جعجع: إيران تلعب بالتوازنات ولا تريد رئيساً للبنان الآن
جعجع:
إيران تلعب بالتوازنات
ولا تريد رئيساً للبنان الآن
كتبت رلى موفق في “اللواء”:
سوداوية المشهد الاقليمي لا تنسحب على قراءته للوضع الداخلي، رغم إقراره بأن ايران سبقت اللاعبين الاقليميين من اليمن الى العراق وسوريا وصولا الى لبنان، وأخذت المبادرة في لحظة سياسية عربية حيث مصر منشغلة بوضعها الداخلي والمملكة العربية السعودية منهمكة في ترتيب اوضاعها ولا تنتهج العقلية الثورية والانقلابية والعسكرة ولا منطق التخريب، وواقع أوروبي يعاني الصعوبات وغياب القيادات، ورئيس اميركي يجلب بعقيدته السياسية الخارجية الويلات على المنطقة ويؤسس لمزيد من الأزمات.
ففي معراب التي اعتاد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان يجمع مجموعة من الصحافيين وأصحاب الرأي في جلسة نقاش، احتلت التطورات الاقليمية حيزا واسعاً من النقاش، مؤداها ان ايران تلعب بالتوازنات الاستراتيجية، ولا من رادع لها. فالماكينة العسكرية – المخابراتية الايرانية لا توازيها اليوم الماكينة الخليجية ولا سيما السعودية، ومصر تنتظر الخروج من كبواتها وهاجسها ليبيا والسودان وحماس. التوازن كان ممكنا تحقيقه سياسيا بموقف اميركي مختلف.
في اللوحة الاقليمية، قلة قليلة «فاجرة» من الحوثيين تحتل صنعاء وتعبث باليمن المرشحة لتصبح صومال آخر. ودول الخليج تسعى راهناً الى استعادة المبادرة بدعم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من عدن. برأيه لو كان في البيت الابيض رئيس اميركي غير باراك اوباما لكان تدخل فورا في اليمن رداً على انقلاب الحوثيين، ولكان ضغط على ايران لوقف تمددها.
حال العراق لا ينذر بالخير بل إن الواقع اليوم أسوأ مما كان عليه من قبل. فإيران استجمعت قوتها من جديد، عبر الميليشات الشيعية المتأطرة في «الحشد الشعبي» وبتلاوين سنية لا تمثل السنة الذين ثاروا على الوضع الذي كان قائماً ايام نوري المالكي. وهي تخوض معارك ضد المناطق السنية وعنوانها اليوم معركة تكريت مما سيؤدي الى تقوية «داعش» بدل اضعافها، ذلك ان محاربة «داعش» كان يجب ان توكل الى القوى السنية المعتدلة وإلى العشائر والذي كان مطلوباً إنجاز تشكيل «الحرس الوطني» العالق بين اللجان النيابية. فالسياسة منطق، وأداء التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن سيفضي في احسن الحالات الى تجميد المشاركة العربية اذا لم يتم استدراك الوضع.
في سوريا، لا شيء في الأفق. ولا يعدو الموقف الأميركي من تدريب خمسة آلاف مقاتل من المعارضة السورية سوى «مزحة» في مقابل وجود 300 ألف من المسلحين بين الميليشات الداعمة للنظام وبين «داعش». ما يحاول الرئيس الأميركي فعله هو تقطيع الوقت الى حين انتهاء ولايته ورمي تلك الكرة الملتهبة في وجه الرئيس المقبل. على انه يرى ان محاولات ايران للسيطرة على دمشق ليست سوى جهد ضائع، اذ ستؤول تلك المحاولات الى تدخل تركي في المقابل.
بالنسبة الى جعجع، فإن الأسوأ ما سيحمله الحوار الأميركي – الايراني حول الملف النووي الايراني. ثمة احتمالان: إما الا يصل الحوار الى اتفاق وإما ان يصل الى اتفاق شكلي تكون فيه النقاط الرئيسة معلقة بحيث لا نتائج ايجابية متوخاة منه على المنطقة، اذ انه لن يؤثر في العمق على مشروعها النووي لا بل سيريحها وسيعطيها حركة اضافية للاستمرار بـ «الطحشة» في المنطقة. فهم أوباما من الاتفاق النووي الايراني ليس سوى الحلم بالحصول على جائزة بوبل.
الأجواء التي تصله من واشنطن من ممثل «القوات» هناك، والذي شارك في اللقاء الدكتور جوزيف جبيلي، ان سياسة اوباما تنطلق من قناعته بوجوب ان تكون ايران اللاعب القوي في المنطقة ذات الدور الكبير. هي نظرية من ضمن نظريات عدة تروج في اروقة مراكز الدراسات والباحثين، ومنها ان اميركا بعد احداث التاسع من أيلول 2001 تعتبر ان السنّة هم الخطر عليها ولا بد من اضعافهم، وان ايران هي القوة الناهضة. نظريات تتسم برأي «سيد معراب» بنظرة قصيرة المدى وغير صحيحة وسيدفع الاميركيون ثمناً لهكذا سياسات. والنظرية القائلة بأن التطرف السني هو الخطر يتطلب من وجهة نظره التحالف والعمل مع السنة المعتدلين لضرب السنة المتطرفين.
تلك اللوحة السوداوية التي تشي بأن المنطقة دخلت في صراع طويل تفضي من حيث المنطق الى الاستنتاج بأن انعكاساتها لا بد من ان تكون سلبية على لبنان وسط مخاوف من تمدد التنظيمات المتطرفة المرابطة خلف الحدود الشرقية مع سوريا. لكن اللافت ان ثمة ارتياحاً واضحاً لدى جعجع حيال الوضع في لبنان. يقول واثقاً ألا خطر عسكرياً على لبنان. فالجيش اللبناني مرتاح على وضعه، وهو متمركز بشكل فعلي لا صوري في الجرود، وشحنات السلاح تصله بشكل مستمر. واليوم يتم العمل على توفير غطاء جوي للجيش. وسيتم استئجار ما بين 6 إلى 12 طائرة من الخليج، ولا سيما من الإمارات بحيث يحضر الأميركيون لتزويدها بصواريخ لضمان أي معركة قد تقع بالجرود.
ما يطمح اليه رئيس «القوات» ان تعمل الحكومة اللبنانية على التوصل لاتفاق مع التحالف الدولي للاستعانة به بغطاء جوي في حال حصول اي محاولة لاختراق الحدود اللبنانية. فمثل هكذا اتفاق يسهم في إشاعة اجواء من الارتياح لدى القرى الحدودية. لا يرى ان الحكومة تعمل في هذا الاتجاه، وأغلب الظن لديه ان ذلك نتيجة «فيتو ما» من «حزب الله»، غير انه في المقابل يكشف ان ثمة قصورا في الرؤية الاميركية ايضا، والتي تعتبر ان مهمة التحالف الدولي تقتصر على محاربة داعش في العراق. ويكشف ان ثمة جهات ومن ضمنها «القوات» تناقش بقوة الأميركيين حيال هذه المسألة. الارتياح هذا لا يعني بالضرورة عدم إمكان حصول خروقات امنية الا انها برأيه تبقى مضبوطة ولاسيما ان القوى الامنية اثبتت قدرة على الامساك بالأمن وملاحقة المرتكبين وكشف الشبكات عندما تريد. مفارقة لافته كيف ان كل جرائم الاغتيال التي استهدفت قيادات الرابع عشر من آذار لم يكشف أياً منها، فيما يتم رصد الاسلاميين قبل ان يتحركوا وهم يتحركون ويتم اعتقالهم بعد قيامهم بأي عمل!
من الأمن الى السياسة. الانطباع الذي يخرج به المشاركون في جلسة النقاش ان سياسة الاحتواء لـ «حزب الله» مسأله مطلوبة وضرورية، ولكن من دون الخروج عن الثوابت الوطنية لقوى الرابع عشر من آذار. كلام يلامس به الحوار الدائر بين «تيار المستقبل» وبين «حزب الله». ولكن ماذا عن حوار «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». هذا الحوار الذي كان بالأمس البعيد والقريب مستحيلاً، وبات اليوم واقعاً يسهم في انهاء حال العداء الذي كان مستحكماً بالشارع المسيحي. يتحفظ «الحكيم» عن الافصاح عما يدور في ثنايا المفاوضات الدائرة. كل ما يؤكد عليه أن «القوات» ماضية في الحوار ومتمسكة به حتى النهاية. وهو قطع شوطاً ويتركز اليوم على مجموعة المبادئ السياسية التي لا بد من التوصل الى اتفاق حيالها. مبادئ من شأنها ان تشكل المنطلقات التي على اساسها سيتم انتخاب رئيس الجمهورية العتيد تحت شعار «الرئيس القوي».
غير ان الاقتناع السائد لدى جعجع ان ايران لا تريد اليوم انتخابات رئاسية اكثر من أي وقت مضى. فالموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو الذي زار طهران في تشرين الاول الماضي سمع كلاما مشجعاً حول إمكان دعم رئيس توافقي، وتمّ حضه على العمل للوصول الى حل مقبول والى شخصية تحمل قواسم مشتركة. بين الزيارة الأولى والزيارة الثانية في كانون الاول، تبدل المشهد إيرانياً، اذ جرى ابلاغ جيرو ان «حزب الله» أعطى التزاماُ كلياً للجنرال ميشال عون، ولا يمكنه ان يخرج من هذا الالتزام. تبدلٌ يعني، من وجهة النظر الايرانية، إما عون الذي يعني انتخابه تسجيل ايران مكسباً سياسياً لها وإما لا انتخابات.