محمد مرسي... أربكان أم أردوغان؟

د. مصطفى الحاج حامد

د. مصطفى الحاج حامد

التجربة التركية كانت قبل شرارة الربيع العربي، ولاتزال حتى الآن، تحظى بأهتمام جل الشعوب العربية، لقد كانت محط أنظار وتطلع تلك الشعوب وهي ترزح تحت أنظمة الظلم والقهر،التي كانت تحلم بنيل الحرية والعيش بكرامة، بدولة يسودها القانون والعدل، وبدولة المواطنة والديمقراطية. وهي الآن محل دراسة وتقييم وتمحيص وأهتمام من قبل كل السياسيين والعاملين بالاحزاب العربية على أختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية،اليساريين منهم والاسلاميين ،العلمانيين منهم والديمقراطيين على حد سواء. وهناك – وخاصة الاحزاب الاسلامية - من يحاول التقليد الكامل لتجربة العادلة والتنمية حتى يصل لدرجة الاستنساخ،حتى أسماء الاحزاب تراها مترادفة من كلمات تجمع ما قامت عليه تجربة أردوغان من عدالة وتنمية.نرى هذا واضحا أشد الوضوح في مصر، حيث حزب الحرية والعدالة يحاول أن يكرر هذه التجربة اليوم بقيادة  محمد مرسي محاولاً كسر حاجز المعارضة التي بدأت تعترض طريقه بشكل قوي.

فهل ما تعيشه مصر اليوم وما يعانيه محمد مرسي سيجعل منه أردوغان مصر، أم أن عاقبته ستكون كما كانت عاقبة زعيم الحركة الاسلامية بتركيا بلامنازع البرفسور نجم الدين أربكان رحمه الله.؟؟

التشابه والتقاطع بين الدول العربية وتركيا كبيرة وكثيرة،أول تقاطع هو كونها دول اسلامية مرت بحقبة كانت القومية العربية والتركية الطورانية على أشدها قبل وبعد سقوط الخلافة العثمانية،أعقبتها حرب شنعاء على الاسلاميين بشكل خاص، وعلى كل المتطلعين للحرية والعدالة الاجتماعية بشكل عام.عان الأتراك كأخوتهم العرب ،من حقبة سادتها الفكرة القومية المتطرفة التي أرادت فصل الاتراك عن دينهم وتاريخهم وماضيهم،فجعلته في ليلة وضحاها شعباً جاهلاً أمياً ،عندما غير أتاتورك الأحرف العربية واستبدلها بالاحرف اللاتينية.ولكن وعلى الرغم من هذا بقيت الحياة الديمقراطية تقليداً للغرب، هي المتنفس الوحيد للشعب التركي ،بينما حُكم أخوتهم في البلاد العربية بالحديد والنار.كل الانقلابات العسكرية ومبادئ أتاتورك والقوانين الجائرة لم تمنع الحركة الاسلامية بزعامة أربكان للوصول لسدة الحكم ،بعد أن أًغلقت أحزابه كلهاالتي شكلها في مسيرة حياته النضالية المريرة.

بعد وصول حزب الحرية والعدالة الى سدة الحكم، وانتخاب السيد محمد مرسي رئيساً لجمهورية مصر العربية ،بدأت المشاكل والاعتصامات والاحتجاجات ضد هذه القيادة الجديدة التي تمثل الواجهة السياسية لجماعة الأخوان المسلمين الدعوية،وما تعيشه مصر اليوم يشبه كثيراً ما كانت تعيشه تركيا بالتسعينيات ،عندما كان أربكان برئاسة الوزراء التركية،لقد قدم حينها الكثير من الخدمات ،وكان لديه أهداف يطمح ويحلم بها كثير من الأتراك ،المعاشات التي حصل عليها الموظف لم تحصل في أي حكومة سابقة أو لاحقة حتى الآن.تسامحه وايجابيته مع كل الاطراف المعادية له، حتى التي كانت تشتمه علناً،ومحاولاته العديدة لتصويره أن لا خلاف بينه وبين الجيش، لم تمنع العسكر من تماديهم في معاداته سراً وعلناً.كل هذه الأيجابية لم تمنع القوى المعادية له من علمانيين ورجال أعمال وكتاب وصحفيين ونقابات من أن تزيد الضغط عليه وتحاصره في كل مكان حتى أضطر للأستقالة، وتسليم المهمة لرئيس الجمهورية الذي لم يكلف حليفة أربكان بالائتلاف حسب الأصول،لسيقط من الحكومة ويُغلق حزبه ويُمنع من السياسة .لم يستطع أربكان حينها مقاومة المعارضة التي تشبه ما يحدث الآن في مصر...فهل يستطيع مرسي الصمود وكسر هذه المماتعة التي تقف أمامه كما وقفت أيام أربكان.

اليوم الكل ينظر على أن الحرية والعدالة المصري هو سائر على نهج وخطى مثيله التركي،والكل ينتظر-أو كان ينتظر-أن يحقق مرسي ما حققه أردوغان من استقرار  ونهضة وعمران لبلده.

لكن من ينظر للأمر بعين متفحصة ونظرة عميقة يجد أن هناك أختلافا عميقا وأساسيا بين الحالتين.

اللأختلاف يبدأ في نقطة الأنطلاق التي بنا عليها أردوغان طريقه الجديد، المختلف كلياً عن طريق استاذه أربكان، لقد أحس أردوغان أن هناك قناعة ثابتة تجاه أربكان وفريقه ، ومهما كانت هذه القناعة خاطئة لكنه أيقن أن تجاوزها لن يكون إلا بفتح صفحة جديدة .بينما السيد مرسى لم يستطع أن يقوم بهذه النقلة بل ظل محسوباً وتابعاً للقيادة القديمة في مكتب الارشاد. وقد يكون الدكتور أبو الفتوح هو من أراد أن يتقمص دور أردوغان وليس محمد مرسي.أردوغان قالها بصراحة أنني خلعت قميص معلمي أربكان، وقال أنني قد تغيرت وهو يعلم ما مدى خطورة هذه الكلمة ووقعها المؤلم على القاعدة الشعبية التي بايعت أربكان الولاء والطاعة.لكنه كان مقتنعاً بما يقول ومن هنا لا نستطيع القول بأن مرسي يشابه أردوغان.

لكن ألا يوجد ملامح تقاطع بين مرسي وأردوغان تؤهل الأول أن يقود مصر للنهوض والازدهار؛؛؟ كثيرة هي تلك التقاطعات وأهمها تعطش الشعبين لقيادة نزيهة وصادقة ومنتجة تعمل على تحسين معيشته ،بعد أن مل من الشعارات الحماسية الجوفاء...القوى العاملة الشابة...مقومات النجاح الاقتصادية والاجتماعية ...ويظل أهم هذه التقاطعات هو وقوف القوى الاسلامية بجانب الرئيس ودعمه في مواقفه العديدة...هذه اللحمة هي التي جلبت الاستقرار والدعم لأردوغان حتى استطاع تحقيق هذه الانجازات في هذه الفترة القصيرة..وهذه أهم ايجابية  أمام مرسي لكي لايفرط بها ويستفيد منها..وهي دعوة للاسلاميين السوريين أيضاً للأستفادة من هذه التجارب والدروس...

ويبقى السؤال هو هل يستطيع السيد مرسي أن يجتاز هذه العراقيل والتحديات ويستفيد من تأييد الاسلاميين ليحقق لمصر المزيد من الاستقرار والتقدم والازدهار....أم هو سائر في خطوات تجاه مصير أربكان المرحوم..؟؟

هذا المصير الذي سيؤلم كل مسلم ليس في مصر وحدها بل بالعالم كله...