الأقصى خط أحمر

بالتّأكيد أنّ بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، ومن ورائه ترامب الرّئيس الأمريكي، يعرفون جيّدا مكانة المسجد الأقصى في عقيدة المسلمين، فلديهم مستشارون ومراكز أبحاث تقدّم لهم التّقارير حول ما يعرفونه وما يجهلونه، لكنّ نتنياهو مثله مثل من سبقوه ومن يعاصرونه من المسؤولين الإسرائيليّين يتحيّنون الوقت المناسب لتمرير مشروعهم الصّهيونيّ طويل المدى، فنتنياهو على سبيل المثال استغلّ اتّفاقات أوسلو، وما سمّي بمحادثات السّلام لمصادرة الأراضي الفلسطينيّة وتمريرها لفرض وقائع على الأرض، لمنع إقامة الدّولة الفلسطينيّة بعاصمتها القدس العربيّة المحتلّة، وليجعل الاحتلال أمرا واقعيّا.

والمسجد الأقصى ليس بعيدا عن المخطّط الصهيونيّ، ورغم الحفريّات التي تنخر أساساته منذ وقوعه تحت الإحتلال في حرب حزيران 1967، والإستيلاء على حائط البراق، وهدم حارتي الشّرف والمغاربة، وحرق المسجد في أغسطس 1969، وما تبعه من اقتحامات واعتداءات متكرّرة، وتقسيمه زمانيّا منذ سنوات، ومحاولة السّيطرة على أبوابه والتّحكّم بمن يدخله من المصلّين المسلمين في يوليو 2017 وغير ذلك، إلا أنّ الأمور لن تتوقّف عند هذا الحدّ، وما هدم المسجد الأقصى أو تقسيمه من خلال هدم قبّة الصّخرة المشرّفة لبناء الهيكل اليهوديّ إلا مسألة وقت، وقد لا تتعدّى العام 2020 كما ترشح المعلومات من الجهات الدّينيّة اليهوديّة المتطرّفة.

ومع أنّ الحركة الصّهيونيّة اعتمدت على الغيبيّات الدّينيّة لجمع شتات اليهود في فلسطين تحت الشّعار التّوراتيّ "العودة إلى أرض الميعاد" إلا أنّ اسرائيل دولة علمانيّة، غير أنّ قادتها ومنهم نتنياهو يرضخون لمطالب المتديّنين المتزمّتين في محاولة منهم لكسب أصواتهم الإنتخابيّة، وهذا حتما سيقود إلى تحوّل اسرائيل إلى دولة دينيّة من خلال الدّعم الذي تلقاه الجهات الدّينيّة اليهوديّة المتطرّفة من اليمين الصّهيونيّ المتطرّف.

لكنّ نتنياهو وترامب يتجاهلان تماما الحقوق الدّينيّة لغير اليهود"الغوييم"، وفي مقدّمتهم المسلمون، وما يشكّله المسجد الأقصى كجزء من العقيدة الإسلاميّة، كونه قبلتهم الأولى، ومعراج نبيّهم، واقترانه بالكعبة المشّرّفة في مكّة والمسجد النّبويّ الشّريف في المدينة المنوّرة، وهو أحد المساجد الثلاث التي تشدّ إليها الرّحال. ويشجّع نتنياهو وترامب الخضوع الذّليل لقادة عرب، الذين ما عادوا يفهمون الدّين والوطن إلا من خلال كراسي حكمهم التي نخرها السّوس، ومن يفرّط بوطنه وبحقوق شعبه لن يصعب عليه التّفريط بدينه-هذا إن كانوا مسلمين حقّا كما يزعمون-. لكنّه يغيب عن بال نتنياهو وترامب وكنوزهما الإستراتيجيّة في العالمين العربيّ والإسلاميّ أنّ الشّعوب متديّنة بطبعها، وأنّ أيّ مسّ بالمسجد الأقصى يمسّ كلّ مسلم شخصيّا، وبالتّالي فإنّ المنطقة ستدخل في حروب دينيّة، سيعلم مشعلوها متى يبدأونها، لكنّهم لا هم ولا غيرهم يعلمون متى ستنتهي، غير أنّها ستلتهم الأخضر واليابس، ولن يسلم من حرائقها أحد، وستشّكّل تهديدا حقيقيّا للسّلم العالميّ، قد يقود إلى حرب كونيّة ستنهي الحياة على الأرض.

وسوم: العدد 812