الموت لأسد بابل
الموت لأسد بابل
عقول تحارب الحجر وتطمس الأثر
كاظم فنجان الحمامي
قبل بضعة أعوام توجهت فرقة زلزالية تحت جنح الظلام نحو تمثال أسد بابل بالبصرة, فطوقت الأسد الرابض منذ أكثر من نصف قرن في الساحة القريبة من جسر (المقام) عند مدخل شارع الوطني, وأصدرت ضده حكمها التعسفي بالموت عصفاً بشظايا العبوات الناسفة شديدة الانفجار, ولم تمض لحظات على التطويق والتفخيخ حتى تفرقعت المواد المفرقعة, فأصدرت صوتاً بركانياً مدوياً مزق جسد الأسد, وقطعه إرباً إرباً (حتت حتت), فتناثرت أشلاء حجارته البابلية وسط الساحة السومرية, وكانت التهمة المنسوبة إليه, هي الطعن بالمحارم باعتباره من الكائنات البشرية الممسوخة في القرن السادس قبل الميلاد. .
اما المصادر التي ذكرت هذه الرواية وأكدت عليها, فهي من جنس المصادر التي ذكرت لنا بان الأرض تدور حول نفسها وهي مرتكزة على قرن ثور جبار, وإن سبب حدوث الهزات الأرضية يعزا إلى قيام الثور بتحويل حركة الدوران من قرنه الأيمن إلى قرنه الأيسر. .
من كان يتصور إن رمز الدولة البابلية وشعارها في السلم والحرب يتعرض بعد عشرات القرون للنسف والتدمير بتهمة ارتكابه الفواحش في العصور الغابرة ؟. .
وهكذا كان مصير تمثال (أسد بابل) في البصرة مثل مصير تمثال بوذا في وادي (باميان) بأفغانستان حينما نسفته أصابع الديناميت بأمر من الملا عمر في الثاني عشر من آذار (مايس) 2001 مع الأخذ بنظر الاعتبار الفارق الكبير بين النسخة الأصلية لتمثال بوذا, والنسخة غير الأصلية لتمثال أسد بابل, وهذا يفسر عودة أسد بابل إلى مقر عمله بعد تدميره من قبل الشباب. .
وتعالت في مصر صيحات سالم الجوهري, الذي كان من ضمن العائدين من تورا بورا, ومن ضمن الذين اشتركوا ميدانياً في تحطيم تمثال بوذا, فقال: لقد حطمنا تمثال بوذا وسنحطم أبو الهول, في حين دعا الشيخ محمد حسان إلى طمس وجوه التماثيل الحجرية بالشمع الأبيض شريطة أن يكون الشمع من منتجات المعامل المعادية للحجر والأثر. .
وعلى النهج نفسه سارت مجموعة متحجرة نحو مدينة المنصورة في مصر, فطوقت التمثال الحجري لكوكب الشرق أم كلثوم, ووضعت نقابا أسوداً حول رأسها, ومن المتوقع أن تتولى المجموعة نفسها مهمة تغطية رأس نفرتيتي, ورؤوس التماثيل المنتشرة في مصر, فقد آن الأوان أن تتعلم نفرتيتي وأخواتها ارتداء الحجاب, وإلا فإن الرجم بالحجارة سيكون هو العقاب الرادع لنساء رمسيس, وآمون رع, وأمنو حوتب. .
وفي سوريا تجمعت مجموعة متحجرة في محافظة أدلب, وسارت نحو تمثال شاعر المعرة (أبو العلاء المعري), فقطعوا رأسه في مسقط رأسه, وأمطروا تمثاله الحجري بوابل بنادقهم الأوتوماتيكية, وأفتوا بعقابه بالموت رميا بالرصاص بذريعة ارتباطه بزنادقة العصر العباسي. .
وفي بغداد قطعوا رأس تمثال (أبو جعفر المنصور), وبعثروا حجارته وسط مدينته, ما يعني إننا سنسمع ونشاهد أخبار البلاوي التي سيحذفها علينا فلاسفة العبوات الناسفة, وفقهاء المتفجرات اللاصقة, وعباقرة الألغام الجاهزة, وسنستيقظ ذات يوم على أخبار نسف تمثال (أوبيس), أو تمثال (أتون), وسنشاهد أشلاء (أحميس), و(أمنو حوتب), و(آمون رع), و(رمسيس) مبعثرة على ضفاف النيل, وربما تتوسع دائرة الأفكار الناسفة فتتساقط شظاياها فوق الثور البابلي المجنح, وزقورة (أورنمو) في ذي قار, وكل الآثار الفينيقية والأكدية والآرامية, والمعابد الإغريقية في الشام ابتداءً من معبد تل المتسلم, وانتهاءً بمعبد بيسان, مروراً بمعابد تل القدح وأبو الخرز, وثماثيل (حصن ذي مرمر) في اليمن, وتماثيل أوتيك وتابسوس في تونس, وقد تكون تماثيل أطلال المدينة الوردية (البتراء) من ضمن التماثيل المهددة بالتخريب والتدمير, فهي أيضا مشمولة بالتدمير ببلدوزرات الفكر المتحجر. .
وهكذا نصبوا التماثيل للبغال والحمير, لكنهم قطعوا قوائم أسد بابل في البصرة, وقطعوا رأس المعري في المعرة, وقطعوا رأس المنصور في بغداد المدورة, وغطوا رأس أم كلثوم بنقاب أسود, بانتظار أن تنهال الأهوال فوق رأس (أبو الهول). . .