إسقاط رئيس منتخب..!!
إسقاط رئيس منتخب..!!
طه خليفة
تتنافس قوى المعارضة في تأليف الشعارات حول إسقاط الرئيس مرسي، ووضع نهاية لحكم الإخوان في مظاهرات 30 يوينه، وتؤكد أنه سيكون اليوم الأخير للرئيس في القصر، وللإخوان في السلطة. وهذا نوع من الخبل السياسي الخارج عن المنطق والديمقراطية، إذ كيف تقطع المعارضة بنهاية حكم رئيس منتخب بحرية ونزاهة خارج الآلية الطبيعية لذلك وهو صندوق الانتخابات الذي ارتضاه الجميع نهجًا للحكم؟، فلا طريق آخر غير هذا الطريق لتداول السلطة، اللهم إلا إذا كانت تلك المعارضة خططت للقيام بعمليات فوضى وتخريب واسعة في البلاد، واستخدام كل أشكال العنف ضد الرئيس الشرعي، ومنها الاغتيال مثلًا. قضية إسقاط الرئيس في هذا اليوم، أو حتى بعده، ليست بهذه البساطة والسذاجة، لأن مثل هذا التفكير فوضوي، غير ديمقراطي، ويكشف عن خواء سياسي، وفقدان للمسئولية الوطنية لدى كل من يتضامن مع هذا الهدف. يمكن مثلًا تفهم أن توضع مظاهرات 30 يوينه في إطار الاحتجاج السلمي، والضغط السياسي على النظام لإجباره على الاستجابة لبعض المطالب المقبولة للمعارضة، رغم أن المطالب تتزايد، وتدخل في مناطق وعرة، وكأن المعارضة تريد فرض أجندتها كاملة على الحكم ولا تبقي له شيئًا خاصًا به. لماذا إذن فاز الرئيس؟ هل ليحكم برؤية المعارضة، أم برؤيته وبرنامجه هو؟ ومنذ متى كان الخاسر يفرض شروطه على الفائز، وإذا استجاب لكل مطالبها هل ستتحاور معه للوصول للتوافق الوطني وإنهاء أزمة البلاد، أم ستختلق مزيدًا من المطالب المعقدة لمواصلة الهروب للأمام لأنها من الأصل لا تستسيغ أن يكون رئيسًا لمصر من تيار سياسي ظل مضطهدًا طوال تاريخه ثم فجأة يستحوذ من خلال الانتخابات على أكثرية المؤسسة التشريعية، بينما تفشل القوى القديمة والجديدة في نيل ما كانت تطمح له من مكاسب؟ لكن ماذا نقول في الديمقراطية وأحكامها؟ فهكذا هي، تعطي من ينظم صفوفه، ويحشد أنصاره، ويرهق نفسه وسط الناس، فالسلطة لا تأتي للخاملين، ولا تأتي إليك لأنك كنت أحد عوامل تغيير النظام السابق، لأن الملايين التي شاركت في الثورة سيكون من حقها المطالبة بنصيب في السلطة أيضًا، ومن هنا تكون عبقرية الاحتكام للشعب الذي يفصل بين المتنافسين، ويوجه إرادته لمن يراه الأجدر بنيل ثقته وقيادته. ثم تكون فترة الامتحان، هل من حصل على الثقة كان جديرًا بها وعمل لها وضاعفها، أم أنه أخفق وخذلها؟ وهنا يكون التغيير في أقرب انتخابات، ولذلك تتبدل المواقع بين السلطة والمعارضة، وهذا ما يحصل في الغرب الديمقراطي، وفي التجارب الناجحة في الشرق، وهذا ما استقر عليه النظام السياسي الأمثل للبشرية وللحكم الرشيد حتى اليوم، إنه سنة التدافع الكونية لصلاح البشرية. الرئيس رمز الدولة، ورأس الهرم في الحكم، لم يدخل القصر على ظهر دبابة، ولا بالتزوير، إنما بالإرادة الشعبية الحرة عبر أول انتخابات تنافسية حقيقية، وهو بالكاد أكمل عامًا واحدًا واجه فيه أهوالًا من المعارضة التي تتعمد عدم تمكينه من العمل بهدوء ولو ليوم واحد، وخلفها إعلام منحاز وموجه بصفاقة. وإذا كان أداء الرئيس ضعيف، وإذا لم يحقق النجاح المرجو رغم قصر الفترة، فهناك استحقاق رئاسي قريب يمكن للمشتاقين أن يفوزوا فيه ويسقطوا مرسي، أو أي مرشح إخواني آخر. وهناك استحقاق أقرب وهو البرلمان، ومن سيفز به سيكون في يديه سلطات أهم من سلطات الرئيس، وهذا أجدى للمعارضة، لكنها مصابة بالعداء المرضي للرئيس ولجماعته. هل الرئيس عصفور نحيل على شجرة سيسقطونه بطوبة متآمرة، أو بطلقة خرطوش مارقة، أم هو خيال ظل سيقع على الأرض بهتافات مريضة؟ وإذا حصلت سابقة مثل هذه مع رئيس منتخب يتعرض لأبشع حملة بذاءات منذ ما قبل انتخابه ولليوم فمن سيكمل عامًا واحدًا بعده في القصر؟ وكيف سنؤسس لديمقراطية حقيقية؟! أم تريدون حصول انتكاسة مبكرة لحلم الثورة بتدخل الجيش واستحواذه على السلطة دون خروج منها هذه المرة؟ مبارك لم يستيقظ يوم الجمعة 11 فبراير ليترك الحكم ويغادر إلى شرم الشيخ، إنما سبقت تلك اللحظة مفاوضات لعدة أيام لإقناعه بالرحيل من جانب عمر سليمان باقتراح من أحمد شفيق وبموافقة ضمنية من المشير طنطاوي، فالبلد لم يكن يجب أن يترك هكذا دون قيادة وإلا كان الانهيار. ومع أن المقارنة لا تجوز إلا أنه لا يعقل أن يقوم مرسي يوم 30 يوينه بترك قصر الاتحادية والعودة إلى بيته في التجمع الخامس، أو قريته بالشرقية مثلًا ليكون البلد في قبضة الفوضى ومعرضًا للانهيار الشامل خصوصًا مع نوعيات من قوى المعارضة التدميرية التي لا تخفي أنها تريد هدم كيان الدولة لتقوم ببنائها حسب أيديولوجيتها. النظام ليس الرئاسة والرئيس فقط، بل هو المؤسسة الأمنية من جيش وشرطة، والحكومة والمؤسسات والأجهزة، ولا يجب أن ينفرط العقد فجأة في زمن الاحتكام للديمقراطية تحت ضغط مظاهرات أيًا كان حجمها، ولا يجب أن يتم ذلك من الأصل لأن النظام القائم منتخب - حتى لو كان الاختلاف معه جذريًا - وليس مفروضًا بسلطة القوة، وسقوطه بهذه الطريقة يفتح أبواب الجحيم على مصر، حيث لن تبنى مؤسسة ديمقراطية واحدة، ولن تبقى مصر في أمان، بل ستدخل إلى المجهول الحقيقي.