هل يستطيع العرب تجميد مشاركة إسرائيل في الأمم المتحدة؟

في الرابع من يوليو الماضي، اعتمد مجلس الجامعة العربية قرارا في دورة غير عادية ينص على إرسال تعليمات للمندوب الدائم للدول العربية في الأمم المتحدة للتحرك باتجاه تجميد عضوية «إسرائيل» في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على خلفية مجازر غزة، أسوة بما قامت به الجمعية عام 1974 بتجميد عضوية دولة الأبرثهايد في جنوب افريقيا. فهل بالإمكان التحرك والنجاح في تجميد عضوية إسرائيل؟ الخطوة، لو نجحت، صفعة معنوية كبيرة على وجه الكيان البشع من أكثر من 148 دولة وبخهم ممثل الكيان أكثر من مرة واتهمهم بمعاداة السامية.

إن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية، والتي تقترب من عامها الأول، إضافة إلى تزايد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، يعطيان دفعة جديدة للتحركات الرامية إلى تعليق عضوية الكيان في الجمعية العامة. فمن ناحية موضوعية يجب طرد هذا الكيان من مؤسسة، يعلن مرارا وتكرارا أنه يحتقرها ويتهمها بكل أنواع التهم، خاصة معاداة السامية. وسنذكر بعض الأمثلة التي، كل واحدة منها، تستدعي عقاب هذا الكيان وطرده من المنظمة الدولية ككل، وليس تجميد عضويتها فقط:

– أوج ازدراء هذا الكيان للأمم المتحدة عندما قام «المستوطن برتبة سفير» جلعاد إردان، يوم 10 مايو الماضي، وبعد اعتماد الجمعية العامة قرارا يؤيد أهلية دولة فلسطين للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة بغالبية 143 دولة، بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة، عبر جهاز تشريح الوثائق أمام عيون ممثلي 192 دولة، واتهم الدول التي صوتت لصالح القرار بأنها دول راعية للإرهاب، وأن الدولة الفلسطينية التي صوتوا لصالحها ستكون دولة إرهابية قائلا: «لقد اختارت هذه الهيئة الوقحة مكافأة النازيين المعاصرين بالحقوق والامتيازات، للجهاديين الذين يرتكبون الإبادة الجماعية والملتزمين بإقامة دولة إسلامية في جميع أنحاء إسرائيل والمنطقة، والذين يقتلون كل رجل وامرأة وطفل يهودي. إنني أشعر بالاشمئزاز». واختتم كلمته مخاطبا جميع الذين صوتوا مع القرار «عار عليكم عار عليكم»، فكيف يتحمل هؤلاء الدبلوماسيون هذه الإهانة دون طرد هذا المندوب الذي يتصرف كعضو في عصابة.

حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية، وتزايد اعتداءات المستوطنين، يعطيان دفعة جديدة للتحركات الرامية إلى تعليق عضوية الكيان في الجمعية العامة

– كما قام الكيان الصهيوني باتهام وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا) بأنها منظمة إرهابية، وعلق أعمالها ومنع منح موظفيها الدوليين تأشيرات دخول الحدود لممارسة أعمالهم، بمن فيهم المفوض العام فيليب لازاريني، واتهم آلاف الموظفين زورا وبهتانا بأنهم أعضاء في حركة حماس. كما استهدف موظفي الوكالة وقتل 220 موظفا في غزة، وموظفا قتله قناص في طوباس دون أي سبب.

– اتهمت إسرائيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأنه معاد للسامية وطالبته بالاستقالة لأنه قال «ما جرى يوم 7 أكتوبر لم يأت من فراغ».

– اتهمت محكمة العدل الدولية بأنها معادية للسامية، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية، وسخّرت كل قدراتها للضغط على القضاة والمدعي العام، كي لا تصدر مذكرات اعتقال ضد المسؤولين العسكريين.

وبعد كل تلك المجازر يعلن إردان في مجلس الأمن أن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقا في العالم». هل يستحق هذا الكيان أن يكون جزءا من المنظومة الدولية؟

إمكانية تجميد عضوية إسرائيل

هل يمكن استخدام الآلية نفسها ضد الكيان، التي استخدمت عام 1974 لتجميد مشاركة جنوب أفريقيا في الجمعية العامة. لقد ساهم ذلك الإجراء في عزل حكومة الأقلية البيضاء وانهيارها في نهاية المطاف. وليس مفاجئا أن تكون جنوب أفريقيا هي التي قدمت طلب البت في مسألة ارتكاب الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل في محكمة العدل الدولية. الوفد الفلسطيني في الأمم المتحدة يرى أن الأولوية الآن ليس لهذه القضية، بل لإصدار قرار تاريخي يتبنى فتاوى محكمة العدل الدولية لإنهاء الاحتلال، وهو ما تم يوم الأربعاء الماضي حيث صوتت الجمعية العامة لصالح مشروع القرار الفلسطيني بغالبية 124 صوتا واعتراض 14 دولة فقط، أي أن إنهاء الاحتلال له الأولوية لدى المجتمع الدولي. لكن لنفرض أن الوفود العربية قررت أن تحاول تجميد عضوية إسرائيل في الجمعية العامة، فهل هناك إمكانية فعلا لاعتماد قرار بغالبية الثلثين؟ نحن لا نعتقد أن الوفود العربية حاليا قادرة على حشد ثلثي الأصوات لتجميد مشاركة إسرائيل في أعمال الدورة التاسعة والسبعين، فقد اختلفت الظروف وتغيرت موازين القوى عما كانت عليه أيام الحرب الباردة في السبعينيات. في ذلك الوقت كانت القوى المناهضة للاستعمار الغربي في أوج قوتها، وكتلة عدم الانحياز تفرض وجودها ودول الكتلة الاشتراكية تمتد عبر القارات جميعا. في تلك السنوات دعيت منظمة التحرير الفلسطينية لتأخذ موقعها كمراقب، واعتمد قرار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وأنشات الأمم المتحدة قسما خاصا لمناهضة الأبرثهايد والعمل على إنهاء الاستعمار. كما أنشأت قسما خاصا بحقوق الشعب الفلسطيني. كانت مجموعة الدول العربية من أقوى المجموعات بعد حرب أكتوبر، وصدمة النفط بدأت تأخذ زخمها، والدول جميعا تتقرب من المجموعة العربية، حيث قطعت معظم الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل.

الوضع الآن مختلف تماما، حيث لا توجد كتل صلبة حقا، كما كان الحال في السبعينيات. انهارت الكتلة الاشتراكية وتحولت مجموعة دول أوروبا الشرقية إلى حلفاء لإسرائيل وأعضاء في حلف الناتو، وملحقة بذيول السياسة الأمريكية. القارة الأفريقية تم تفكيك وحدتها بالنسبة لإسرائيل والسفارات الإسرائيلية منتشرة في معظم دول القارة، بما فيها جنوب أفريقيا والمغرب وتشاد. وهناك دول أصبحت على علاقة متينة مع إسرائيل مثل، رواندا وكينيا وليبيريا وحاولت بعض الدول منح إسرائيل مقعد مراقب في الاتحاد الأفريقي. والحكاية نفسها في دول أمريكا اللاتينية، حيث نقل بعضها مقر السفارة إلى القدس. الاختراق وصل الدول العربية، وإذا كان الاقتراع سريا فلا نستبعد أن تصوت ست دول عربية أو أكثر لصالح بقاء إسرائيل.

كثير من هذه الدول تصوت لصالح فلسطين في مواقف سياسية وإنسانية مثل دعم حق تقرير المصير، والسيطرة على الموارد الطبيعية ودعم الأونروا، لكن إذا تعلق الأمر بطرد إسرائيل وتجميد عضويتها فسيصطفون خلف الولايات المتحدة وإسرائيل. فكثير من الحكومات الفردية والضعيفة أصبحت أكثر عرضة للضغوط الأمريكية والأوروبية. وعلاوة على ذلك، فإن واشنطن أكثر استثمارا في إسرائيل مما كانت عليه في جنوب أفريقيا قبل 50 عاما، وستكون صلبة في معارضة التحركات لتعليق عضوية إسرائيل.

وأود أن أذكر القراء أن السفيرة الأمريكية السابقة نيكي هيلي حاولت يوم 6 ديسمبر 2018 تقديم مشروع قرار يدين حركة حماس ووصفها بأنها حركة إرهابية، وألقت يومها خطاب التذلل والرجاء، لإقناع الحضور كافة بالتصويت مع مشروعها المليء بالمغالطات والكذب والتعامي عن أصل المشكلة وجذورها. لم تذكر في الخطاب كلمة واحدة عن الاحتلال أو الاستيطان، أو القانون الدولي، بل ركزت حديثها حول تمرير «ولو قرار واحد ضد حماس، مقابل 500 قرار ضد إسرائيل من بينها 16 قرارا هذا العام»، كما قالت. وعندما تم التصويت على مشروع القرار الأمريكي فشل بنقص ثلاثة أصوات فقط. فقد صوتت 87 دولة معه و57 دولة ضده و33 دولة امتنعت عن التصويت. والنتيجة أنه لم يحصل على الثلثين ولو كان بالأغلبية البسيطة لنجح مشروع القرار. شيء خطير أن تجد 87 دولة تؤيد إدانة حماس عام 2018 فما بالك الآن بعد طوفان الأقصى، وتغير مواقف العديد من الدول مثل الهند والأرجنتين واليونان وغواتيمالا وهندوراس وكل الدول الجزرية الصغيرة.

ولذا فإن عملية تجميد عضوية إسرائيل من الجمعية العامة الآن أمر في غاية الصعوبة بل أقرب إلى المستحيل. فليحفظ السفراء العرب ماء وجوههم وليبتعدوا عن مغامرة قد تكون بمثابة إطلاق النار على الذات بدل الأعداء.

وسوم: العدد 1095