يريد امرأة عاملة
د. ماهر أحمد السوسي
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون
بالجامعة الإسلامية - غزة
راعها ما سمعت عن الخلافات التي وقعت بين صديقتها وبين زوجها؛ ذلك أن زوجها قد طلقها بعدما رفضت أن تتنازل له عن كل راتبها.
علمت ريم بقصة صديقتها هذه وهي تستعد لقدوم زائر يمرّ على بيتهم اليوم، هذا الزائر هو خاطب جاء ليتعرف عليها وتتعرف عليه، ومن ثمّ إكمال مراسم الخِطبة ثم الزواج، حزنت ريم حزناً شديداً على صديقتها الطيبة، وأرّقها أمر طلاقها، وبدأت تفكّر في مصير هذه المطلقة، وما سيواجهها من مشاكل وصعاب، وكيف ينظر إليها المجتمع وقد طُلقت ولم يمضِ على زوجها وقت طويل، وفجأة فقز إلى ذهنها أنها هي الأخرى يمكن أن تنال نفس المصير، فهي الأخرى موظفة، ولها راتبها، وقد يكون خطيبها كزوج صديقتها، قد يطلب منها راتبها، وقد تمتنع عن موافقته على ذلك، وقد يطلقها كما طلقت صديقتها، وقد .. وقد …، أفكار كثيرة تزاحمت في رأس ريم، وملأ قلبها الرعب من أن يكون مصيرها كمصير صديقتها.
اقترب وقت الزيارة المشهودة، وبدت ريم كتلميذة تدخل الامتحان، أو كموظف يريد أن يدخل المقابلة الشخصية التي يتوقف عليها أمر وظيفته، شعرت بنوع من الاضطراب والخوف، قومي وارتدي ثيابك فقد اقترب وقت زيارة الضيوف، نادتها أمها مستعجلة لها، وقد قطعت عليها حبل أفكارها، فقامت وارتدت ملابسها التي حرصت أن تكون محتشمة لا يظهر منها غير وجهها وكفيها.
جاء فارس الأحلام مع أبيه كما هي عادة الناس؛ وكان لزاماً على ريم الآن أن تدخل بصينية القهوة حتى تقدمها لزوارها، وبالفعل حملت ريم صينية القهوة وما أن وصلت إلى باب حجرة الاستقبال حتى تنازعتها مجموعة كبيرة من الأفكار، كيف هو شكله، وأين مقعده في حجرة الاستقبال، وماذا سيكون موقفه منها، هل ستعجبه أم لا؟ ياله من موقف لا يستطيع الإنسان فيه التركيز، ولا يستطيع أن يتنبأ بما ستكون نهايته، هذه هي اللحظة الأهم في حياة أي أنثى ..
كانت أمها تسير من خلفها، هيا ادخلي قالت لها، "لا وقت لدع البنات الآن"، دخلت حجرة الاستقبال وشعرت عند دخولها بعدم التركيز، وكأنها غابت عن وعيها قليلاً، شعرت بالتيه ما عادت تذكر معالم هذه الحجرة، كأنها تدخلها لأول مرة، ثم … قدمت القهوة لضيوفها وهي تنظر في الصينية التي في يدها، حاولت أن تنظر إلى ملامح وجهه فلم تستطع خجلاً وحياء، ثم وضعت ما في يدها على منضدة الوسط ثم جلست بجواز أمها في مقابلة خاطبها.
لم تستطع أن تستوعب ما حدث تماماً، إلا أن الجميع قد قاموا مبتسمين يبدو على وجوههم السرور، ووضعت أم خطيبها يدها في يدها وهي تشد عليها دلالة على الموافقة، وهنا تذكرت ريم ما عقدت العزم عليه فقالت: أحب أن أخبركم بشيء حتى تكون الأمور واضحة، توقف الجميع عن الخروج ونظروا إليها وهي تكمل: إذا ما تمّ الزواج فسأترك العمل وأمكث في البيت، أسقط في يد الخاطب وأهله، وانقلب سرورهم إلى وجوم، وارتسمت على ملامحهم علامات غير واضحة، وقالوا نتصل بكم كعادة الناس، ثم خرجوا … وبعد يومين كان الرد، نعتذر نحن نريد امرأة عاملة.
إذاَ المقصوود ليس ريم لذاتها؛ وإنما المقصود هو امرأة عاملة، أي امرأة عاملة، قالت ريم لنفسها، ثم أطرقت تفكر، هل من حقها أن تختبر كل قادم للزواج بهذه الطريقة أم تقبل بالأمر الواقع.
وبعد.
فإنه ليس كل الأزواج كزوج صديقتك التي طلقها لرفضها التنازل عن كل راتبها، فهناك من لا يتقاضى شيئاً من راتب زوجته العاملة.
ثم إنه يحق لك أن تشترطي على من قدم لخطبتك ما تتفادين به هذه المشكلة، كأن تشترطي على أن لا يكون له شيء من الراتب أو نسبة معينة تتنازلين له عنها من راتبك.
مع العلم بأن خروجك للعمل ابتداء لا بد أن يكون بموافقة الزوج ورضاه، لكن إذا علم أنك تعملين قبل الزواج، ولم يبدي معارضة لذلك فإن هذا يعني موافقته الضمنية على عملك.
وأخيراً إن ما قمت بفعله عند اختبارك لخاطبك ليس خطأ فمن حقك أن تتأكدي ما إذا كان هذا الخاطب يرغب فيك أم يرغب في راتبك.