غسان هيتو... والتحدي الصعب
د.مصطفى الحاج حامد
طبيب وكاتب
بعد أربعين عاماً من الكبت والحرمان من الحرية وممارسة السياسية، والإنطواء على الذات والإنكفاء على النفس، والخوف من البوح حتى بما يدور بالخيال والأحلام، انكسر حاجز الخوف فجأة، وولد الشعب السوري من جديد.
حملت هذه الولادة الجديدة في عهد الثورة الكثير من الايجابيات ، تمثلت في التنافس والتسارع لخدمة الثورة السورية وبذل الغالي والنفيس والتضحية بالمال والوقت لخدمة الأهل بالداخل والخارج. لقد سطر هذا الشعب آيات من الشجاعة والبطولة والتضحية والعزيمة تعجز الكلمات عن وصفها . لكن هذه الولادة قد حملت أيضاً بعض السلبيات، التي لاتزل تضر بالثورة السورية وتشكل عائقا في تسريع النصر وتعجيل الحسم، أول هذه السسلبيات هي الأنــــــــــــــــا المرضية، وحب الذات والتزاحم على الصدارة، تقديم المصلحة الشخصية على المنفعة العامة، واستعجال قطف الثمار، والتهافت على تثبيت موطئ قدم من الآن.
فما تكاد تلتقي بشخص إلا وقد بدأ يسرد لك تلقائياً تاريخه النضالي بدون أن تسأله عن ذلك ، عن مشاركاته السبٌاقة، وتضرره بالمال والمسكن والمزرع، وتعرضه للسجن والملاحقة ....طبعاً هذه صفات ومزايا يحق لصاحبها الافتخار بها ..وهي أقل ما يمكن أن يضحي بها إنسان يطلب الحرية وينشد العزة والكرامة...لكن أن تذكر هذه التضحيات للحصول على مكافئات ومراكز ومناصب بدون أن تكون هناك مؤهلات وكفاءات كافية تدعمها، فهذا ما يثلم هذه التضحيات ويثلم الثورة وأهدافها.
الدول الداعمة والجهات المانحة والمنظمات الاغاثية هي أيضاً وجدت ضالتها في هذه الأرضية فسعت لتفتيت ماهو مفتت وبعثرت ماهو مبعثر، ووجدت في أصحاب النفوس التواقة للمجد والصدارة مبتغاها ،فأصبحنا نعاني من تشرذماً مخيفاً، في كل المجالات وعلى كل المستويات ، العسكرية منها والسياسية والاغاثية وحتى الطبية والتعليمية.
عدم وجود الإمكانية لإنتخابات حرة، تحقق تكافوء الفرص، وتتيح للجميع حق الترشح والانتخاب، و في هذه الأرضية من التنازع والتسابق للصدراة ،والسلبية بالتعامل ،جعل تشكيل كل مكون أو هيئة أو مجلس أو ائتلاف أو حكومة ، محل نقد وتهكم، ورفض واعتراض، وشك وريبة، بل محاربة ومحاولة لتشكيل بديل له لإفشاله.
أكثر الناس محاربة لهذه المسيرة الطبيعية لكل ثورة،هم الذين تعودوا على أن يكونوا في المقدمة،وبين المؤسسين واللجنة الداعية والفريق الأول من القيادة، ممن أعتادوا أن يسمع كلامهم بدون اعتراض وممن يخشىون المنافسة الحرة ولم يتعودوا على وجود منافس ومناقش ومعترض في مسيرة حياتهم الماضية التي بنوها في فترة كانت تفتقر لأبسط مقومات العمل السياسي الحر، والمنافسة النزيهة.لا يزالون ينظرون للحاضر بنظرة الماضي ويقيمون الواقع بعقلية لم تتعود التغير والتطور في مسيرتها.هناك أيضاً من يخشى أن يفوته القطار بدون أن يضمن لنفسه مقعدأ قبل الانتقال للانتخابات الحرة، حيث لا يثق بقاعدته الشعبية.فتجده يحارب كل مكون أو مؤسسة لايكون له باع فيها.مصلحته الشخصية الآنية فوق مصالح الثورة والوطن والشعب.
في خضم هذه الاشكاليات كلها، والأرضية الهشة للمعارضة السورية ،والتواطئ الدولي، والتنازع الاقليمي والتهافت الحزبي والشخصي، تأتي مهمة تشكيل الحكومة المؤقتة كأكبر تحدي للثورة السورية، وأصعب امتحان تمر به، وأخطر منعطف لها.
فهل تستطيع الحكومة التي يسعى السيد هيتو لتشكيلها على تجاوز هذه المرحلة بنجاح، والتغلب على التحديات والصعاب والعراقيل التي بدأت تعترض طريقها منذ اليوم الأول للأعلان عنها وعن رئيسها..؟
مما لا شك فيه أن السيد هيتو يتمتع بقدر كافي من الخبرة الإدارية والتجربة القيادية ويتحلى بعلاقات جيدة مع كل مكونات المعارضة السورية على اختلاف توجهاتها ،بالاضافة الى العلاقات مع كثير من الدول و المراكز الدولية المؤثرة بالثورة السورية،كل هذه المزايا والعوامل الذاتية الداخلية، تجعل السيد هيتو مرشحا للنجاح في قيادة هذه المرحلة بأقل الأخطار والخسائر.
لكن برأيي العوامل الخارجية هي التي ستحدد فشل أو نجاح الحكومة المؤقتة، وهذه العوامل أيضاً منها ما يتعلق بنا كمعارضة وسوريين ومنها عوامل خارجية تتعلق بالدول والمواقف الدولية.
أهم هذه العوامل والتحديات والصعاب:
1-موقفنا نحن من هذه الحكومة، سلباً أوأيجاباً، موقف المعارضة وخاصة من تشعر أنها لم تحظى بالتمثيل الذي تطمح له. هل ستمد يد العون لها وتقديم كل ما تحتاج من دعم بغض النظر عمن سيكون بالحكومة ،وهل سيكون الهدف هو انجاح الحكومة وعدم السعي لتفشيلها؟أم سيكون وضع العصي بالدواليب ديدن كل من جعل مصلحته الشخصية فوق كل المصالح.
2-القدرة على تشكيل فريق العمل بكل حرية وبدون أي ضغوط وبدون الوقوع في شراك إرضاء الجميع ،وهل ستكون حكومة التكنوقراط بالفعل هي الحل الانفع والأمثل؟أم الجمع بين التكنوقراط والسياسيين ؟
3- موقف الكتائب المسلحة من الحكومة، والاسلامية منه بشكل خاص ،وهذه من أكبر المعضلات التي ستعترض عمل أي حكومة مدنية من قبل الائتلاف أو معارضة الخارج كما يحلو للبعض تسميتها زورا وبهتانا.
4-الموقف الدولي والدعم المالي والاعتراف بالحكومة.
إنسحاب بعض الاعضاء من الائتلاف وتجميد عضويتهم،بيانات من بيده السلاح وتدخله بالعملية السياسية ودغدغة هذه البيانات لأهواء بعض من يظنون أنفسهم رموز للمعارضة،واستقالة الشيخ معاذ في توقيت حرج وتردده بالعدول عنها،موقف بعض الدول التي بدأت باستخدام قوتها الرابعة مباشرة وتهافت أصحاب المصالح الشخصية ليكونوا مطية لهذه الأهداف،كلها دلائل سلبية غير مبشرة ومؤشرات على صعوبة المهمة وكثرة المخاطر ووصعوبة التحديات.
من جهة ثانية تظل الثورة ماضية في طريقها غير آبهة بكل هذه العوائق والمؤامرات منذ عامين على انطلاقتها.
فهل يستطيع السيد هيتو تحدي هذه الصعاب والعقبات ،والاستفادة من روح الثورة لقيادة السفينة لشاطئ الأمان بسلام؟
ويظل السؤال الثاني والأهم الذي يخص كل واحد منا هو دورنا وكيف سيكون موقفنا من هذه الحكومة التي هي أختبار لكل سورية وسوري؟