العرب أشد كفرا أيضا بالديمقراطية!
رشيد أخريبيش
)عن القدس العربي)
انتفض الشعب المصري ضد الظلم وأسقط
نظاما ديكتاتوريا كان قد أهلك الحرث والنسل وعاث في بلاد
مصر
فسادا، وجاء بانتخابات شفافة شهد العالم على نزاهتها فقلنا إنها النهاية لمعانات
هذا الشعب بعد عقود من الزمن، لكن ماهي إلا أيام حتى عاد وانقلب على الشرعية التي
أفرزتها صناديق الاقتراع الشعبية ليحق لنا القول أن العرب أشد كفرا بالديمقراطية
وصناديق الإقتراع . بعد الانقلاب العسكري الذي دبره الجيش مع بعض المؤسسات الدينية
التي كانت الشريك الأساسي في هذا الانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي لمصر، وبعد
الانقلاب على الشرعية التي جاءت بعرق جبين المصريين الشرفاء وبدمائهم الزكية، نعود
ونقول إن
مصر الآن
مفتوحة على كل الخيارات وأن الأزمة السياسية ستزداد تعقيدا في ظل استمرار تدخل
الجيش في الحياة السياسية المصرية، خاصة بعد أنباء تفيد باحتجاز الرئيس محمد مرسي
وبعض قيادات الإخوان من طرف عناصر الجيش الانقلابي الذي بدا متحمسا للاستيلاء على
السلطة في إطار المؤامرة التي دبر لها عبر أطراف غربية وخليجية التي لم تستسغ أن
تكون هناك قيادة مستقلة تحكم
مصر لذلك
هي الآن اتخذت موقف الحياد مما يقع الآن بمصر بالرغم من أن ذلك كان انقلابا مكتمل
الأركان.
لا نستبعد أن تسقط مصر الآن في أتون حرب أهلية كما سقطت
فيها
الجزائر
عام 1991 بعد أن انقلب الجيش على جبهة الإنقاذ التي جاءت بها الانتخابات مما أدى
إلى نشوب حرب ما تزال تداعياتها قائمة إلى حدود الآن، ولا نستبعد أن يخرج المؤيدون
للرئيس مرسي للتمرد ضد الانقلابيين الذين سرقوا الثورة من أيدي المصريين التي
انتظروها لعقود، فالانقلاب بهذه الطريقة التي لا تمت بصلة إلى الشرعية هو بمثابة صب
الزيت على النار وإشعال للفتنة التي نعتقد أن نتائجها ستكون وبالا على مصر وأبنائها
.
مؤسسة الأزهر التي من الأولى ألا تقحم نفسها في هذه
اللعبة القذرة التي خطط لها الجيش للتخلص من الرئيس الشرعي كانت قد دعمت هذا
الانقلاب واعتبرته الحل الوحيد الذي ينقذ المصريين من الفتنة دون أن تعلم أنها
البداية للفتنة الكبرى التي سيكون فيها الشعب هو الضحية أولا وأخيرا
.
جماعة الإخوان التي ناضلت وتجرعت مرارة السجون وانتظرت
تسعين عاما للوصول إلى الحكم لا نعتقد أنها ستتقبل ذلك الانقلاب بتلك السهولة التي
يصورها الجيش الآن وبعض من طبلوا له من شيوخ السلطة وعلماء الشرطة الذين لم يعد
همهم قول الحق بقدر ما أصبح شغلهم الشاغل هو التقرب إلى السلطة وكسب رضاها، والدليل
هو ما صرح به الرئيس المنتخب الذي تم عزله بأن الشرعية لن تسقط مهما كلفه ذلك وكذلك
ما صرحت به قيادات الإخوان التي أكدت أنها لن تقبل بأن يتم إقصائها بهذه الطريقة
التي تعيد لنا زمن تسلط الجيوش وتحكمها في دواليب الحكم .
إذا كان الجيش الذي قاد هذا الانقلاب العسكري تحت غطاء
مدني يقدم مبررات لهذا العمل الشنيع بأنه استجابة لإرادة الشعب الذي هتف بإسقاط حكم
محمد مرسي، فماذا تعني لهذا الجيش تلك الحشود التي هي الآن في الشوارع ضد هذا
الانقلاب والتي تهتف بعودة الشرعية؟
الجيش الذي قاد هذه المؤامرة بدعم من المؤسسات الدينية
كان حريصا على شيطنة الرئيس محمد مرسي واعتبار وأن كل من يناصره هم بلطجة إرهابيون
ولو كانوا يشكلون أغلبية، فمن حق الأغلبية أن ترفع شعار إسقاط النظام الشرعي، وليس
من حق المؤيدين للرئيس أن يحتجوا ضد هذا الانقلاب، فما كان من الجيش إلا يضيق عليهم
الخناق ويزج بهم في السجون لمجرد رفضوا الانصياع لإرادة العسكر التي لا تؤمن بشيء
اسمه الديمقراطية .
مهما اتخذ الجيش من مبررات لدعم هذا الانقلاب فإنها
ستكون واهية ومفضوحة ولن يقبلها العقل فكيف يخرج الجيش من ثكناته لينحاز إلى طرف
دون الآخر؟ وكيف ينقلب على الشرعية التي جاءت بها صناديق الاقتراع الشعبية بدعوى
الحفاظ على البلد ؟ إن كان الشارع منقسما بعد الثورة عندما احتدم الخلاف بين الجناح
الإسلامي الحاكم وبين الجناح العلماني فإن الشارع الآن سيكون أكثر انقساما بعد هذا
الانقلاب لآن الكل سيحاول الدفاع عما يعتبره الشرعية فالجيش الذي دبر لهذه العملية
الانقلابية سيستعمل كل ما أوتي من قوة للحفاظ على هذا المكتسب الانقلابي من جهة،
والمؤيدون للرئيس وللشرعية بدورهم سيعملون على استعادة ما انتزع منهم بالقوة ليكتمل
مسلسل الفتنة الذي سقطت فيه مصر والذي سيعيد مصر إلى سيرتها الأولى.
بالرغم من أننا لا نتفق مع الرئيس مرسي في العديد من
الخطوات التي أقدم عليها بعد وصوله إلى سدة الحكومة إلا أننا ضد أن يتم استبعاده
بهذه الطريقة الانقلابية التي أجهضت الثورة المصرية بعد أن استأسد الجيش وأصبح
يستعرض عضلاته على الشعب عبر تدخلات لا تستند إلى أي أساس.