السيد مقتدى الصدر والحيرة في امره
السيد مقتدى الصدر والحيرة في امره
علي الإبراهيمي
الحركة المقتدائية كتبت فيها سابقا دراسة مختصرة ، تحت عنوان ( الحركة المقتدائية بين الاهداف والواقع ) ، شرحت فيها واقع هذه الحركة وكيفية سقوط قيم الشعارات التي تبنتها الحركة كاسباب لوجودها على التوالي . وحينها وجهت خطابي لقواعد الحركة لا الى قياداتها ، لسببين :
1 - ان قواعد الحركة ليست صاحبة نوايا سيئة ، وانما شريحة واسعة ممن وقعت عليهم غالبا ظلامات بسبب الانظمة القمعية او النفعية التي مرت على السلطة في العراق ، ويعيش اغلبهم ضمن الطبقة الفقيرة ، لكن هذه القاعدة تعيش نقصا معرفيا كبيرا ، تم مزجه بالحماسة الدينية الطائفية والوعود الشبيهة بالمبادئ الاشتراكية ، فاصبحت قنبلة تفتقد الى صمام امان يسيطر على اشتعالها . لكن هذا لا يمنع ان جزءا كبيرا من هذه القاعدة جاء من اوساط موالية لنظام البعث حنقا على الوضع الجديد في العراق ، مستغلا فوضى تشكيل وقيادة وتوجيه هذه الحركة .
2 - ان قيادات ونخب الحركة في الغالب نفعية وصولية ، تتعايش مع كل التشكلات المتناقضة التي تتسبب بها المواقف المتضاربة لقلب الحركة - السيد مقتدى - ولا تجرؤ على انتقادها او تقويمها . كما ان الكثير من هذه النخب فوضوي التفكير لا يمتلك برنامجا او مشروعا . وبعضها مجهول الاصل والهدف ، متهم في تاريخه . تتصارع فيما بينها للحصول على منطقة نفوذ مقتدائية اكبر . كما ان الغالب فيها عند اعلى الهرم القيادي والنخبوي او في عموم القيادات الوسطى السطحية الفكرية والسذاجة .
لهذين السببين وغيرهما حاولت سابقا – وهذا ما اعيده اليوم - ان اوجه خطابي لقواعد الحركة تحذيرا لها من مستقبل متوقع لهكذا منظومة مشوهة في تشكيلها ومتبنياتها . فهي حركة الى اليوم لا تستطيع تعريف نفسها ما هي ، هل هي حوزة دينية ام حزب سياسي ام ميليشيا عسكرية ام تيار شعبي قريب الى الاشتراكية ام منظمة مجتمع مدني ام اخرى ؟ ، الاجابة ممتنعة في كل ذلك ، لافتقار كل توصيف الى الاسس الصحيحة والشرعية لتمامه . يضاف الى ذلك ان الحركة تعيش على وهم وسرقة ، فهي تعيش وهم انها صدرية الانتماء ، فيما ان 90 % من قواعدها الحالية لم تكن تنتمي للمدرسة الصدرية حين نهوضها في التسعينات ، لذلك فهي تعيش على سرقة اسم المرجعية الصدرية ، التي لا تورث بالنسب بل بالسبب كما هو المنطق العقلي والشرعي .
اليوم اثارني من جديد للكتابة حول هذه الحركة ما كتبه زعيمها ومحور وجودها السيد مقتدى الصدر في رسالته الى جماهيره وقواعده في مدينة الديوانية ، حيث جاء في رسالته ما لو اطلع عليه سياسيو العالم او غيرهم من قادة الفكر والدين لولوا منه فرارا . يقول السيد مقتدى مخاطبا انصاره :
" السياسة واد عميق من دخلها هلك ومن تخلف عنها نجا " .
وهذا - لعمري - هو القاع في مستوى الانحطاط بالفكر السياسي للامة ، من جهتين : اولاهما ان هذا اقرار من قائد هذه الحركة انه وسياسييه هالكون حين دخلوا وادي السياسة ، وثانيهما ان هذه دعوة للجماهير بالانعزال وعدم التدخل في الامور السياسية على طريقة البهائية . الا اذا كان زعيم الحركة يقصد انه وحده من له حق العزف على اوتار السياسة دون جماهيره ، التي عليها ان تدخل مرحلة ( التجميد ) العقلي ، الذي يشكل المرحلة الاولى للعبودية .
ان المواقف التي يتبناها زعيم الحركة المقتدائية من الواضح جدا اعتمادها المسبق على سذاجة انصاره وقواعد الحركة وعدم جرأة نخبها على الاعتراض ، حيث سيكون حالها حال من اعترض في مدينة الناصرية من اعضاء مجلس المحافظة ، اذ تم شن حملة كبيرة ضدهما وتهديدهما ، تحت تهم خيانة البيت الصدري والمذهب .
لذلك كان من الطبيعي ان جماهير الحركة لن تلتفت الى حقيقة مواقف السيد مقتدى وسياسييه من الحكومة ورئيس وزرائها المالكي ، حيث ان الحركة هي من جائت بالمالكي الى السلطة مرتين وقاتلته مرتين ، رغم اعتراض باقي مكونات الائتلاف على موقف الحركة المقتدائية في الحالين . لكن الغريب ان الحركة بقادتها لازالت تستخدم العداء للمالكي كشعار داخلي ، يدغدغ عواطف انصارها ، في بحر الفساد الذي يغص به البلد ، فتحاول الحركة رمي اسباب ذلك في ساحة المالكي وحده ، رغم انها من جائت به للسلطة بصورة فردية خالفت فيها موقف باقي مكونات الائتلاف ، ولم يدعمها في موقفها هذا حينها الا منظمة بدر ، فيما تحاول الحركة المقتدائية التمويه على حقيقة تصديها لاربعة من اهم الوزارات الخدمية في العراق ، متمثلة بوزارات البلديات والتخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية والاسكان ، حيث عند عملي لاستبيان بسيط داخل قواعد الحركة وجدت الغالبية العظمى منهم يجهلون قيادة الحركة لهذه الوزارات ، وان الكثير منهم يعتقدون ان الحركة لم تستلم اي وزارة !!! .
لكن الحركة المقتدائية - لعلمها بالتأثر الصوري لقواعدها - ركزت على الضخ الاعلامي الكبير في تصوير ممثليها التنفيذيين على انهم افضل الموجودين ، فخلقت اسطورتها الخدمية ( علي دواي ) محافظ ميسان ، ونحن بالتأكيد نحترم الرجل بقدر احترامه لابناء محافظته وسعيه لخدمة مدينته . الا اننا نرفض طمس الحقائق التي ساعدت علي دواي في النهوض بمشاريع محافظته ، التي كثرت المنشورات حولها ، رغم اننا لم نرها بصورة مباشرة ولم نعرف مدى واقعيتها ومطابقتها للمأمول ، لكن نحن كعراقيين صرنا وسط هذه الفوضى الادارية نبحث عن اي كاريزما خدمية ، نجعل مدحها عقوبة للاخرين الذين نعايشهم بصورة مباشرة .
ورغم ان الحركة المقتدائية وصلت في توصيف علي دواي الى مرحلة خلق الالقاب الوهمية التي لا وجود لها على ارض الواقع ، كالادعاء باختياره كافضل محافظ في الشرق الاوسط ، او كاحسن شخصية خدمية ، رغم عدم وجود هكذا مشروع او مسابقة في الشرق الاوسط ، الا ان الحركة تدرك الا احد سوف يكلف نفسه عناء التحقق من الامر وخلفياته ، سيما قواعد الحركة التي لا تفك الخط ، لكنها تملك صوتا انتخابيا .
وبالمناسبة ، لو ان محافظ ميسان علي دواي قد قصر في خدمة محافظته لم يكن بالامكان اعطائه العذر كباقي المحافظين في العراق ، للاسباب الاتية ، والتي وفرت له بيئة العمل التي لم تتوفر لغيره :
1 - توليه قيادة المحافظة خلفا لعدة محافظين من كتلته السياسية ذاتها ، مما يوفر امكانية عالية في بقاء المشاريع وخطط التنمية تحت السيطرة ، دون وجود عوائق سياسية او وجهات نظر جديدة تغير من واقع سير المشاريع والخطط .
2 - ان علي دواي ينتمي الى كتلة تمتلك اهم المناصب الخدمية في الحكومة المركزية ، وهي وزارات البلديات والتخطيط والعمل والاسكان ، مما يوفر افضل واوسع غطاء مركزي لعمل الحكومة المحلية في ميسان ، وهو ما لا يمتلكه باقي مسؤولي الحكومات المحلية في العراق .
3 - ان الحركة المقتدائية يمكن عدها احدى اكثر الكتل عرقلة لعمل المحافظين في مدن العراق ، بسبب افتقادها للعقلية التحاورية واعتمادها العنف وتعمد افشال الخصومة اعلاميا او على الارض ، وهذا ما لم يعاني منه محافظ ميسان ، والذي حظي بدعم الحركة بشكل مطلق ، خصوصا بعد ان سمحت له بازاحة بعض عناصرها غير المرغوب فيهم هناك ، فيما كانت باقي الكتل السياسية في ميسان تحاول التعاون مع المحافظ باكبر صورة ممكنة .
على كل حال ، فالرجل اذا كانت خدمته لمدينته واقعية فجهده مشكور ، لكن على الا يكون ذلك على حساب تسقيط صورة الاخرين وسلب حقهم ، فمحافظة مثل النجف الاشرف ربما تكون مشاريعها تفوق مشاريع ميسان لو تم عمل مقارنة بين المحافظتين ، كما ان هناك مدن اخرى فاقت ميسان في العمل بسنين عديدة لكنها عانت لاحقا عرقلة العمل فيها بسبب الاعمال المسلحة ضد القوى الامنية التي قامت بها الحركة المقتدائية ، مما تسبب بفوضى وتأخير ، كما كان الحال في ذي قار والبصرة . والاكثر اهمية هو الا يتم تحسين صور السياسيين عبر اعلام كاذب بخلق توصيفات غير موجودة اصلا في المنطقة والعالم ، وكذلك البدلة الزرقاء لا تعني شيئا للمحافظين ، لاننا لسنا بحاجة لعمال نظافة - مع احترامي الشديد لهم ولعملهم - بل نحن بحاجة الى اداريين ناجحين ، لا تظل الملفات ومعاملات المواطنين مكدسة على مكاتبهم ، فيما هم مشغولون ببدلاتهم الزرقاء امام الكاميرات ، فليس من المعقول ان المحافظين سيبقون مع العمال حتى نهاية الدوام الرسمي ، والا كانت كارثة على العمل الاداري ، نعم لا بأس بالتواصل مع المشاريع والعاملين والتواضع لهم ، لكن من المعيب استغلالهم صوريا .
وها نحن نرى الاستنساخ السمج لصورة علي دواي في بغداد ، التي استلمت الحركة قيادتها مؤخرا ، حيث تم نشر مجموعة كبيرة من الصور لمحافظها علي التميمي وهو ينظف الشوارع ، قبل استلام منصبه اصلا ، فيما عند اول يومين من استلامه تم نشر سيل من الصور تبين كم كبير من المشاريع التي وضع الحجر الاساس لها ، وكذلك القول بانه يتجول في الاعظمية دون حمايات او مصفحات او غيرها ، ونلاحظ ان روح الصور الميسانية واضحة جدا في اعلام علي التميمي في بغداد ، خصوصا بعد منحه لقب خادم بغداد غير الطائفي ، في اساءة واضحة لكل المحافظين قبله ، تحت اتهامهم الضمني .
والملفت ان هؤلاء العمال الذين تحاول الحركة الاستعانة ببدلتهم الزرقاء لازالوا يعملون كاجراء يوميين , باجر شهري لا يتجاوز 120000 دينار شهريا , ولا يسمح لهم حتى بايام استراحة , فيما تملك الحركة المقتدائية اليوم فرصة تحسين اوضاعهم , لسيطرتها على مفاصل اهم الوزارات التي ترتبط بشريحة واسعة من العمال , كالبلديات والعمل والتخطيط والاسكان , لكنها كما يبدو فضلت التعامل مع بدلتهم الزرقاء لا وجوههم السمراء .
عودا على موضوعنا ، انني توقعت واتوقع اكثر من ذلك ان يصدر من هذه الحركة ، لكن ان تتجاوز الحركة الخطوط الحمراء بهذه الصورة فهذا ما لم اكن اتوقعه بهذه الجرأة ، ظنا مني ان قادة الحركة لن يجازفوا بتجريح مشاعر قواعدهم الدينية ، لكن يبدو ان قادة الحركة يعلمون الجهل المفرط الذي تعيشه قواعدهم ، وهو ما صرح به السيد مقتدى مرارا ، حيث وصفهم عدة مرات بكلمة ( جهلة ) .
ان التناقضات في مواقف الحركة المقتدائية على طول مسيرتها كبيرة وكثيرة ، وقد بينت بعضها في دراستي السابقة تحت العنوان في اعلى المقال ، لكن نرى ان الحركة اليوم انتقلت الى مستوى عالي من التناقض الايدلوجي ، عبر مهاجمتها للمرجعية الدينية والمراقد المقدسة وتحالفها مع جهات متهمة بالارهاب واراقة الدم العراقي وعلاقاتها مع دول داعمة للارهاب ومعاقبتها لاي صوت معترض من نخبها .
فبعد زيارات زعيم الحركة المقتدائية لدول الخليج وخصوصا قطر بدأت تحالفات مفاجأة للحركة مع جهات داعمة للارهاب في العراق ، في تضييع لحق ودماء الاف العراقيين ، وشق للصف الشيعي ، تحت شعارات فارغة كانت الحركة هي السبب الاول قتلها سابقة ، عبر صدامها المسلح مع الكثير من الجهات التي تتحالف معها اليوم على حساب دماء الضحايا . والتي ربما ستعود لتتقاتل معها مستقبلا لاسباب شعاراتية ايضا ، كما حدث في تحالفها السابق مع حارث الضاري ، ثم تقاتلهما .
وفي حين كان السبب المعلن لتشكيل ميليشيات الحركة المسلحة هو حماية المرجعية الدينية والمراقد المقدسة ، صار قادة الحركة اكثر وضوحا في اعلان عدائهم للمرجعية الدينية ، من خلال انفلاتهم الكلي عن توجيهاتها واوامرها ، وعملهم خارج اطار شرعيتها ، الامر الذي تسبب بانقسام الحركة عدة مرات ، وكذلك من خلال الهجوم المباشر للنائبة عن الحركة المقتدائية مها الدوري ، والتي هاجمت المرجعية الدينية عدة مرات ، وحين كان المتوقع من الشيعة ان يقوم زعماء الحركة بردعها - خصوصا انها غريبة عن الجسد الشيعي وذات اصل معادي للشيعة سياسيا ومتهم بسفك دمائهم فضلا عن عدم صدريتها - تفاجأ الجميع بان زعيم الحركة السيد مقتدى هو ذاته من وجه انتقادا لاذعا للمرجعية الدينية ، تحت التأثير السياسي ، وبعد تعرض الحركة لانتقاد شديد على خيانتها لمواثيق الشرف التي قطعتها لحلفائها في التحالف الوطني في ديالى ، واعطائها المحافظة لجهات طائفية معادية متهمة بالارهاب وبانها اسوأ ادارة تنفيذية في العراق ، حيث انشقت الحركة بصورة مفاجأة ودون سابق انذار ، معززة لسوء صنيعها في بغداد بتسليم مجلس المحافظة للعضاض من ( متحدون ) ، المتهم بالارهاب وتم اعتقاله سابقا ، والذي حظي بمباركة خاصة من المحكوم بالاعدام الارهابي طارق الهاشمي ، تحت شعار طائفي بان بغداد عادت لاهلها ! .
حيث جاء في كلام السيد مقتدى ردا على قول البعض ان المرجعية ترفض تسليم ديالى لجهات طائفية متهمة بالارهاب :
المرجعية سلام عليها حين ترفض وحين توافق ... اذا رفضت الزرفي في النجف رفعت يدها حين تسلم مع القانون وباقي الاخوة ... "
واضاف الصدر ان "المرجعية اذا رفضت ان نتوافق نحن واخوتنا في المجلس مع الكتل بديالى ستوافق تسليمها الى الاخوة السنة اذا تسلم القانون بغداد وباع ديالى للسنة ..عجبا عجبا" . واكد الصدر ان "شيعة ديالى كسنة ديالى سيعيشون في سلام وامان تحت ظل مرجعية ابوية لاتفرق بين ابناءها مهما كانت عقائدهم" رافضا "اعطاء المحافظة للمتشددين وذوي الافكار المنحرفة".
فيما راح يحلم احلام اليقظة عندما اعرب الصدر عن امله ان "يتسلم الشيعي محافظة سنية ليخدمها وكذا العكس" , متناسيا ان الشيعي لا يتمنى من اخوانه ( السنة ) سوى ان يمر عبر مدنهم بامان كعابر سبيل , وان الاخوة الذين يريد اعطائهم فرصة لازالوا لعشرة سنين يطالبون بخروج الاحتلال ( الصفوي ) من العراق , والذي لا نعلم متى دخل , وان حملاتهم الانتخابية كانت مبنية على مستوى العداء للشيعة .
وانا هنا لا استعدي مذهبا , لكن واقع الكثير من سياسيي اخوتنا السنة كان دمويا بامتياز , فيما كانت منصات تظاهراتهم مشبعة بالعنصرية والحنين لنظام البعث الصدامي الدموي , الامر الذي احرج السيد مقتدى ذاته حين حاول ان يشاركهم عدائهم للحكومة التي جاء بها سابقا , فقرر في اخر اللحظات الانكفاء . وهو موقف يضاف لسلسلة مواقفه المتناقضة غير المدروسة .
المهم ان الرجل هنا يبدو واضحا انه يهاجم المرجعية الدينية بقسوة , فيما يتهمها بالطائفية !!! , بينما يحالف ابطال منصات الطائفية العنصرية من السياسيين , وربما لانه كان رائد الطائفية الاول سابقا على الارض .
مثل هذه المواقف والتصريحات سمحت لمها الدوري بالإساءة لأكبر مقدسات الشيعة المتمثلة بالمراقد المقدسة لائمة اهل البيت عليهم السلام ، والادعاء بوجود نجمة داوود على مقتنياتها ، في اتهام ضمني بوجود ترابط شيعي - يهودي .
ان الحركة المقتدائية حركة صبيانية جدا من الناحية السياسية ، قائمة على تسويق الشعارات ، وهمية الممارسات ، فقد لاحظنا بصورة مباشرة كيف ان الحركة عمدت تحت شعار الانفتاح والديمقراطية الداخلية الى تنظيم الانتخابات التمهيدية الداخلية لاختيار مرشحيها ، الا انها فاجأتنا بعزل الفائزين واختيار مرشحيها بصورة مركزية ، مما ولد انشقاقات جديدة في صفوفها .
كما ان الحركة باتت تشكل خطرا كبيرا لا يتعلق بها وحدها ، فمواقفها المتناقضة وتحالفاتها المتقلبة ، واستخدامها للعنف والتسقيط في كل ذلك صار يهدد مجمل العملية السياسية الديمقراطية في العراق ، فضلا عن حقوق الضحايا ، او حقوق البسطاء الذين ينخدعون بشعاراتها الحماسية الصبيانية ، وهي مع ذلك توجه خطابين ، احدهما طائفي حماسي داخليا ، والاخر وحدوي ناعم خارجيا ، ليس مع حلفائها من التحالف الوطني ، بل مع جهات كانت ولا زالت متهمة بالارهاب ! .
جميعنا نعلم ان اهم اسباب انتكاسة الحركة المقتدائية اداريا هو عدم امتلاكها للكفاءات ، وافتقادها للآلية المناسبة التي تفرز قيادييها ، ولا زالت تعتمد آلية الاعلى صوتا في الوصول للمناصب ، وهذا ينعكس بصورة سيئة جدا على عموم البلد في حال تم تسليم الحركة مناصب حكومية .
بعض المراقبين للحركة اوجدوا تبريرات لمواقفها المتناقضة الاخيرة ، فبعضهم قال ان السيد مقتدى يريد تصوير نفسه بتشيفارا العراق ، واخرون رأوا ان الحركة يتم خداعها من اطراف ارهابية كانت تنتمي لاجهزة مخابرات النظام السابق تجيد التلاعب بمثل هذه الحركات غير المنضبطة سياسيا ، فيما ذهب اخرون الى ابعد من ذلك ، حيث رأوا ان المسألة عقائدية ، وان السيد مقتدى يعتقد بظهور السفياني ، وانه يراه بالصورة الكلاسيكية التي تصور السفياني على انه من النواصب ، فيخشى ان يقع في مواجهة معه ، لذلك لجأ الى التحالف مع جهات يعتقد بانتمائها الى ذات الفكر السفياني ، وقد عزز ذلك لديه احداث سوريا وضرورة ان يسيطر السفياني على العراق حسب الروايات .
ان الحركة المقتدائية حركة لا يمكن ان تعيش تحت المظلة الديمقراطية ، لسببين مهمين ، انها تفتقد الى هوية تعرف بها نفسها ، حيث عملها تحت قيادة رجل من العوام هو السيد مقتدى ، مع اعطائه لكل صلاحيات وامتيازات المجتهد الولي ، مما يمنع اعضائها من حق الاعتراض والتصويب ، فهذا السيد مقتدى يضع من يتظاهر لاسباب سياسية من قواعده وجها لوجه امام الحوزة العلمية وبالضد من آل الصدر – دون بيان مستوى تمثيل حركته للحوزة العلمية ومنهج الصدرين الحركي الواعي ودى شرعية توصيفه هذا – حيث قال : " بلغتني رسائلكم ومظلوميتكم فعلى الرغم اني دوما اتعاطف مع الشعوب والقواعد الشعبية، الا ان ذلك ايها الاخوة الاحبة لا يعطيكم الحق بالتظاهر ضد المكتب او احد منتسبيه، فهذا ان لم يكن فيه اخلال في الاخلاق العامة امام ال الصدر فهو خلة اخلاقية امام الحوزة، وخصوصا انكم لم تاتوا كوفود زائرة عارفة بفضل المكتب الشريف بل جئتم متخالفين كل يجر النار الى قرصه " , وكذلك تختزل الحركة وجودها بشخص السيد مقتدى ، مما يؤدي الى عدم امكانية رسم ستراتيجية وخطط عمل بعيدة المدى وثابتة ، لانها ستكون عرضة للانهيار بورقة صغيرة جدا من زعيم الحركة ، تحت تأثير تبدل المواقف . اما السبب الثاني فهو اعتمادها لغة التهييج المسلح ورفع السلاح بوجه خصومها ، او هدر دم المنشقين عنها لاسباب سياسية .
لكن الاغرب بعد كل هذه السنين من اراقة دماء العراقيين والشعارات الجوفاء في مختلف المجالات ، وبعد سوق قواعد الحركة نحو المجهول على طريق مضطرب ، يأتينا زعيم الحركة بمفاجأة لا تفاجئنا ، حيث يقول انه محتار ، لا يحسن اختيار الطريق المناسب في توجيه حركته ، حيث قال في ذات رسالته لاهالي مدينة الديوانية :
" اني في حيرة من امري, فان اوكلت للقاعدة ان تختار المرشحين من خلال [التمهيدية] او البرلمان فيقع محذور ايصال من هم بعيدون عن ارائنا وبعيدون عن اسس السياسة, وحتى من فيهم اشكالات تجارية او قانونية او اجتماعية .. كما حدث ذلك فعلا .. او .. اوكل الامر الى الاداريين والسياسيين في التيار فيقع محذور عدم رضاكم او جعل من هو ليس اهلا لرضا الله ورضاكم بل بعيدا عن ذلك وقد يؤول الامر الى المحسوبيات او [اللوبيات] " .
فنقول له - جوابا - اجابه المعصوم عليه السلام ، الذي اسست كل ميليشياتك ومؤسساتك باسمه :
" واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله ".