سلطات الأمر الواقع بدلا من سورية المحررة

هو العنوان الذي بدأ يتسلل إلى ألسنة الأبعاض على خلفياتهم!!

والدعوة مفتوحة إلى التأمل والتفكير والموازنة والمقاربة العملية، وتفلية الحواشي، وبحث ما وراء الأكمة.. ثم تحديد الموقف، الذي يدفع وينفع ويستدرك ويتلافى، ويصل الطريق، ويقطعه على المشككين والمتربصين أيضا…

بدأ يدور على ألسنة بعض المثقفين، والمؤدلجين، والمتسيسين عنوان "سلطات الأمر الواقع" في الإشارة إلى المناطق الخارجة عن سيطرة بشار الأسد وزمرته…

ففي هذه المساحة من الشمال والشمال الشرقي من سورية، حيث يعيش قريبا من نصف ما تبقى من شعب سورية، عدد كبير منهم من النازحين، أصبحت الأرض وأصبح الناس محكومين بقوى وأشخاص؛ ربما سيتردد الكثير منهم في حسابهم على الثورة، بكل ما عنته وتعنيه للشعب الثوري الذي خرج في ثورته داعيا إلى العدل والحرية والمساواة والإصلاح…

شطر المساحة التي نتحدث عنها، وقعت أسيرة احتلال أمريكي بغيص، من خلال أدوات عميلة أشد بغضا…

ثم تبقت بعد ذلك مناطق تتمركز في مدينة إدلب، وما حولها مع شطر صالح من أرياف مدينة حلب، الفضاء الذي تسيطر عليه العديد من الفصائل بعناوين أجمل ما فيها "بريقها"

لقد كتب دارسون كثيرون عن هذه المناطق تحت عنوان سورية الحرة تارة، وسورية المحررة أخرى، وحاولوا أو طالبوا بجعلها ممثلة للحلم وللأمل ولسورية الأنموذج.

وبغض النظر عن كل شيء، فإن الحقيقة تقول إنه لا شيء يساعد على الوفاء بمثل هذا..

لا الجغرافيا ولا الديمغرافيا ولا أدوات السيادة، ولا فضاؤها الاستراتيجي الدولي أو الإقليمي، ولا العقل السائد، ولا الإمكانات المتاحة؛ لا شيء من أولئك يمكن أن يساعد على الوفاء بحجم الأمل أو الحلم..

حتى الصورة المستقرة لما يسمى بدولة قبرص التركية، لم تتوفر بعد للمنطقة التي نتحدث عنها.

في المناطق السورية التي نتحدث عنها، ثمة سلطة متخيلة اسمها الحكومة السورية المؤقتة ربما هي بحاجة إلى التعاطف أكثر مما هي بحاجة إلى المحاسبة أو التثريب!!

المجتمع الدولي، الذي شارك في صنع الحالة القائمة، ينظر إلى سورية التي نتحدث عنها على أنها خزان بشري من المقيمين والنازحين، يستحق الشفقة، فيضخ لها دائما المعونات العينية، من أغذية ومستلزمات. وفي ضخ المعونات العينية، تحت شروط توزيعها، رسالة لمن يعي!!

مراكز السيطرة من فصائل ومخافر ومجالس قضاء لا تملك أي تصورات معيارية لدور السلطة ولو بالحدود الدنيا.

القضاء المحلي يُدعى للقائمين عليه أن يمتلكوا الخبرة والجرأة ليحفظوا على الناس حقوقهم..

التعليم يقتطع من الأمية التي تضرب أجيالا سهما لا يكاد يقدر على الوفاء به..

والأمن الذي ما يزال يتلقى صفعات الطائرات الروسية والأسدية والطعنات بأيدي العملاء الأمريكيين تارة، وبأيدي المتنفذين حديثي عهد بالسلطة أخرى، كل ذلك يجعل من الخوف سيدا متربعا..

في المنطقة أو في المناطق السورية الحرة أو المحررة، لا نستطيع ان نزعم أن السائد هو أرقى ما استطاعه العقل السوري الحر..

السلطات الإكراهية بوصفها واقعا من جهة، وبوصفها ضرورة من أخرى، لم ترق لتكون حامية للعطاء والنماء…بله أن تكون صانعة له!!

صحيح إن الإعلام الأصفر، يشتغل دائما على نقل أخبار الحرائق وانقطاع الماء وحوادث الطرق، والجرائم المجتمعية،ومع إدراكنا وتقديرنا لكل هذا، فإن جملة الأخبار المتسللة من وراء الحدود لا تسمح لعاقل أن يتصور أن الحالة السائدة في سوريتنا تلك تسمح لنا أن نعتبرها سورية الآمنة المطمئنة التي يعيش إنسانها الرغد المعنوي لا المادي.

ربما بمقارنة بسيطة مع أي منطقة من المناطق التي تسيطر عليها السلطة الممثلة في مجلس الأمن الدولي، سنجد أن السوري في سورية الحرة مسكون بخوفين خوف الجوع، وخوف القصف من طائرة روسية أو أسدية أو الغارة من أطراف العمالة الأمريكية، ولكنه تخفف كثيرا من الرعب من طرقة الباب عند الفجر..

نعم قد نجد عنوان سورية الحرة أو المحررة كبيرا. ولكننا نجد أيضا أن عنوان "سلطات الأمر الواقع" مريبا أو متطلبا أكثر..وأن فيه تنصلا، وأن فيه اتهاما يفتقر إلى أسس موضوعية، بل فيه اتهام للضحايا بما يخدم الجلاد.

وإن كان ولابد فلنتفق على عنوان "سورية الأمل" حيث يمكن للبرعم أن يتفتح ويعطي

أو ينسج قطعة المخمل الأزرق "تأخرت كتير وما عطيت يا مواسم الزيتون"

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1104