ما أهمية التعليم إذا فَقَدنا الطلاب؟!
عابدة فضيل المؤيد العظم
الثورة السورية تكبر كل يوم وتنمو وتتمدد بحمد الله، ولكن وضع المدنيين يزداد سوءاً وتأزماً كل ساعة، وتزداد الحاجة لجميع أنواع الدعم المادي والمعنوي.
حاجات الثورة كثيرة ومصارفها كبيرة، ومواردها قليلة، حتى كادت تشرف على الشح والنفاد، ولا مناص من الاقتصاد بالإنفاق وترتيب الأولويات؛ لكيلا لا تضيع التبرعات البسيطة المتوفرة بين أيدي العاملين عليها.
أقوله لأني أرى بعض الجهات التي تعودت في حياتها على النجاح، تدير أموال الثورة كما تدير مشروعاتها التجارية الكبيرة، فإذا حصلت على المال تبذره وتفرط فيه بالدعاية والمظاهر الزائلة، وتُضيّعه على المؤتمرات والدعوات والفنادق واللقاءات غير المثمرة، وتدعو أشخاصاً لا تعنيهم الثورة ولا يساهمون بالتبرعات، فتضيع أموال الأمة في هذه الترهات، ونحن في حالة طوارئ ولدينا مشكلات بالإمداد.
وحتى يقوم أود الثورة، وتبقى على قيد الحياة فإنها تحتاج لثلاثة أشياء ضرورية جداً، لا يمكن الاستغناء عنها أبداً: السلاح، والغذاء والعلاج.
هذي الثلاثة أُسُسها وأعمدتها، ولا بد من العناية بهذه العناصر وتوفيرها للمنكوبين والمدافعين عن الظلم حتى يستمر التقدم والنجاح، فإن استقامت هذه العناصر الثلاثة، فكرنا بالحاجة الرابعة -التي تأتي بعدهم بمراحل- وهي "التعليم"، وعلى هذا الأساس السليم علينا أن نعمل ونتعاون.
فإذن سوريا تحتاج الآن "الأموال" لثلاثة مصارف رئيسية وضرورية جداً، وهي على التوالي:
1- السلاح وهو أهمها على الإطلاق وله الأولوية
وفقد السلاح يعني سقوط الثورة، وسيطرة الدولة الأسدية، وعودة شؤون التعليم إلى وزارة التربية بالجمهورية العربية السورية، واضطرار المهاجرين واللاجئين إلى الدراسة حسب أنظمة البلاد التي يقيمون فيها... فإذن إهمال السلاح يعني تهديد ملف التعليم بالإغلاق نهائياً.
2- ضرورات الحياة الرئيسية
الطعام والشراب والسكن، والنقل، والعناية بحاجات الأيتام... حاجات أساسية لا يمكن إهمالها والتغافل عنها مهما صعبت الظروف، وتراجعت الأوضاع. وإذا لم نُؤمّن ضرورات الحياة للناس ماتوا، فلا أهمية للتعليم والطلاب في خطر حقيقي.
3- العلاج
ويشمل عدة أشياء، منها الإصابات الطارئة في المعارك والقصف. ومنها العلاج اليومي للمرضى والمتألمين... وكم تسبب تأخير العلاج في أمراض مزمنة وعاهات دائمة، وفقد أطراف، وموت محقق... وإن الآلام تصرف الناس عن المعالي، وعلاج هؤلاء مقدم على تعليمهم.
حاجات السوريين كثيرة، ومن الجميل أن تعمل كل الأطراف على ملفات الثورة الأربعة هذه، وتتقاسم الأعمال الكثيرة الملحة، حسب القدرات والإمكانات، وكل ميسر لما خلق له، ولكل قوم اهتماماتهم واختصاصاتهم، فيتعاونون بشرطين:
1- حسب الأولوية
2- وعلى ألا يعتدي طرف على طرف.
ولكن التعليم، بدأ يتمدد ويعتدي على حصة السلاح وعلى حصة الإغاثة والعلاج، وهو الأخير في سلم الأولويات، والأقل أهمية فيهم.
وأصبح دعاة التعليم يتوجهون إلى أعلام المجتمع والمشايخ ويطالبونهم بالدعاية لهم وتحبيب الناس بالإنفاق على باب التعليم، متناسين آلام الناس وأمراضهم، الناس يموتون وهم يجمعون المال لإقامة المدارس وطباعة الكتب وتأمين الحقيبة المدرسية والقرطاسية، وكأن الطلاب في ظروف طبيعية.
وكيف نقدم التعليم على سواه من الملفات ونحن في حرب شرسة سوف تحدد مصير المنطقة كلها؟ وكيف نبني المدارس والنظام ما زال يتقصد المباني والمستشفيات ويدمرها؟ فكان من الخطأ الفادح إنفاق المال في هذه المصارف البائدة.
وإني أقدر أن التعليم مهم، وأن الطلاب فقدوا سنتين من التحصيل، والسنة الثالثة تمضي، وأن التعليم مرتبط بالتربية والتوجيه ويصون الناشئة من الانحراف والأمراض النفسية... ولكن كل هذا لا يجعل للتعليم الأولوية، ولا يسوغ له الاستئثار بأموال الثورة. لأن التعليم مرتبط بها وإذا سقطت الضرورات الأساسية (السلاح والإغاثة) سقط التعليم لا محالة، وزال. فكان من الواجب البدء بالأولويات، وإذا بقي فائض من المال نذهب به للتعليم.
والتعليم يتم بطرق رخصية وبسيطة، وإني أتساءل:
1- إذا جعل النظام المدارس ثكنات عسكرية، فلِمَ لا تجعل هيئات التعليم من المساجد والملاجئ والحدائق مدارس؟!
2- وما الضير لو جعلوا المدارس -كما في إفريقيا- خيمة وسجادة وسبورة وكتاباً للأستاذ ودفاتر للطلاب وبعض الأقلام؟ واستفادوا من أموال التبرعات في رواتب الأساتذة؟ فيستفيدون من المال نفسه فائدتين: (1) التعليم و(2) إعالة أسرة الأستاذ.
3- ولم لا يُستْثمر شيء -من المبالغ المرصودة للتعليم- في تطوير الأساتذة وتنمية قدراتهم، ودعمهم نفسياً، بدل التفاخر بطباعة وتوزيع الكتب الدراسية الملونة؟فالأستاذ أهم عامل في العملية التربوية وعلى أدائه يتحدد نجاحها وفشلها. وهو أولى بأجر طباعة الكتب.
4- وما الضرر لو أعطينا الأساتذة الكتب القديمة المقررة وطلبنا منهم تنقيحها أثناء تدرسيها؟
5- ولمَ لا يتم جمع مال التعليم من الجهات المحايدة التي تقدس العلم والشهادات وتتحفظ على التبرع للنصرة والإغاثة، وهؤلاء ليسوا بقليل، وأكثر الناس يرفضون التبرع للسلاح على أساس أنها فتنة، ويرفضون التبرع لضرورات الحياة خوفاً أو مللاً... وهؤلاء يقنعهم التعليم وتسعدهم المساهمة فيه، كما أن المنظمات العالمية والشخصيات الهامة الثرية تتبرع لمثله وتتفاخر بالمساهمة فيه. وصدقوني أن جمع المال من هؤلاء أقرب للتقوى، وأشد تثبيتاً لهذا العمل.
فانتبهوا لأن التعليم بدأ يسحب أموال الثورة من المحتاجين والجائعين والعريانين ويصبها في صرح التعليم، الذي يبدد نصفها ولا يحسن الاستفادة من نصفها الآخر، ورجائي من العاملين عليه أن يبتعدوا عن جمع المال عن طريق الشخصيات الإسلامية ويقتصدوا فيما بين يديهم من أموال، ورجائي من المتبرعين أن يراعوا الأهم في الصدقة. فهذا أنسب للواقع وأكثر بركة لهذا العمل. وأحفظ لأموال الأمة، وأجدر لاستمرار الثورة المجيدة.
وأنا لا أقول التبرع للتعليم مرفوض نهائياً، ولا أسد باب الخير، وإنما طرقت الموضوع لأرتب الأولويات، وأحفظ الضرورات، وأنبه أن لكل باب زبائنه فلا تخلطوا الأوراق، ولا تُخِلّوا بالأولويات.