأن حريق مكتبة الاسكندرية جرى في عهد قيصر خلال حصاره مدينة الاسكندرية، فقد ذكر المؤرخان (جورج فوت) و(جيمس أهلويلر) في كتابهما الموسوم (خطايا الأوربيين) التالي" قام الإفرنج بحرب طاحنة عَلَى الوثنيين وسفكوا الدماء فأمر الإمبراطور (تيود وسيس) بتحطيم أصنام الوثنيين وغيرها مما هو للوثنيين، فقاد بطريرك الإسكندرية أتباعه وتوجه إلى هيكل سيرابيس فدمروه على آخره، وبعدها توجهوا إلى مكتبة الاسكندرية وأحرقوها عن بكرة أبيها حتى خلت رفوفها من الكتب ولم يرها أحد بعد ذلك إلا تأسف عليها كل الأسف". وحملا المؤرخان البطريرك ثيوفيلوس المسؤولية بأمر الإمبراطور ثيوديس. وعلق المرحوم عبد الوهاب أفندي سليم عن الحدث بقوله" إن المكتبتين اللتين اسمهما البطالسة في الإسكندرية كان إحراقهما عن يد جيوش قيصر لما حاصر الإسكندرية وللتعويض عن هذا الخطأ أُهديت المكتبة التي جمعها يومياس ملك برغامة إلى الملكة كليوبترا عن يد الملك أنتوني، لكن حكم الدهر أو الجهل أن لا تبقى هذه المكتبة العظيمة أجيالاً فقد أحرقها البطريرك فيوفيلوس وأقام عَلَى أنقاضها كنيسة سماها كنيسة الشهداء". (خرافات الأوربيين).

كذلك ورد في موسوعات المعارف الأجنبية عن مدينة الإسكندرية" لما حاصر يوليوس قيصر مدينة الإسكندرية احترق قسم عظيم من هذه المكتبة غير أنها جددت كما كانت عليه من خلال الكتب التي جمعها ملك برغامة وأهداها إلى الملكة كليوبترا وقد بقيت إلى زمن سيوديسيس الكبير، ولما أمر هذا الإمبراطور بهدم معابد الوثنيين في أنحاء المملكة كافة هدموا هيكل سيرابس حيث توجد فيها المكتبة فهدموا الهيكل وأحرقوا المكتبة في عام 391 ميلادية: (دائرة المعارف/ طبع تشم بيرس/ المجلد الأول). كما ذكر (المؤرخ بيتنس) في دائرة معارفه" عندما افتتح يوليوس قيصر مدينة الإسكندرية احترقت المكتبة الأولى وبقيت المكتبة الثانية التي أُسست بعدها، وقد زادت كتبها بالمجلدات التي أُهديت للملكة كليوبترا عن يد مارك أنطوني وصارت أعظم من التي احترقت وبقيت إلى سنة 390 بعد المسيح، حيث حارب الإفرنج الوثنيين وهدموا معابدهم كلها ومنها هيكل سيرابيس وأحرقوا مكتبة الاسكندرية). وذكر المؤرخ جورج مارتين أيضا" كان مصير مكتبة الإسكندرية أن أحرقها المتوحشون من الإفرنج، بأمر ثيودوسيوس سنة 390 بعد المسيح". (ترياق الخرافات). وهناك مصادر عديدة لم تخرج عن نطاق هذا الرأي، يمكن الرجوع اليها في كتب التأريخ القديمة باللغة العربية أو الأجنبية.

****************************

التهمة الكيدية

في حرق مكتبة الإسكندرية/4

 

  1. المصادر التأريخية عن حادثة حرق المكتبة

أ. الرحالة عبد اللطيف البغدادي المتوفى (557 هـ/ 1162 ـ 629 هـ/ 1231)

هو أول من ذكر في رحلته خلال زيارته لمصر" رأيت أيضا حول عمود السواري من هذه الأعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور ويظهر من حالها إنها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف وعمود السواري عليه قبة هو حاملها . وأرى إنه الرواق الذي كان يدرس فيه ارسطوطاليس وشيعته من بعده وأنه دار المعلم التي بناها الاسكندر حين بنى مدينته ، وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضي الله عنه". (الإفادة والاعتبار/94). سنناقش هذه الفقرة لاحقا.

ب. ابن العبري (1226 ـ 1286).

وهو غريغوريوس ابو الفرج بن هارون العلامة اليسوعي صاحب كتاب (مختصر تأريخ الدول) جاء في الرواية حسب في طبعة بوك في اوكسانيا عام1663" عاش يحيى الغراماطيقي إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الاسكندرية ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم، فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أنسة ما هاله ففتن به وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه وكان لا يفارقه ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطت بحواصل الاسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها ، فمالك به انتفاع فلا نعارضك فيه، وما لا انتفاع لك به فنحن أولى به. فقال له عمرو: ما الذي تحتاج إليه ؟ قال: كتب الحكمة التي في الخزائن الملوكية . فقال عمرو: هذا ما لا يمكنني أن آمر فيه إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب . فكتب إلى عمر وعرفه قول يحيى فورد عليه كتاب عمر يقول فيه : وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما وافق كتاب الله ؟ ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله؟ فلا حاجة إليه. فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الاسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدة ستة أشهر". (تأريخ محتصر الدول/184).

كما ورد في طبعة أخرى" في هذا الزمان (خلافة عمر الفاروق) اشتهر بين الإسلاميين يحيى المعروف عندنا غرماطيقوس"، أي النحوي. وكان إسكندريا يعتقد اعتقاد النصارى اليعقوبية ويشيد عقيدة سأورى. ثم رجع عما يعتقده النصارى في التثليث، فاجتمع إليه الأساقفة بمصر وسألوه الرجوع عما هو عليه، فلم يرجع، فأسقطوه عن منزلته. وعاش إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية. ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم، فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أُنْسَةٌ ما هَالَهُ ففُتِنَ به. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه، وكان لا يفارقه. ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطتَ بحواصل الإسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها: فما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع به فنحن أولى به. فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه؟ قال: كُتُب الحكمة التي في الخزائن الملوكية. فقال له عمرو: لا يمكنني أن آمر فيها إلا بعد استئذان عمر بن الخطاب. وكتب إلى عمر وعرَّفه قَوْلَ يحيى، فورد إليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتَها فإن كان فيه ما يوافق كتابَ الله ففي كتاب الله عنه غِنًى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتَقَدَّمْ بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها، فاستُوقِدَتْ في مدة ستة أشهر. فاسمع ما جرى واعجب". (تأريخ محتصر الدول. تحقيق انطوان صالحاني اليسوعي/175).

ج. تقي الدين المقريزي (760 هـ/ 1364 ـ845 هـ/ 1442 )

هو بحق شيخ المؤرخين المصريين نقل نصا ما ذكره البغدادي" فكتب الخليفة عمر بن الخطاب كتابا إلى عمر بن العاص" إذا كانت هذه الكتب لا تحتوى على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها.  وإذا كانت هذه الكتب تنافى ما جاء بالقرآن فهي ضاره ومؤذيه لا يجب حفظها. إذا فعلى كلتا الحالتين يجب حرقها وإبادتها من الوجود". وأمر عمرو بن العاص باستعمال هذه الذخائر والنفائس كوقود في حمامات الإسكندرية". (المواعظ والإعتبار1/159).

د. أبو الفرج محمد بن اسحق المعروف بابن النديم (الولادة مجهولة ـ 438هـ /1074 م)

وهو أديب وكاتب بغدادي، ومصنف وجامع فهارس، ذكر" وظلت الحمامات تستخدمها كوقود لمده ستة أشهر كامله فكتب عمر الى عمرو يقول له: واما الكتب التي ذكرتها فان كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى ، وان كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة أليها فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الإسكندرية واحرقها في مواقدها، فذكروا أنها استنفذت في ستة أشهر". (الفهرست/334 ).

هـ. حاجي خليفة ويعرف أيضا باسم كاتب جلبي (1017 هـ/1609م ـ 1068هـ/1657م) وهو جغرافي ومصنف كتب له كتاب مهم اسمه كشف الظنون قال فيه" ان المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم، كتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شانها وتنقيلها للمسلمين فكتب أليه عمر بن الخطاب :ان اطرحوها في الماء، فان يكن ما فيها هدى ؟ فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه، وان يكن ضلال ؟ فقد كفانا الله تعالى. فطرحوها في الماء وفي النار فذهبت علوم الفرس فيها". (كشف الظنون1/446). وزاد في كلامه مسيئا للعرب المسلمين" انهم (أي المسلمين) احرقوا ما وجدوا من كتب في فتوحات البلاد". (المصدر السابق1/25). وفي كتاب حاجي خليفة الكثير من العثرات والأخطاء، فإنه على سبيل المثال تعثّر في تحديد وفاة ابن قتيبة فذهب إلى أنها كانت في سنة 276 هـ، ثم قال: توفي ابن قتيبة سنة 270 هـ. وفي مكان آخر يقول: توفي سنة 267 هـ، ثم ذكر سنة 266 هـ، وأخيرا حدّدها سنة 263 هـ.

و. جمال الدين ابو الحسن علي بن يوسف القبطي (568هـ/1172م ـ 646هـ/1248م)

وهو طبيب ومؤرخ عربي ولد في مصر وسكن حلب. جاء في كتابه (تاريخ الحكماء) الآتي " يحيى النحوي المصري الإسكندراني تلميذ سأوارى. كان أسقفا في كنيسة الإسكندرية بمصر، ويعتقد مذهب النصارى اليعقوبية، ثم رجع عما يعتقده النصارى في التثليث لما قرأ كتب الحكمة واستحال عنده جًعْل الواحد ثلاثة، والثلاثة واحدا. ولما تحققت الأساقفة بمصر رجوعه عزَّ عليهم ذلك، فاجتمعوا إليه وناظروه، فغُلِب وزُيِّف طريقُه، فعَزَّ عليهم جهله واستعطفوه وآنسوه وسألوه الرجوع عما هو عليه وترك إظهار ما تحققه وناظرهم عليه، فلم يرجع، فأسقطوه من المنزلة التي هو فيها بعد خطوب جرت. وعاش إلى أنْ فتح عمرو مصر والإسكندرية، ودخل على عمرو، ورأى له موضعا، وسمع كلامه أيضا في انقضاء الدهر، ففُتِن به وشاهد من حججه المنطقية، وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أُنْسَةٌ ما هَالَهُ. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر، فلازمه. وكان لا يكاد يفارقه، ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطت حواصل الإسكندرية وختمتَ على كل الأصناف الموجودة بها: فأما ما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع لكم به فنحن أولى به، فَأْمٌرْ بالإفراج عنه. فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه؟ قال: كُتُب الحكمة التي في الخزائن الملوكية". ثم مضى يصف ما فيها من الكتب، ذاكرا من أنشأها ومن اعتنى بها. فـقال (عمرو): لا يمكنني أن آمر فيها إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وكتب إلى عمر وعرَّفه قولَ يحيى الذى ذكرناه واستأذنه ماذا يصنع فيها. فورد إليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتَها فإن كان فيه ما يوافق كتابَ الله ففي كتاب الله عنه غِنًى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتَقَدَّمْ بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفرقتها على حمامات الإسكندرية وإحراقها فى مواقدها وذُكِرَت عِدّة الحمامات يومئذ، وأُنْسيتُها، فذكروا أنها استُنْفِدَتْ في مدة ستة أشهر. فاسمع ما جرى واعجب". (تأريخ الحكماء/354).

المؤرخون الأوربيون يفندون مسؤولية المسلمين عن حرق المكتبة

غالبية المؤرخين الأوربيين نفوا قيام المسلمين بحرق مكتبة الإسكندرية باستثناء البعض القليل ممن يغالي في تعصبه وحقده على العروبة والمسلمين معتمدين في رأيهم على مصادر عربية غير مهمة تناولت الموضوع بشكل هامشي وغير دقيق، سنناقشها لاحقا في المبحث. وهذا ما أكده المستشرق (ج. ج. سوندرز) بأن" هناك إجماعا بين الكتاب الـمُحْدَثين بأن المسلمين لم يحرقوا مكتبة الإسكندرية وأن القصة التي تزعم هذا هي قصة بغير أساس". كما ذكر المؤرخ (جون مسبرك) " المسلمون هم في حقيقة الأمر الذين أدخلوا العلوم والمعارف إلى أوربا، والفرنج هم الذين أحرقوا مكتبة الإسكندرية". (الادعاءات الكاذبة). وقال (جورج مرتين) " لقد أحرق المتوحشون الإفرنج بأمر أصدره ثيودوسيوس سنة 390 بعد الميلاد، والشواهد التأريخية تفضح الكذب الذي اختلقوه في رومية وزعموا أنها أُحرقت بأمر الخليفة عمر بن الخطاب، ولقد نسبوا هذه النسبة الكاذبة الخاطئة إليه زوراً وبهتاناً". (ترياق الخرافات). وأشار بتلر في كتابه" أن يوليوس قيصر كان محصوراً سنة 48 ق . م، في حي البر وكيون يحيط به المصريون من كل جانب تحت قيادة أخيلاس ، فأحرق السفن التي في الميناء لقطع خط الرجعة على يوليوس وقيل إن النيران امتدت إلى المكتبة (مكتبة المتحف أو المكتبة الأم) وأحرقت المكتبة وأفنتها أو قد فنيت تماماً فى القرن الرابع الميلادي. أما المكتبة الوليدة التي قامت فى السيريوم فإنها كانت في حجرات متصلة ببناء معبد السيريوم وقد أحرق هذا المعبد في عهد ثيودوسيوس عام 391 م على يد المسيحيين الذين كان يقودهم رئيسهم ثيوفيلوس". ( فتح العرب لمصر/303)

وذكر زميله المؤرخ (هلسلي أستيفونس) عن الموضوع نفسه" الجهلاء الفرنج هم الذين أحرقوا مكتبة الإسكندرية الكبيرة الأثر، وقد أدى حرقها إلى فقدان أوربا شعلة العلوم، وبقيت أوربا تتخبط في ظلمات الجهل والأساطير، إلى أعاد المسلمون ضياء العلوم لها". (الفكر والأديان). وجاء في كتاب خطايا الأوربيين السابق ذكره " أن من أحرق مكتبة الإسكندرية هو ثيوفيلوس ولا علاقة للمسلمين بحرقها، لأن الإسلام لا يجيز حرق الكتب، لذا لم يذكر المؤرخون الأوائل شيئا عن مكتبة الإسكندرية، في حين إنهم تطرقوا لأمور أقل أهمية منها". (مجلة المقتبس/6 صفحة/ مجلد1).

وذكر الفيلسوف أرنست رينان في خطاب له ألقاه في المجمع العلمي الفرنسي بعنوان العلم والإسلام " ذكر البعض أن عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية، وهذا كذب وافتراء محض لأن المكتبة المذكورة قد أُحرقت قبل زمانه بسنين عديدة". كما أن مؤرخ سيرة حياة يوليوس قيصر (درابر) ذكر أنه " عند قدوم يوليوس قيصر عند إلى مصر لنجدة كلوباترة، أحرق نصف المكتبة وقلده بطارقة الإسكندرية فأحرقوا البقية وذكر اورسيوس أنه رأى بعينه أماكن الكتب خالية منها بعد أن صدر أمر الإمبراطور ثوديوس بإحراقها". (يوليوس قيصر).

كما ذكر (المؤرخ جيبون) في معرض حديثه عن اضمحلال الإمبراطورية الرومانية" أن نسبة الحريق لعمر أو لعمرو أكذوبة لفقها أبو الفرج (أي ابن العبري) رئيس أساقفة حلب على طائفة اليعاقبة إحدى الطوائف المسيحية بعد مضي نحو ستمائة سنة من الهجرة في تاريخ له ألفه بالعربية ولما نقل ما كتبه إلى اللاتينية انتشرت هذه الأغلوطة في أوربا، لا يخفى على أهل البصيرة أن مكتبة الإسكندرية احترقت قبل الميلاد وما زعمه رئيس أساقفة حلب من أن المسلمين أحرقوها لم يتعرض له مؤرخ واحد ممن ظهروا قبل أبي الفرج حتى أن افتيكيوس بطريرك الإسكندرية عند توسعه في الكلام على استيلاء المسلمين على الإسكندرية لم يذكر كلمة عن حرق عمرو بن العاص لهذه المكتبة". كما ذكر رئيس مدرسة آثينة الكلية في تاريخه العام عند كلامه على الإسكندرية من أن هذه المكتبة حرقت لدن وصول قيصر إلى مصر وأن ما بقي من الكتب تلف قبل استيلاء المسلمين على الإسكندرية بزمن طويل وأن ما يحكى من أن عمرو بن العاص حرقها إن هي إلا فقرة مدخلة بعد هذا. وقد عرب ما تقدم حباً بإظهار حقيقة طال البحث فيها وتعارضت الآراء بأمرها والحقيقة ضالة كل باحث ومستفيد". (اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية/الجزء 9).

وذكر المؤرخ جوستاف لوبون" أن المكتبة لم تكن موجودة عند الفتح العربي، إذ كانت قد أُحرِقَت عام 48 ق. م عند مجيء يوليوس قيصر إلى الإسكندرية". (حضارة العرب/208). كما ذكر بلوتارخ ( Plutarch) في كتابه Life of Caesar بأن مكتبة الإسكندرية" قد احترقت بفعل الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر لتدمير الأسطول المصري المرابط في ميناء الإسكندرية". وذكر المؤرخ الروماني اولوس جليوس Aulus Gellius " أن المكتبة الملكية الإسكندرية قد أُحرقت بطريق الخطأ عندما أشعل بعض الجنود الرومان التابعون ليوليوس قيصر بعض النيران". وهذا ما ثبته كذلك المؤرخ اميانوس مرسلينوس Ammianus Marcellinus والمؤرخ اوروسيوس Orosius بأن مكتبة الاسكندرية قد أُحرقت خطأً بسبب الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر. العلامة الموسوعي الشهير( ول ديورانت) كان له نفس الراي بشأن حرق المسلمين لمكتبة الإسكندرية بقوله " ان معظم المؤرخين يرفضون هذه القصة ويرون انها من الخرافات الباطلة". (قصة الحضارة13/262).

كما ذكر المستشرق زيغريد هونكه" كان العلماء المسلمين حريصين على اقتناء كتب العلم اليونانية والرومانية ودراسة ما فيها. ومن أمثال ذلك رجل العلم العظيم موسى بن شاكر وأولاده الثلاث محمد وأحمد وحسن فى عصر الخليفة المأمون. وقد برعوا في علم الفلك ودراسة طبقات الجو والرياضة، وكانوا يرسلون أتباعهم إلى بلاد البيزنطيين على نفقاتهم لشراء الكتب وترجمتها والاستفادة من علومهم. وترجم (ثابت بن قرة) لبنى موسى عدداً كبيراً من الأعمال الفلكية والرياضية والطبية لأبولونيوس وأرخميدس وإقليدس وتيودوسيوس وأرسطوطاليس وأفلاطون وجالينوس وأبقراط وبطليموس. كما أنه صحح ترجمات حنين بن اسحق وولده ثم شرع في وضع مؤلفات ضخمة له، فوضع 150 مؤلفاً عربياً و (10) مؤلفات باللغة السريانية في الفلك والرياضيات والطب. فهذا نموذجاً من النماذج المشرقة في صفحات علم العرب وتقديسهم للعلم. فهل يصدق أحد العقلاء أن المسلمين قاموا بإحراق مكتبة عظيمة مثل مكتبة الإسكندرية ثم بعد ذلك يتكبد علماؤهم مشقة البحث عن مؤلفات لنفس العلماء الذين حُرِقت كتبهم؟". (شمس العرب تشرق على الغرب/184).

ذكر بلوتارخ ( Plutarch) في كتابه الشهير(حياة قيصر) Life of Caesar بأن مكتبة الإسكندرية" قد احترقت بفعل الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر لتدمير الأسطول المصري المرابط في ميناء الإسكندرية". ويقول العلامة المستشرق (ماكس مايرهوف) " يكاد يكون من الحقائق التي أجمع عليها المؤرخون أنه لم تكن بالإسكندرية مكتبة كبرى عامة بعد نهاية القرن الرابع الميلادي، حيث كانت قد ضاعت معالم تلك المكتبة إبان الصراع الهائل بين المسيحية والوثنية على طول القرون الأربعة التي أعقبت الميلاد". وقالت الكاتبة والمؤرخة ( أ. ل . بتشر) في هامش كتابها " لا جدال بأن مكتبة الاسكندرية القديمة قد كان قد احرقها أوغسطس قيصر أول إمبراطور روماني وضع يده على مصر ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى تجددت هذه المكتبة إذ نقلت مكتبة برغاموس إليها فصارت أشهر من الأولى وانفع". (تأريخ الأمة القطبية6/148).

واخيرا ذكر فيليب حتي" اما القصة التي تقول ان عمرا احرق مكتبة الاسكندرية، بإشارة من الخليفة واحمي بها حمامات المدينة مدة ستة أشهر، فينكرها البحث العلمي". (تأريخ العرب المطول/222).

هذه هي آراء أهم وأبرز مؤرخي الغرب حول حريق المكتبة، ونفوا مسؤولية العرب المسلمين عنها، لا نفهم لماذا يصر بعص الكتاب العرب على تحميل المسلمين مسؤولية حرق المكتبة؟

أليس هذا الموقف الشاذ يدعو إلى الريب؟

رجال الكنيسة يفندون مسؤولية المسلمين عن حرق المكتبة

يذكر الدكتور نبيل لوقا بباوي" لقد وصل تسامح عمرو بن العاص مع الجنود الرومان البيزنطيين وأعدائه أنه نص في عقد الأمان المبرم مع قيرس أو المقوقس كما يطلق عليه أهل مصر الذي ابرم في عام 642م أنه سمح للجيش البيزنطي بالانسحاب من مصر وان يحمل جنوده أمتعتهم وأموالهم أن يتعهد المسلمون ألا يتعرضوا للكنائس الخاصة بهم هل يوجد تسامح أكثر من ذلك؟ أن تترك أعداءك يخرجون أمام عينيك بأمتعتهم وأسلحتهم وأنت تعلم مقدماً أنهم سوف ينظمون أنفسهم مرة أخرى لمقاتلتك وقتل الجيوش الإسلامية، ولكنها تعاليم الإسلام عندما تبرم عقد الأمان يجب الالتزام به وأن القتال ليس هدفاً لذاته بل هو خطوه للدفاع عن النفس ولتأمين الدولة الإسلامية الحديثة". (انتشار الإسلام بين الحقيقة والافتراء/158).

ذكر الأستاذ عزيز سوريال عطية" يرتبط فتح العرب للإسكندرية بلغط أجوف حول حريق مكتبة المدينة على يد عمرو بن العاص، تنفيذاً لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب، لكن هذه الرواية هي من نسيج الخيال وهي أقرب إلى الأساطير في كل تفاصيلها، وهي من حكايات الرحالة عبد الله اللطيف البغدادي ( ت 1231م) ومن كتابات الأسقف السورياني اليعقوبي بن العبري، وتزعم هاتان الروايتان أن الخليفة عمر بن الخطاب قد طلب من القائد عمرو بن العاص أن يبقي على هذه المكتبة إن كان ما فيها متفقاً مع ما ورد في القرآن الكريم وإلا فليقم بإحراقها، وعليه كما تزعم هاتان الروايتان قام عمرو بإحراق هذه الكتب . وواقع الأمر أنه لا يوجد مصادر معاصرة أو حولية تشير إلى هذا أو بشيء منه من قريب أو بعيد كما أنه من المشكوك فيه أصلاً أن تكون الإسكندرية عند وصول العرب إليها سنة 642م كانت لا تزال تحوي شيئاً من مكتبة البطالمة فلقد تم إحراق المكتبة منذ زمن بعيد على يد يوليوس قيصر عند هجوم على الإسكندرية لمساعد ة كلوباترة السابعة ضد أخيها سنة 48 ق.م يضاف إلى ذلك أنه في القرن الرابع للميلاد عندما صارت للمسيحية الغلبة في مدينة الإسكندرية على بقايا الوثنية , هجم المسيحيون على كل ما هو من بقايا الوثنية ودمروه تماماً ؛ ومن ذلك بطبيعة الحال ما كان قد تبقي من مكتبة البطالمة الوثنية. كما أن لفائف البردي واللفافات الأخرى التي قد تكون قد أفلتت من حرائق قيصر ومسيحيي القرن الرابع لابد وأنها كانت قد تهالكت وبليت بفعل الزمن وقت وصول العرب إلى مدينة الإسكندرية سنة 642م.وخلاصة كل هذا أن حكاية إقدام عمرو بن العاص على إحراق الكتب في أفران الحمامات بالإسكندرية مجرد تلفيق كاذب لا أساس له من الصحة تاريخياً" (تاريخ المسيحية الشرقية/103).

وجاء في موسوعة (من تراث القبط) الاتي" يتضمن غزو العرب للإسكندرية واقعة حزينة تتعلق بحرق مكتبتها العظيمة بواسطة عمرو بن العاص، الذي قيل إنه إنما كان ينفذ أوامر الخليفة عمر، إلا أن هذه القصة الرومانسية تنتمي إلى عالم الأساطير فقد ظهرت لأول مرة في كتابات الرحالة الفارسي (عبد اللطيف البغدادي المتوفي عام 1331م) والمطران اليعقوبي بارهيبراوس (المتوفي 1286م) أي بعد الغزو بستة قرون، إذ يزعمان أنه بناء على تشاور الخليفة عمر مع قائد جيش المؤمنين في مكة بعث إلى قائده عمرو بقراره المعروف الذي يؤكد فيه بأنه إذا كانت محتويات المكتبة تتفق مع ما جاء في القرآن فهي أشياء لا ضرورة لها ومن ثم فهي تافهة، وإذا كانت تختلف مع القرآن، فلابد من التخلص منها على اعتبار أنها خطر يهدد روح الإسلام وفي كلتا الحالتين يجب إحراق هذه الكتب وبعد تسلم عمرو لهذه الرسالة تم التخلص من هذه المحتويات الضخمة باستخدامها كوقود للحمامات الشعبية بالإسكندرية ستة أشهر وهي مدة لا تصدق، ولم يشر أحد من المؤرخين المعاصرين إلى هذه القصة , فضلاً عن ذلك فمن الشكوك فيه أن تكون لمكتبة بطليموس أثار باقية حتى مجيء العرب والمعروف أن جزءاً كبيراً منها قد دمر في حروب يوليوس قيصر في سنة (48 ق. م)، وحدث في القرن الرابع الميلادي، أن المسيحيين المنتصرين قد قاموا بعمليات منظمة لإحراق المباني عمداً لإزالة كل أثر للمؤسسات الوثنية، التي لابد أنها قد أصابت المتحف muscone أو ما بقى من، إن طبيعة لفائف البردي والمخطوطات المتراكمة في المكتبة كان لابد أن تتحلل نتيجة استعمالها على مدى قرون عديدة والمخطوطات المتراكمة في المكتبة كان لابد أن تتحلل نتيجة استعمالها على مدى قرون عديدة قبل الفتح العربي، وبعبارة أخرى فإن قصة إشعال حمامات الإسكندرية بتراث مكتبة الإسكندرية قصة يجب رفضها باعتبارها بدعة غير تاريخية ولا أساس لها". (موسوعة من تراث القبط1/207).

وقال المطران يوسف ضرغام" انتعشت الكنيسة القبطية وتنظمت في حكم عمرو بن العاص، فاعتقد الأقباط لفترة أن انتصار العرب أعاد لهم الحرية والكرامة والشخصية القومية ، لا سيما أن عمرو بن العاص اتبع وصية نبي الإسلام وعطفه على الأقباط إذ جاء في الحديث" إن الله عز وجل سيفتح مصر بعدي، فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لهم منكم صهراً ونسباً. فقد كانت مارية القبطية زوجة للرسول وأنجبت له ولده الوحيد إبراهيم الذي توفى بعد سنة ونصف تقريباً. وقد ساعد الفتح العربي في بداية الأمر على نهضة اللغة القبطية على حساب اليونانية، فالقراءات الطقسية صارت تتلى بالقبطية وحدها، كما تُرجمت إليها أقوال الآباء، وقد بنيت عدة كنائس وجُددت كنائس أخرى. ففي ايام البطريرك أغاثون (661 – 667) عُمرت كنيسة أبي مقار، وبنيت كنيسة القديس مرقس بالإسكندرية في ولاية عمرو بن العاص". (دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة/167).

كما ذكر الأب سهيل قاشا" إن العرب الذين وهبهم الله الملك يحترمون الديانة المسيحية، ويودون القسس والرهبان ويكرمون أولياء الله، ويحسنون إلى الكنائس والأديار". (الكنيسة العراقية إزاء الاضطهادات الفارسية/87) . لا بد من الإشارة في هذا الصدد بأن المطران يوسف الدبس علق على دعاوي البعض عن كيفية إحراق مكتبة الإسكندرية ونسبتها للمسلمين بقوله" روى هذه القصة كثير من المؤرخين النصارى وبعض المسلمين أيضاً عَلَى أن المدققين لم يقطعوا بصحتها". (تأريخ سوريا). كما أورد الأب نقولا أن علماء الإفرنج" يزيفون أقوال بعض أرباب الأهواء في نسبة الحريق للمسلمين ويبينون مأْخذ عبد اللطيف البغدادي وابن القفطي وابن العبري والحاج خليفة وليس لمكتبة الإسكندرية ذكر في عبارة أبي الفرج بن العبري الأصلية السريانية والنسخة العربية منقولة عنها كما أن بعض المخطوطات من تاريخه العربي لا أثر لهذه الرواية فيها والحاج خليفة لا ذكر للإسكندرية ومكتبتها في كتابه والبغدادي والقفطي نقلا عن رواية دسها عليهم بعض المتعصبين أو دسوها في عباراتهما. والمبحث مهم في ذاته يبين تعصب الإفرنج عَلَى الإسلام وبه يتم هذا المبحث الذي نشر المقتبس فيه عدة أبحاث أيضاً في سنيه الثلاث الأولى". (المقتبس46/47 عام 1909).

وسوم: العدد 1095