مش مهم مصر يا عم
عبد السلام البسيوني
من القديم الذي يصف حالنا الأسود:
تعود بي ذاكرتي للوراء، لأستعيد مشاهد من حياة (الواد سيد أبو شفة) البلطجي، وقد نشأ يتيمًا، فتولت أمه الخالة صابرة تربيته، وتربية إخوته، ورهنت صحتها وشبابها من أجلهم، ووصلت نهارها بليلها للإنفاق عليهم، وتغطية الضروري من حاجاتهم.
وعلى غير المأمول نشأ أبو شفة شقيًّا، عنيفًا، عدواني الطباع، قليل الوفاء لأمه التي ربته، وأنفقت عليه، فكان في كثير من الأحيان يشرشحها، ويسب عرضها، في الشارع العام، دون حياء يمنعه، ولا وازع يردعه!
ثم تمادى به الأمر حتى إنه كان (يرنّها علقة) أمام الجيران، دون أن يجرؤ أحد أن يمنعه، أو يقول له: عيب، خصوصًا أن زوج أمه كان (دلدول، لا بيهش ولا بينش)، بل كان – كما يقول العامة – ضل راجل، وأحسن من قلته..
وتمادى الغبي سيد أبو شفة بوجهه القبيح، وثيابه الكالحة، حتى جاء بأمه ذات يوم و(دلق) عليها صفيحة جاز، ليحرقها أمام الملأ، وحوله شلة الهجامين من جلسائه في مجالس التحشيش، وصبيانه في قطع الطريق على خلق الله، يصفرون له ويصفقون، هاتفين: ولعها/ احرقها/ شعللها!
لم تجرؤ الشرطة (المآتة) أن تقترب منه؛ لأنها كانت أضعف من أن تواجه عصابته؛ رغم أن أفرادها ما شاء الله معلوفون مثل البغال، كما أنه كان يرشو الكثير منهم بالصنف؛ ليعدلوا المزاج، ويزيدوا الدخل!
وكانوا إذا تحدثوا عنه تحدثوا بكثير من الاحترام والارتجاف: المعلم سيد أبو شفة؟ دا راجل نضييييييف.. آه.. دا سيد الرجال!
وإذا قابلوه ضربوا له التحية زاعقين طامعين: ربنا يخليك يا معلم.. يطول عمرك ربنا!
وذلك لأن هذا الغبي قد حصن نفسه بمجموعات من البلطجية الذين يمكن أن (يولعوا الدنيا) بإشارة منه، وربى مجموعة من الهتيفة الذين يحسنون الصراخ، والخوار، و(الحبْسَكة) وترويع من أماهم بالكلام والتشويح، والزعيق في الميكروفونات، في الشارع، والشوارع المجاورة، وشوارع المنطقة كلها!
خالتي صابرين أم الشقي سيد أبو شفة تعاني منه من ألف اتجاه: من جحوده وكنوده/ من عنفه وسخفه/ من الصيع الذين يلتفون به/ من ارتباطه بأشقياء على شاكلته من بره/ من (تجعيره) وزعيقه، وردحه، وضربه إياها، وفتحه المطوة عالفاضية وعالمليانة! ومن طعن نفسه بالمطواة و(تلقيح جتته) على الآخرين واتهامهم!؟
وهي تكاد تجن منه، وتتمنى لو هداه الله أو أراحها منه، لكنه في النهاية ابنها وضناها!
فما ترى الحل لهذا المعضلة يا قارئي الكريم؟
نخلص خالتي أم سيد من ابنها وأم نردعه ونؤدبه؟
نجهز عليه بفرقة قناصة زي بتوع الداخلية؟
أم نتخلص منها .. هي ونكتفي.. ونريح ونستريح؟!
أم نشعل حريقًا يأكلها وابنها وأصحابه والجيران والناس المسالمين، والدنيا كلها، وعلي وعلى أعدائي يا بوشفة!؟
هذا السيناريو بحذافيره نعيشه في مصرنا الصابرة الغالية:
إن هناك لغتين تشيعان الآن بلسان الحال أو بلسان المقال:
لغة سيد أبو شفة البلطجي المجرم الذي يقول بصراحة:
مصر إيه اللي عايزينّا نهتم بيها؟ وعلشان إيه؟ وهل تستحق منا دمعة؟
المهم اللي في دماغي، مزاجي، ومصلحتي، وشلتي، واللي يولع يولع، واللي يموت يموت!
بلا مصر بلا زفت.. هي بتاعتنا؟ تلزمنا؟ المهم مصلحتنا يا باشا! المهم أجنداتنا وارتباطاتنا وأسيادنا البعدا اللي يستاهلوا صحيح... مش تقول لي مصر!
ولغة العقلاء الذين يقولون إن مصر فوق الجميع، وإنها أبقى وأخلد من طائفة، أو مجموعة، أو من معتقد، فلا يوجد مكان واحد، في الكون كله، فيه معتقد واحد، ولم يتفق الناس على دين أبدًا يومًا من الأيام، ولا على خلق، ولا على قيمة (ولا يزالون مختلفين؛ إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم) (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفًا من فضة، ومعارج عليها يظهرون. ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتكئون، وزخرفًا...).
لم يتفقوا على دين زمن محمد صلى الله عليه وسلم النبي الكريم، ولا عيسى العظيم، ولا موسى الكليم، ولا إبراهيم الأواه الحليم، ولا نوح أبي البشر الثاني!
لغة العقلاء الحريصين على مصر واستقرارها، والذين تضيع أصواتهم وسط جعير القنوات البغيضة، والكتاب المأجورين، والإعلاميين المستأجرين، والحزبيين المغاوير، والمال الطائفي الغزير..
يأيها المنفعلون الصارخون الضاجون:
لم تكن مصر – طوال تاريخها - لدين ولا لجيل ولا لنظام ولا لحزب ولا لشخص، بل هي بوتقة تجمع هذا كله، وإن ظهرت فيها طائفة أو دين، أو مجموعة في بعض حقبها!
يأيها المنفعلون الصارخون الضاجّون:
مصر شهدت ما لم يشهده بلد في العالم كله من البركة – باستثناء مكة أم القرى وحدها – فإليها جاء أبو الأنبياء إبراهيم على السلام وزوجه السيدة الكريمة الطاهرة سارة، باحثين عن الميرة والمؤونة.
وفيها شب موسى حتى بلغ أشده واستوى، ونبئ، وبلغ رسالة ربه الواحد تبارك وتعالى! وشاركه في نبوته - في مصر – أخوه الأكبر هارون عليهما السلام.
ومنها تبوأ يوسف الصديق عليه السلام حيث يشاء، وآوى أباه النبي يعقوب عليه السلام، وإخوته الأسباط الفارين من المجاعة، وعاش ومات فيها عليه السلام!
وإليها لجأت البتول الطاهرة مريم الصديقة عليها السلام هربًا بابنها سيدنا عيسى المسيح العظيم الذي تكلم في المهد، و(قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًّا، وجعلني مباركًا أينما كنت....).
ومنها خرجت أم العرب ووعاؤهم الجيني هاجر عليها السلام من الفرما – عند بورسعيد الحالية – لتكون زوجًا أو سرية لإبراهيم عليه السلام، وتنجب له أبا العرب نبي الله إسماعيل عليه السلام، الذين نسل محمدًا سيد الأولين والآخرين، وآل بيته، والصحابة الكرام الميامين.
ومنها خرجت السيدة الموحدة أم إبراهيم مارية القبطية التي ولدت للنبي صلى الله عليه وسلم ابنهما إبراهيم عليهم جميعًا السلام، وهي التي أرسلها مقوقس مصر هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان الفتح وكانت أرمانوسة ابنة المقوقس قد سقطت أسيرة في أيدي المسلمين، أمر سيدنا ابن العاص بإرسالها إلى أبيها في حصن بابليون مكرمة؛ مع جميع ما معها، ردًّا لجميله.
وفيها نشأت نصرانية توحيدية قبل فتح مصر كان راعيها آريوس الرسول، الذي كتب النبي صلى الله عليه وسلم عنه للمقوقس عظيم القبط في مصر: (أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، وإلا فإن عليك إثم الأريسيين).
مصر التي شهدت ارتفاع النصرانية، وعزة الإسلام، والعطاء الحضاري الباهر، وأنجبت العلماء الذين تفخر بهم الدنيا، والمفكرين النوابغ، والإصلاحيين العظام، والقادة ذوي الهمة..
مصر هذه لا ينبغي أن تكون مرتعًا لسيد أبو شفة، وحودة المفك، و(المجعراتية) الأُجراء، والبلطجية المفسدين في الأرض..
· يأيها المصريون.. أفيقوا يرحمكم الله واجتمعوا على كلمة سواء..
· أو ابكوا دمًا بعد ذلك، واتركوا أبناءكم وأحفادكم وذراريكم يدفعون ثمن جبنكم، وقعودكم، واستسلامكم لبلطجة أبي شفة، ذي الكلام البذيء، والفهم البطيء، والوجه القبيح، واللحية الثائرة، والثياب الكالحة، والطائفية المقيتة!
· خذوا على أيدي البلطجية، والمجعراتية، ونافخي نيران الطائفية، الذين عرتهم الأحداث، وكانوا مكشوفي العورات من قبل لمن يتأمل، لولا سكوت بعضنا، وتواطؤ بعضنا، وانتفاع بعضنا منهم ومن أموالهم وميكروفوناتهم الغبية..
· خذوا على أيدي فلول الضباع والثعابين الذين أصابهم السعار نتيجة انقطاع أرزاقهم الحرام، وفقدانهم سطوتهم التي قامت على السرقة، والنهب، والغش، والبلطجة، والترويع!
· ارحمونا نهائيًّا من الفراعين السابقين، الذين يديرون الدنيا من السجن، ويحركون الفلول، ويدفعون الملايين، ويشعلون النار، وهم في زنازينهم يأكلون الكافيار، ويشربون السيجار!
· ارحمونا ممن يريدوا أن يأخذوا ما لله، وما لقيصر، وما للناس، وما للأجيال القادمة لمليون سنة قادمة.
· أرجوكم ارحموا مصر واحموها .. من أجل دنياكم وآخرتكم.