(2) لماذا أعادي الانقلاب؟
الانقلاب العسكري في مصر: 3 أسئلة
مجاهد ديرانية
يسألني السائلون: لماذا تهاجم الانقلاب وتدافع عن مرسي والإخوان؟ ولو أنّ دفاعي كان عنه وعنهم لشرّفني هذا الدفاع، فإنه دفاعٌ عن مسلم مظلوم ودفاع عن جماعة صالحة، ولكن الإخوان يخطئون كما يخطئ كل الناس، فإذا أنشأت مقالتي للدفاع عنهم فحسب صرت كأنني أدافع عن أخطائهم، ولو صرفت اهتمامي إلى محمد مرسي بشخصه فإنني سأقع في مشكلة طالما نهيت عنها، وهي تقديم الأشخاص على القيم والمبادئ.
لا، إن الأمر أجَلُّ من أن يُحصَر في شخص أو في حزب أو جماعة؛ إنه دفاع عن الإسلام الذي بدأ الانقلابيون بذبحه منذ لحظات الانقلاب الأولى بلا مواربة ولا خجل، وإنه دفاع عن أسمى وأغلى قيم الحياة، "الحرية" التي خلق الله الناس عليها، و"الكرامة" التي كرّم الله بها الإنسان من حيث هو إنسان: {ولقد كرّمنا بني آدم}. وإن كرامةً منحها الله للإنسان لا يسلبها إنسانٌ من إنسان. لذلك فإنني خصيم لكل ظالم ونصير لكل مظلوم، وأنا في صف الحق والعدل، وأرجو أن أقوم بالقسط ولو على نفسي وأهلي الأقربين. هذه الأولى.
الثانية: إن المسلمين أمة واحدة وجسد واحد، فما يكرُب مسلماً في أقصى الأرض يكرب كل المسلمين في أدناها، وأي عدوان على بعض منها هو عدوان عليها جميعها، وها نحن أولاء في سوريا قد رأينا من انتصار إخواننا في الدين الأعاجيب، ولولا تلك الوقفة النبيلة الشجاعة التي وقفوها معنا لما صمدنا كل هذا الوقت الطويل، فالفضل لهم بعد فضل الله والشكر لهم بعد شكر الله. فإذا وقفنا اليوم مع إخواننا في مصر ونصرناهم وواليناهم فإنما نقوم بحق الأخوّة بلا منّة ولا تفضل، وإنما نحقق معنى الأخوّة في الله والنصرة في دين الله.
الثالثة: أمران لا ينبغي لمسلم حر عاقل أن يسكت عنهما، لا في سوريا ولا في مصر ولا في غيرهما من بلاد المسلمين: استبداد قلّة من الناس بأكثرية الناس، وحكم العسكر. إن الاستبداد رأس كل الشرور والآثام، وإن حكم العسكر أصل كل البلايا والخطايا في ديار الإسلام.
* * *
قرأت لأخ أحبه في الله وأتفق معه على الغاية ولكننا نختلف على المنهج، قرأت له مقالة يطلب فيها من المصريين عدم الانتصار لمرسي وعدمَ التظاهر من أجله والاعتزالَ دونه لأن المعركة ليست بين حق وباطل كما يقول، بل بين باطلَين يلبس أحدهما لبوس الإسلام ولكنه لا يحكم بشرع الله.
لماذا يا أخا الإسلام؟ هل استوى الفريقان عندك حتى تعتزلهما معاً وتترك الانتصار لأخيك المسلم؟ وهَبْ أنه لم يحكم بالإسلام لعجز وضعف (أنت نفسك وصفتَهما في مقالتك) فهل يَخرج بذلك من الإسلام أم يبقى من المسلمين؟ أليست نصرة المسلم واجبة على المسلم في كل حال؟
أمَا لو أن محمداً عليه صلاة الله وسلامه شهد الموقف لانتصر للحق وانتصف للمظلوم ودعا الناس إلى نصرته. أليس هذا ما نفهمه من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الرحمن بن عوف: "لقد شهدتُ مع عُمومَتي حِلفاً في دار عبد الله بن جُدعان ما أحب أنّ لي به حُمْرَ النَّعَم، ولو دُعيت به في الإسلام لأجبت", وهو مرسل بهذا اللفظ وموصول من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر (وله شواهد)، والحلف هو حلف الفضول المعروف.
إن النبي عليه الصلاة والسلام يرى المشاركة في هذا الحلف أحبّ إليه من مال الدنيا، وهو حلف لا يدعو إلى الإسلام ولا إلى حاكمية الإسلام وتحكيم شرع الله، بل يدعو فقط إلى "نصرة المظلوم حتى يؤدَّى إليه حقه" كما فصّلَت كتب السيرة. ولا يقُلْ أحدٌ إن هذا كان في الجاهلية قبل الإسلام، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يترك محلاً للشك فقال: "لو دُعيت به في الإسلام لأجبت".
لقد لبثتُ أزور مصر مرة كل سنة من أربع وعشرين سنة إلى اليوم، فما رأيت الإسلام فيها عزيزاً ولا رأيت المسلمين أعزّة كما رأيته ورأيتهم آخرَ مرة. أليس هذا مما يُرضي الله ويسرّ عبادَه المؤمنين؟ أما كان هذا وحده كافياً لإقناع المسلمين كافة بمعاداة الانقلاب ومناصرة الرئيس الشرعي المنتخَب؟ بلى، ولكن يا أسفي على أمة تنهش نفسَها أكثر مما ينهشها أعداؤها الغرباء!
* * *
لم يعد الأمر بعد الانقلاب كما كان قبله، لم تعد المسألة متعلقة بفرد ولا بحزب أو جماعة، لقد صارت مفاضلة ومفاصلة؛ مفاصلة بين الحق والباطل، ومفاضلة بين الحرية والاستبداد، وهذه المعركة ليس فيها موضع للحياد.
لقد عاد حكم العسكر وعاد تكميم الحريات الذي ثار الشعب المصري قبل عامين للخروج من سجنه الخانق، لقد أطفأ الانقلابيون شمعة الحرية الوليدة وأعادوا مصر إلى ليل الظلم البهيم، وإذا لم يُسقط المصريون هذا الانقلاب سريعاً وبقي وبدأ يتجذّر ويَقوَى فلن يقتلعه أحد، وسوف تغرق مصر في ظلام العبودية والاستبداد ما لا يعلم عدَده من سنين إلا الله لا قدّر الله. فلا مساومةَ ولا مهادنة ولا مداهنة، ولا تنازلَ عن إسقاط الانقلاب وإعادة الرئيس الشرعي المنتخَب مهما يكن الثمن ومهما تبلغ التضحيات.