وهل يفكرون بالتقسيم؟؟
عقاب يحيى
في دراسة هامة مثقلة بالأرقام والوقائع والخرائط والإحصاءات.. لصاحب رواية القوقعة : مصطفى خليفة، بعنوان : التقسيم المستحيل.. يستعرض التوزع الديمغرافي والجغرافي للمكونات القومية والدينية والمذهبية في سورية، كي يتناول بشكل منهجي، وعلى ضوء شتى الاحتمالات المطروحة، أفكار، وواقعية تقسيم بلادنا.. إن كان على اساس قومي، لوجود مشروع كردي، هو الوحيد باعتباره الذي يسعى للانفصال من بين جميع المكونات القومية، أو طائفي، ويخصّ بذلك الطائفة العلوية بقيادة النظام الفئوي.. وما يرد في ذهنه، وحليفته إيران من مشاريع.. عندما ينزنق، ويخسر سيطرته على كامل سورية..
ـ على مدى مسار الثورة، وفي أكثر من مقال تناولت فيه أفكار واحتمالات التقسيم ومدى واقعية تحقيقها، خاصة ما يتعلق منها بانفصال كردي، أو طائفي علوي، وهي نفس النتيجة التي توصل إليها الكاتب مصطفى خليفة، والتي عززها بالأرقام والإحصاءات وعديد الوقائع، والظروف، والمؤثرات الداخلية والإقليمية والدولية، بما فيهم إيران من جهة، وتركيا من جهة ثانية، وإسرائيل ومعها الغرب من جهة ثالثة .. وقد انطلقت من قناعة مبنية على بعض الوقائع والاستنتاجات، وأهمها :
1 ـ لاشك أن نظام التفحيح الذي أشاده الطاغية الأكبر حافظ الأسد، واستمر فيه وريثه بطريقة أشدّ فتكاً، وفوضى، ومباشرة، وهزالة وقحة، خاصة بعد قيام الثورة وما كشفته، وعرّته، وما يفعله..إنما ارتكز على بنية طائفية في صلب نظامه : الأجهزة الأمنية والجيش، وموضعها في الموقع الحيوي، والمفصلي، وبالوقت نفسه تعامل بفئوية وتحيز طائفي مع أبناء الطائفة العلوية في عموم الميادين.. من الكلية العسكرية، إلى المخابرات، إلى البعثات الدراسية، إلى الوظائف الهامة، ثم مظهرتها اجتماعياً بكل دلالاتها كرمز للحكم والسيطرة والتمرير، في حين كان حريصاً على عدم إقامة مشاريع إنتاجية مهمة في مناطق الساحل لتبقى خزان إمداده من جهة، وتابعة له من جهة ثانية، وتحتاجه ليظل مهيمنا عليها من جهة ثالثة ..إلى جانب التلاعب بقصة المظلومية التاريخية وآخر طبعاتها في تضخيم حجم بعبع مفترس، ينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض.. وفعل القتل والتطهير.. والانتقام..من جهة رابعة..
وعلى هذه القاعدة من الممارسات، وعبر ما يعرف بالصدام بينه وبين " الحركة الدينية" أواسط السبعينات.. وحتى مجزرة حماة الشهيرة / شباط 1982/ نجح في تقديم نفسه، للأغلبية الساحقة، على أنه حامي حمى الطائفة العلوية، وأنها دونه ستتعرض للذبح والتهجير والتطهير، مثلما نجح في تسليح العديد من أبنائها، وتضخيم البعبع المخيف من آخر : سني ..كما نجح في بسط أفكار ملغومة عن حمايته لعموم الأقليات.. المهددة ـ كما يشيع ـ بكل الأخطار القادمة من الآخرين..
2 ـ كان الطاغية الأسد شديد الخبث والمخاتلة.. فغطى جوهر نظامه بطبقات كثيفة ظنّ أنها معتمة، ولا تظهر حقيقته، تلك المتعلقة بجميع التنظيمات والتحالفات، والعلاقات.. وشبكة التغلغلات الكبرى في نخاع المجتمع وقواه الاقتصادية، وفعالياته الاجتماعية.. فامتطى البعث وتاريخه مسخه ومسح به الأرض ليصبح ممسحة قذاراته، وعنواناً كبيراً لكل جرائمه وموبقاته وخياناته.. وكثف من الشعارات القومية، والثورية والعلمانية التشويهية والترقيعية.. في الوقت الذي كان يطارد فيه القوى الوطنية ويفتح الأقنية الممسوكة مع اتجاهات دينية سنية ورجالات دين سنة..ومع التجار في المدن الكبرى : دمشق وحلب بشكل خاص، وإقامة" الجبهة الوطنية التقدمية" البردعة.. وتحالفات عربية ودولية مع القوى المحسوبة على الخط المناوئ لإسرائيل والصهيونية والإمبريالية.. في حين كان ـ باطنياً ـ يقايض ويتفق معها على القضايا المفصلية ويقوم بأكبر عمليات التزوير والغش وخلط الأوراق.. والتآمر، وتنفيذ ما لا يتجرأ الآخرون في النظام العربي عليه ..
3 ـ لنقل أن الفئة الحاكمة.. وقد وصلت في عنجهيتها، وتركيبها العقلي الفئوي، الدموي مرحلة التشبيح السابح في جميع أحلام الاستمرار، ولو على جبال من الجماجم، وعلى ركام أنقاض الوطن.. تكوّرت في نهجها الذاتي، وحوّلت الوطن إلى ملكية خاصة، ومزرعة مطوبة لها.. ولهذا لن تترك الحكم، وستقاتل لتبقى ولو اقتصر على حاكورة، وبعض المناطق.. بحجم القرداحة، ولمَ لا الساحل؟؟.. ولمَ لا ما هو أكثر ليشمل حمص وحماة ومناطق أخرى مقتطعة من إدلب؟؟.. لإقامة دولة علوية.. وهنا أتفق مع الكاتب مصطفى خليفة بأن هذا الاتجاه موجود وقوي داخل قوى مهمة في النظام، وتغذيه إيران في حال الاضطرار وفقدان بقية المناطق السورية.. ولذلك يمكن قراءة بعض أعمال التطهير، والمجازر، والتطفيش.. والتعبئة على أنه تحضير، ولو من باب الاحتياط، لمثل هذا الاحتمال .
إن شهوة الحكم والبقاء فيه ـ في جميع المساحات، والأوضاع مندمجة عند القوى الحاكمة مع تنظيرات مناسبة عن أنها القدر، والحامي، والرادع، في الوقت الذي تشدها فيه تلك الطبيعة ومجموعة مصالحها وثرواتها، وما اعتادت عليه إلى عدم التفكير بالمغادرة وترك البلاد لإرادة شعب قرر أن يتحرر منها.. وهذا يصبّ في فكرة التقسيم إن خسرت معركتها في بقية المناطق ولم تنجح في مواجهة الثورة، واستعادة الجغرافيا السورية. آخذين بالاعتبار ـ هنا ـ قابليتها للتعايش مع ما يشبه خطوط التماس المتحركة، وحتى الدائمة، ومع التحول لحرب أهلية قد تستمر أعواماً .
4 ـ إن فعاليات الطائفة العلوية، وهي كثيرة ومتعددة الاتجاهات : معارضة وغيرها، ليس لها مصلحة بعملية التقسيم، وهي تقف ضدها، ناهيك عن أن جماهير أبناء الطائفة لن تكون مرحبة بمثل هذا الوضع عبر زمن من التوجه نحوه، لأنه يضعها في موقع الشبهة، والتهمة التاريخية، ويفصلها عن الجسد السوري، ويحملها مسؤوليات لا مصلحة لها بها، ولا طاقة لها عليها.. عدا عن الجانب الاقتصادي وأثره.. لمناطق لا تحتوي الكثير من الثروات الاستراتيجية، والمهمة .
لكن، وبالتضافر مع ذلك، فإن الشعب السوري، بجموع توزعه، وقواه، لن يقبل التفريط بأي شبر من جغرافيته، وسيقاوم ذلك بكل الوسائل المتاحة، وطالما أنه توجد ثورة، وثورة من طراز فريد، فالأكيد أنها ستعمل على نحر ذلك المشروع، ولو باستنزافه الدائم حتى القضاء عليه..
5 ـ هناك مؤشرات كثيرة على أن إسرائيل ليس من مصلحتها تمزق سورية لعدد من الدول، رهاناً منها على وجود جهة واحدة تلتزم بأمنها وما يتفق عليه من تسويات، ويقال الأمر نفسه عن الموقف الغربي الخائف من عمليات تمزق تستجلب حرباً أهلية لا يقدر أحد على تقدير نتائجها وما ستفعله في المنطقة وعموم العالم، خاصة وأن بعبع التشدد والإرهاب، والإسلام المجاهد يقضّ مضاجعها، ويجعلها تعد للمائة حين تدعم مشاريع تقسيمية.. قد تمتد إلى عموم المنطقة، ويصبح معه أمن إسرائيل، وأمن مصالحها معرضاً للخطر من جهات عديدة.
6 ـ أما المسألة الكردية، وبغض النظر عن طموحات الانفصاليين الأكراد، ومحاولات استثمار بعض قواهم للوضع السوري للذهاب خطوات في مشروعهم القومي المستقل.. فإن اللوحة السورية في هذا المجال شديدة التعقيد جغرافياً وسياسياً.. بالنسبة لتواجدهم الجغرافي، ناهيك عن أن مثل إقامة كيان مستقل سيصطدم برفض حقيقي من دول الجوار، خاصة تركيا..
7 ـ الخوف الكبير أن يبقى النزيف السوري لسنوات، وأن تنجح الأطراف المعادية للثورة، ولوحدة سورية الوطنية والجغرافية في تحويله إلى حرب مذهبية مغلفة بعنوان الحرب الأهلية، وما يمكن أن ينجرّ عن ذلك من تداعيات، بما فيه التقسيم الواقعي غير المعلن، وغير المرسّم، وأن يُجبر السوريون على التعايش معه، خاصة إن لم تستطع قوى الثورة حسم معركة إسقاط النظام والتحول إلى نظام ديمقراطي، وإذا ما نجحت القوى المتطرفة بقيادة داعش وأخواتها، وأبناء عمومتها، في بسط نفوذها على المناطق المحررة.. بما يمنح القوى الطائفية مبررات قوية، إضافية، للمضي في مشروع التقسيم.