ترامب في البيت الابيض: إدارة أمريكية بملامح صهيونية متطرفة
قبل عامين، كتب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» مخاطبا جمهوره ما يلي: «تخيل أنك استيقظت بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 لتجد أن دونالد ترامب قد أعيد انتخابه، واختار رودي جولياني لمنصب النائب العام، ومايكل فلين لمنصب وزير الدفاع، وستيف بانون لمنصب وزير التجارة، والزعيم الإنجيلي جيمس دوبسون لمنصب وزير التعليم، والزعيم السابق لمجموعة براود بويز إنريكي تاريو لمنصب رئيس الأمن الداخلي، ومارجوري تايلور غرين لمنصب المتحدثة باسم البيت الأبيض!»، هذا الخيال المفترض كان بعد إعلان نتيجة الانتخابات العامة الإسرائيلية التي جاءت بتحالف نتنياهو- سموتريتش- بن غفير إلى قمة السلطة في إسرائيل. وكان تعليق فريدمان على ذلك في كلمات مختصرة: «إسرائيل التي عرفناها قد انتهت».
اليوم، ليعلم توماس فريدمان أن تلك الديكتاتورية قد امتلكت مفاتيح أبواب البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس، وأن ما تبقى من أثر للمؤسسات الديمقراطية الأمريكية أصبح على وشك الفناء، تماما كما فعل هتلر في ألمانيا قبل نحو 90 عاما. إن زمن السيطرة الصهيونية على السياسة الأمريكية، على وشك أن ينتج أكثر الحكومات اليمينية المتطرفة في العالم.
اختيارات ترامب لأسماء المرشحين لقيادة الحكومة الأمريكية المقبلة تعكس تفضيلات صهيونية صريحة، ليست مسبوقة في تاريخ النظام السياسي الأمريكي. تفضيلات صنعتها من وراء الستار مؤسسات صهيونية يمينية، أهمها «الائتلاف الجمهوري اليهودي – RJC» و»مؤسسة التراث – Heritage Foundation» ومنظمات اليمين العنصري الأمريكي التي شاركت في محاولة اقتحام مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021 جنبا إلى جنب مع شخصيات مؤيدة لإسرائيل مثل أيلون ماسك. ونقدم في ما يلي نبذة قصيرة عن أهم رموز إدارة ترامب المقبلة، إضافة إلى زعيمي الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب.
الديكتاتورية امتلكت مفاتيح أبواب البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس، وأن ما تبقى من أثر للمؤسسات الديمقراطية الأمريكية أصبح على وشك الفناء
نائب الرئيس المنتخب: جي دي فانس سيناتور في الكونغرس، درس القانون وانضم لسلاح البحرية الأمريكية، وهو كاثوليكي متطرف، يؤمن بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل، من منظور توراتي – مسيحي. قال في إحدى مداخلاته الانتخابية: «يعتقد غالبية مواطني هذا البلد أن مُخَلِصَهم – وأنا أعتبر نفسي مسيحيا – ولد ومات وقام في ذلك الشريط الضيق الصغير من الأراضي قبالة البحر الأبيض المتوسط، ولذلك فإن فكرة وجود سياسة خارجية أمريكية لا تهتم جدا بتلك القطعة من العالم فكرة سخيفة». الأب الروحي سياسيا، الذي تولى رعاية فانس هو الملياردير المؤيد لإسرائيل بيتر ثيل، الذي تبرع له بمبلغ 15 مليون دولار في حملته الانتخابية لعضوية مجلس الشيوخ. وفي نظرته للسياسة الخارجية قال فانس: «نريد من الإسرائيليين والسُنّة أن يراقبوا منطقتهم من العالم. نريد من الأوروبيين أن يراقبوا منطقتهم من العالم، ونريد أن نكون قادرين على التركيز بشكل أكبر على شرق آسيا». في إشارة إلى المواجهة مع الصين. كثيرون من الخبراء يعتبرون فانس هو المرشح الرئاسي الجمهوري لعام 2028.
رئيس مجلس الشيوخ: تم اختيار السيناتور جون ثون ليكون زعيما للأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ. ثون لم يكن المرشح المفضل لدى ترامب. وقد دعا في أول تصريح يصدره بعد اختياره إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، إذا أصدرت مذكرات اعتقال بتهم جرائم حرب ضد كبار القادة الإسرائيليين، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقال: «إن الدفاع عن حليفنا العظيم إسرائيل ينبغي أن لا يكون قضية حزبية».
رئيس مجلس النواب: من المرجح أن يستمر رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون في موقعه خلال إدارة ترامب. وكان المجلس قد صوت في شهر يونيو الماضي بالموافقة على تشريع لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية، إذا أصدرت مذكرات اعتقال بحق زعماء إسرائيليين بسبب حرب غزة، لكن رئيس مجلس الشيوخ الحالي تشاك شومر رفض عرضه على السيناتور للتصويت عليه.
وزير الخارجية: اختار ترامب السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من فلوريدا، وهو مؤيد قوي لإسرائيل، لمنصب وزير الخارجية. وقال روبيو في وقت سابق من هذا العام، إنه لن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، وإنه يعتقد أن إسرائيل يجب أن تدمر «كل عنصر» من حماس، التي بدأت الحرب المستمرة بسبب هجومها «الإرهابي» الوحشي في 7 أكتوبر 2023 في جنوب إسرائيل. ووصف روبيو الفلسطينيين بأنهم «هؤلاء الناس حيوانات شرسة».
مستشار الأمن القومي: اختار الرئيس المنتخب عضو مجلس النواب مايكل والتز (جمهوري من فلوريدا)، ليكون مستشاره القادم للأمن القومي، وهو عقيد متقاعد من الجيش الأمريكي مؤيد لإسرائيل. وقد أظهر والتز، دعمه الكامل لإسرائيل طوال الحرب في الشرق الأوسط، حيث تشن القوات الإسرائيلية حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني. وقال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» في سبتمبر الماضي، إن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن لن ينهي الصراع. محذرا من أن إيران «ستستمر في تأجيج الاضطرابات، لأنها تريد تدمير إسرائيل. إن تقديم التنازلات تلو التنازلات لإيران هو في الواقع ما يزعزع استقرار الوضع».
مدير وكالة المخابرات المركزية: اختار ترامب جون راتكليف ليكون المدير القادم للوكالة. جون راتكليف هو زميل زائر للأمن القومي والاستخبارات في «مؤسسة التراث». وقد كتب راتكليف مقالا بعنوان «تعريض أمن إسرائيل وأمننا للخطر» في 24 يونيو 2024 . يعرض فيه رؤيته للشرق الأوسط، تضمن أنه بينما تعمل إسرائيل على صد «الإرهابيين»، تحجب إدارة بايدن عنها المساعدات الاستخباراتية والعسكرية – مما يعرض حليفا رئيسيا للخطر.
وزارة الأمن الداخلي: اختار ترامب حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية كريستي نويم لمنصب وزير الأمن الداخلي. ستلعب نويم، الموالية لترامب والمتشددة في مجال الهجرة، دورا حاسما في تنفيذ سياسات ترامب المتعلقة بالهجرة، بما في ذلك خطته لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية. نويم سبق أن قدمت مشروع قانون لمنع انتقاد إسرائيل بدعوى «ضمان أمن شعب الله المختار»! ويعني ترشيحها لهذا المنصب أن ولاية ترامب الثانية ستشهد حملة جديدة لقمع المقاومة المناهضة للاستعمار والعنصرية تقوم على استراتيجية بعنوان «مشروع إستير» لمكافحة معاداة السامية، وضعتها «مؤسسة التراث»، وهي مؤسسة فكرية محافظة بارزة مرتبطة بترامب.
وزير الداخلية: اختار ترامب للمنصب داغ بورغوم، حاكم ولاية داكوتا الشمالية المؤيد لإسرائيل والمرتبط بعلاقات مع المستوطنين. بورغوم قام بزيارة الضفة الغربية في سبتمبر الماضي نظمها «الائتلاف اليهودي الجمهوري»، وأعلن أنه يدعم المجتمعات اليهودية التي تواجه «تهديدات إرهابية» في المنطقة. وخاطب قيادات المستوطنين قائلا: «إننا بحاجة إلى وقف سياسة الإدارة الحالية (أي إدارة بايدن) في استرضاء إيران، والضغط على إسرائيل، واستعادة سياسة الضغوط القصوى على إيران، مع أقصى قدر من الدعم لإسرائيل.
وزير إدارة الكفاءة الحكومية: اختار ترامب البليونير أيلون ماسك، ومعه المرشح الرئاسي السابق عضو مجلس الشيوخ فيفيك راماسوامي لتولي مسؤولية وزارة جديدة مهمتها تطهير الحكومة والجهاز الإداري الأمريكي، مما سمّاه عوامل ضعف الكفاءة، ووضع قواعد جديدة للإدارة. أيلون ماسك صديق شخصي لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ومؤيد قوي جدا لحملة ترامب، وقريب من أفكار الرئيس المنتخب، إلى الحد الذي جعله يشارك في أهم اللقاءات والمحادثات الهاتفية مع زعماء العالم بعد إعلان الفوز. ماسك قال في نهاية واحد من الاحتفالات في مقر ترامب: «لقد أعطانا الجمهور تفويضا لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا. لقد تحدث الناس، وهم يريدون التغيير». وسوف يكون ماسك أحد محركات التغيير في إدارة ترامب.
مندوب أمريكا لدى الأمم المتحدة: اختار ترامب النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك، التي وصفت الأمم المتحدة بأنها «بؤرة لمعاداة السامية»، بسبب إداناتها لإسرائيل وسط الحرب في غزة، لتكون سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وقد برز نجم ستيفانيك على مدار العام الماضي باعتبارها مدافعة عن إسرائيل، من خلال الهجوم على الأمم المتحدة لانتقادها حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. واتهمت المنظمة بأنها مصابة بـ»العفن المعادي للسامية». كما تقود ستيفانيك أيضا حملة مناهضة تحركات التيار المناصر للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.
السفير الأمريكي لدى إسرائيل: رشح ترامب مايك هاكابي، حاكم أركنساس السابق، اليميني المحافظ المؤيد بشدة لإسرائيل والذي يدعم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ووصف حل الدولتين بأنه «غير قابل للتنفيذ»، ليكون السفير القادم لإسرائيل. هاكابي صهيوني متطرف لا يعترف بأن الضفة الغربية أرض محتلة، ولا أن هناك شعبا يسمى الشعب الفلسطيني، وأن إسرائيل هي دولة كل يهود العالم. ويروج هاكابي للأسطورة اليهودية القائلة بأن الله «خصص هذه الأرض لشعبه منذ 3800 عام عندما أعطى إبراهيم سند الملكية لكل إسرائيل وقال: «الذين يباركون إسرائيل يُباركون، والذين يُلعنون إسرائيل يلعنون» (سفر التكوين 12: 3).
وسوم: العدد 1103