انقلاب على الثورة ...وطغيان....
د. سماح هدايا
مما قاله السياسي والقانوني الإنجليزي في القرن الثامن عشر إدموند برك" إن من لا يعرف تاريخه ...سيعيده من دون أن يدري....لكن لا يمكن تخطيط المستقبل عن طريق الماضي..."...
اي لا يمكن إهمال تاريخنا ؛ فيجب قراءة أخطاء الماضي. لكنْ، في الوقت نفسه، لا جدوى من تفسير الواقع الحالي في ضوء أخطاء الماضي وعثراته. ولمن مازال يقرأ الثورة بعيون تجاربنا القديمة التي فشلت، فإن الأصوب التصحيح ورؤية الأمور الحاضرة بعين الواقع الجديد ومتغيراته الجوهرية التاريخية. والتقليل من التوصيف المكرر للزمن الحي الحالي ومقارنته بمواصفات ما جرى من تجارب. وفنحن في واقع تاريخي ونضالي فاصل وحاد . ولا يمكن في الحاضر الناشط القياس من الماضي الخائب وإلا ستنتشر روح الإخفاق والقصور والعجز والتقليد. الكلام الرتيب وتوصيفه النظري المقارن الذي يعيد رؤية الأمور من زاوية ماكان قد حدث من تجارب سياسية سيعمف الهوة بين التنظير والواقع. بين المشاهدة والفعل... المطلوب الآن. هو حلول وخارطة عمل وتحليل جديد موضوعي منهجي.
فمثلا ...هل فقدان الثورات للنخب الثقافية والقيادات السياسية والأحزاب الفاعلة يعني في ضوء الثورة والثوار التقاعس والفشل وانسداد أفق النجاح والفوز؟ هل يستسلم أصحاب الحقوق وأصحاب الشرعية بغض النظر عن نجاح خطابهم وخارطة عملهم، وبغض النظر عما يقترفونه من اخطاء ومن ضعف خبرة؟
هل ينسحبون ويقبلون بالاستسلام للطاغي والحوار مع الذين يستبدون ويطغون ويبيعون الحقوق ويسرقون الشرعية ويقومون بتزوير الوعي وخداع الناس وتضليل العقول لأنهم اضعف؟ الوتيرة الثورية لن تهدأ. هي الحرب من اجل التحرر. والصراع الأهلي جزء من التحرر. ولا تتبلور الأمور إلا بالتجارب الشديدة والمخاض الحاد.
لا حل في بلادنا إلا باقتلاع جذور المشاكل القاهرة. وجوهرها هو الاستبداد وكل منظومته السياسية والأمنية والثقافية والإعلامية والأحزابيّة وجلّ نظامه العسكري الباطش .وبعدها تجري عملية إعادة تكوين الوضع السياسي والقانوني والتعايش والحوار ..وبادرة الحلول هو الصمود والتشبث بقوة الثورة ومبادئها وشرعية الديمقراطية والقانون. واي شيء خارج المبادىء الحقوقية والقانونية هو ديكتاتورية وغوغائية وطغيان.
حاليا صمود صاحب المبدأ هو أقوى بكثير من صمود المرتزقة والغوغاء والعملاء. نعم قد يكون الأخوان والإسلاميون أخطأوا كثيرا ولم يكونوا بمستوى الاستحقاقات. لكنّ الآخرين ليسوا أفضل منهم لا طرحا عمليا ولا موقفا سياسيا ولا نقاء أخلاقيا ونزاهة مبدأيّة. الانحياز للشرعية هو المبدأ الديمقراطي الواجب احترامه. و يمكن تغيير كل شيء بعد الثورات بالإيمان الديمقراطي واحترام حقوق الآخرين سواء كانوا إسلاميين أو كانوا غير ذلك. أما محاربة الثورة بالاستقواء والانقلاب عليها ثقافيا أو سياسيا او عسكريا إو إعلاميا بحجة أسلمتها او بحجة ضعف الإمكانية الشعبية وقصور الرؤية السياسية العقائديّة أو بحجة جزئيّة مشروعيتها؛ فهو إسقاط للثورة وللحقوق وللشعب...ويعني أننا بحاجة لأن ندخل في معركة مع انفسنا وغيرنا لقبول التغيير والثورة قبل أن نكون من صانعيها أو ممثليها.