حول العدوان الإسرائيلي الأخير
حول العدوان الإسرائيلي الأخير
بيان تحليلي
د. خالد الناصر
الأمين العام للتيار الشعبي الحر
للمرة الثانية في غضون أيام شن العدو الصهيوني غارة كبيرة فجر هذا اليوم استهدفت على ما أوردت الأنباء مركزاً للبحوث العلمية العسكرية في جمرايا وقطعات للحرس الجمهوري في جبل قاسيون قرب دمشق ، بينما قالت مصادر إسرائيلية أنها تركزت على مواقع لتخزين صواريخ ايرانية متطورة من طراز فاتح 110 وصواريخ سكود يقصد إيصالها إلى حزب الله كما حدث في الغارة الأولى. وفي هذا الصدد نود أن نؤكد على الحقائق والوقائع التالية التي تظهر لنا أبعاد هذا الحدث ومراميه وتجلو الالتباسات التي يثيرها ويقرأها كل طرف بما يناسب هواه لا بما تدل عليه فعلاً:
1 - إننا في البدء وقطعاً لأي لبس ندين بكل المعاني الممكنة هذا العدوان الآثم بغض النظر عن إضعافه للنظام الديكتاتوري الهمجي الذي نقارعه لأننا نتألم لكل قطعة سلاح تدمر أو أي جندي يقتل في سورية ، ففي ذلك خصم من قوتنا في المستقبل بعد رحيله.
2 - إن علينا أن نتوقف طويلاً عند توقيت هذا العدوان في ظل التطورات الكثيرة والخطيرة التي تسارعت في هذه الأيام ولاسيما تزامنها مع مذابح التطهير العنصري الفظيعة التي ارتكبتها قوات النظام الطائفي في سوريا في بانياس والبيضا ورأس النبع ولا تزال ، وبعد الاعتراف العلني لإيران على لسان قادتها الكبار وكذلك أمين حزب الله اللبناني بالاشتراك الفعلي مع قوات النظام وأنها أصدقاء سوريا لن يسمحوا بسقوط هذا النظام .
3 - إن هذه الغارة الكبيرة لم تكن أول الغارات الإسرائيلية على سوريا ، فقد حدثت مماثلات لها قبل الثورة وبعدها وكانت تستهدف مواقع حساسة وقدرات لا تريد إسرائيل لسورية بغض النظر عن النظام القائم فيها أن تمتلكها ، ومنها كان تلويح بالقوة فوق أماكن سيادية لتذكير النظام بضرورة استمراره على نهجه المهادن ، وفي كل مرة كان النظام يبتلع الإهانة ولا يقوم بواجب الحاكم الوطني لحماية سماء الوطن وأرضه ومواقع قوته.
4 - إن الكيان الصهيوني ومنذ انطلاق الثورة السورية عمل جاهداً على عرقلة كل الجهود الدولية التي قد تؤدي إلى سقوط النظام الأسدي الذي حافظ على هدوء الجبهة السورية معه طيلة أربعة عقود ، وكلنا يذكر اعتراض نتنياهو القوي والصريح على تزويد ثوار سورية بأسلحة نوعية تمكنهم من صد هجمات النظام أو تغيير موازين القوى لغير صالحه . وبالتالي فإن هذه الضربة تأتي في سياق يتعلق بما ذكرناه في الفقرتين السابقتين .
5 - إن إسرائيل استغلت فرصة تاريخية قد لا تتكرر لها لترسل رسائل في جميع الاتجاهات ، مستغلة البلبلة الدولية والإقليمية والمحلية والتباس الرؤى والحيرة في طريقة التعامل مع حدث الثورة السورية الضخم ، فضربت ضربتها القوية مستغلة أنها دائماً فوق المساءلة بل ربما هي ستحصل على رضى من عجز أو تحرج ، فدمرت ما يمكن أن يستخدم ضدها لو أتى من هو أقل تفاهماً معها من جهة وخلطت الأوراق بشكل كبير دولياً ، وأحرجت القوى الإقليمية والمحلية المؤيدة للنظام أو المنتقدة له ، وبلبلت حتى قوى الثورة لتستميل قسماً منها أو لتقلل من حدة عدائها لها .
6 - إن النظام رغم كل الرغاء الإعلامي الذي صدر عنه لم يهتم إلا لأمرين : أولاهما صرف نظر المجتمع الدولي عن شناعة الجرائم والمجازر التي يندى لها جبين البشرية والتعمية عليها ، وثانيهما استغلال العدوان للترويج لنظريته المكشوفة عن المؤامرة الكونية وعمالة من يعارضه أو يثور عليه .
7 - لو كان النظام صادقاً في وطنيته وعروبته ومقاومته لتصدى لهذه الغارات المتكررة من العدو الصهيوني بدل التبريرات التي أصبحت مثار التندر ، ولوجه سلاحه الفتاك والقوي إلىه لا أن يوجهه إلى صدور شعبه الذي يفترض أن يتصالح معه ويبني معه القوة القادرة على مواجهة هذا العدو الغاشم.
8 - لقد تألمنا كثيراً قبل الثورة عندما دمرت إسرائيل مفاعل دير الزور النووي قبل الثورة مثلما تألمنا ونتألم لتدمير مراكز البحوث العلمية العسكرية ، ولكن من هو المسؤول عن حماية هذه المنشآت .. نحن المعارضون والثائرون أم النظام ؟!.. ولكن السؤال المقابل والأهم هو من الذي يدمر الآن مدن سورية وقراها ومعالمها الأثرية والتاريخية والحضارية ويقتل شعبها ويزرع الحقد الطائفي ويعمل على تمزيقها أرضاً وشعباً ؟!.. ألا يحق لنا أن نستنتج أن النظام الذي ابتليت سورية به والعدو الصهيوني يشتركان في نفس الهدف : تدمير سورية بكل أبعادها .. أرضاً وشعباً ودوراً .
9 - إذا كانت إسرائيل تريد إسقاط نظام الأسد بهذه الضربات فأين هي تصريحات إيران الرنانة وتهديدات حزب المرتبط بها عقائدياً وسياسياً بأنهم لن يسمحوا لأي قوة بإسقاطه وسيصدوا لكل من ينال منه ؛ ماذا ينتظرون ؟.. أم أن وجهتهم وجهة أخرى ؟! ..
10 - ثم من هو المسؤول عن الوضع الذي وصلت إليه سورية بحيث أصبحت ميداناً مستباحاً لكل القوى الدولية والإقليمية ولكل الأجندات والمشاريع والمصالح ، تتصارع فيه تحت كل الدعاوى والأقنعة وتستغل كل النعرات الطائفية والإثنية والقومية التي أطلقها النظام متعمداً من قمقمها ؟.. هذا السؤال هو بالدرجة الأولى برسم القوى التي تصنف نفسها في خانة القومية واليسار وتتباكى على صرح الممانعة والمقاومة الذي يُستهدف في سورية !.. ألم يحن الوقت أن يتبينوا ؟.. أم أن على قلوب أقفالها ؟!..
إننا في النهاية نترك للمتأمل في هذه الحقائق والوقائع استخلاص طريق الخلاص لسورية من محنتها التي طالت وتشابكت للخروج منها الحلول .