ردًّا على هجوم جبران باسيل السافر على الشريعة الإسلامية
ردًّا على هجوم جبران باسيل السافر
على الشريعة الإسلامية
أحمد القصص
من جديد يعود جبران باسيل كما اعتاد هو وتياره البرتقالي إلى الخطاب العنصري المنحدر والمفتقر إلى الحد الأدنى من اللياقة، والمستفزّ لكل من يسمعه من المسلمين في لبنان وخارجه. إذ عمد في مؤتمر صحافي عقده في الرابية أمس الأوّل إلى الاعتداء الكلامي اللاذع والفجّ على الإسلام وشريعته وأتباعه، فافترى على المسلمين ما هم منه براء. فشانهم بتهمة التكفير، ثم اتّهمهم زورًا بالاعتداء على حقوق المرأة والفتوى بمنعها من قيادة السيارة وبالتعاطي الجنسي الحيواني معها. كما هاجم الشريعة الإسلامية لأنها شرعت عقوبة الإعدام بقطع الرأس، وهاجم نظام الخلافة لأنه يرعى شؤون الناس بالشريعة، ولأن الشرع أمر بقتل كل من يخالف الخليفة على حد زعمه.
لكَم تمنينا أن نرتاح من نقيق العونيين ونعيقهم، ونرتاح من عناء الرد عليهم. ولكن يبدو أن رغبتهم باستقطاب الشارع المسيحي وابتزاز هواجسه وتخويفه من الإسلام والمسلمين لن تنتهي حتى يقضي الله لهذه الأمة أمرًا كان مفعولاً. ونحن لا نملك أن نسمع شخصًا كهذا الرجل يسيئ إلى قرآننا ونبيّنا وشرعنا ثم نبقى صامتين، وبخاصّة حين يتفوه بعباراته هذه أمام ملايين الناس عبر شاشات الفضائيات.
فيا جبران باسيل، طرقتَ الباب فاستمع للجواب:
1- كفاك اتهامًا للمسلمين بالتكفير، فما من ديانة إلا وتكفّر الأخرى، وكنيستك التي تدين لها تكفّر كل من لا يؤمن بألوهية المسيح عليه السلام، من المسلمين وغيرهم، وإن بتعابير مختلفة، ثم ألا تراها تحكم بتكفير اليهود الذين كفروا بالمسيح عليه السلام وأغروا الرومان بصلبه؟! والتكفير ههنا أيها المثقّف ليس من باب الشتم ولا الإهانة، وإنما هو من باب الوصف والتقرير. وتنبّه يا حضرة الوزير المثقّف إلى أن المسلمين آمنوا بموسى وعيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام وبالتوراة والإنجيل اللذين أوحيا إليهما، قال تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِوَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}. ولكنكم كفرتم برسالة محمّد وكتابه الذي أوحي إليه، فهل نكون مفترين بهذا الكلام أم واصفين لواقع؟! ومع ذلك فإننا نتورع عن إهانة ديانتك واستفزاز أتباعها كما تفعل أنت مع ديننا وأتباعه، إذعانًا منا لأمر الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.
2- وأما عن اتهامك للمسلمين بانتهاك حقوق المرأة، فليس الإسلام من أهان المرأة واعتدى على حقوقها، وليس الإسلام الذي اتهم حواء بإغواء آدم عليه السلام وإخراجه من الجنة كما ترى ديانتكم، بل هو ساوى بينهما في المسؤولية، واتهم الشيطانَ بالوسوسة لهما معًا ونسب المعصية إليهما معًا، قال تعالى: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}. بل الإسلام كان سباقًا إلى مساواتها في إنسانيتها مع الرجل، وفي إعطائها حق التملك والتصرف بمالها دون وصاية عليها من أحد، وأوجب على الرجل الإنفاق عليها مهما كان لديها من المال، وأعطاها المشاركة في اختيار الحاكم والعمل السياسي منذ أربعة عشر قرنًا، بينما بقيت محرومة من هذا الحق في أوروبا حتى القرن العشرين، وبقيت محرومة في دستورك اللبناني من التصويت والترشح حتى عام 1953. وأما الضرب الذي ذكره القرآن والذي تجرأت على ذمّه دونما تحفّظ ولا لياقة فهو ضرب الزجر والتأنيب الذي لا يجوز أن يبلغ حدّ الإيلام والإضرار بالجسد، للمرأة الناشز وبعد استنفاد جميع وسائل الزجر. والأصل الذي وضعه الإسلام للعلاقة بين الزوجين هو قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. وشدّد الرسول صلى الله عليه وسلم على إكرامهن فقال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
ثمّ أخبرنا أيها الوزير: من ذا الذي أفتى في لبنان بمنع المرأة من قيادة السيارة؟! هلاّ حفظت ماء وجهك وتنبهت إلى أن نساء معظم علماء الشريعة ومعظم نساء المسلمين الملتزمين في لبنان وخارجه يقدن السيارة؟! عدا دولة واحدة لا يمتّ حظرها هذا إلى الشرع بصلة. أما عن فريتك بأن المسلمين المتديّنين يتعاطون مع المرأة تعاطيًا جنسيًّا حيوانيًّا، فهذه فرية مردودة عليك، تصف بها نفسك وقناتك الداعرة التي جعلت جسد المرأة سلعة لتسويق البضائع، والتي كانت سباقة إلى برامج النكات الساقطة التي لا تراعي حياء ولا حرمة البيوت والعائلات! أما الإسلام، كما شرائع جميع الأنبياء السابقين، فقد جعل المرأة عرضًا يجب أن يصان، وجعل جسدها مصونًا لزوج واحد، يحفظ عفّتها وكرامتها، وحفظ حقوقها في الحياة الزوجية مثلما حفظ حقوق الرجل. وأنزل الله تعالى في النساء آيات العفّة فقال: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}. ثمّ هلا وجّهت هذا الانتقاد الوقح إلى قوانينك التي ترخص للدعارة، وإلى دولتك التي تمتلك كازينو لبنان الرائد في عروض الراقصات شبه العاريات! عيب أيها الوزير!
3- أما عن هجومك على الشريعة إذ تضمّنت الإعدام بقطع الرأس، فهلاّ التفتَّ أيها العبقري قبل أن تهاجم الشريعة الإسلامية إلى أن قانونك اللبناني يعاقب بالإعدام شنقًا! وهلاّ سألت أي طبيب عن قسوة الآلام التي يعانيها المقتول شنقًا خلال الدقائق التي تسبق الموت؟! وهلاّ عرفت أن المسلمين الأوائل اختاروا الإعدام بقطع الرأس لأنها الأسرع والأبعد عن الألم تنفيذًا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ». ولعلمك فإن فقهاء المسلمين في هذا العصر لا يتمسكون بشكل من أشكال الإعدام، ومطلبهم هو الإعدام الخالي من التعذيب.
4- ثم تهاجم تطلّع المسلمين إلى الحكم بالشريعة الإسلامية. فأخبرنا بالله عليك: أتريد للمسلمين أن يستبدلوا بشريعتهم شريعة جوزيف بونكور، ذلك المشترع الفرنسي الذي نسخ دستور جمهوريتك اللبنانية سنة 1926 عن دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة، بعد خلطها بنظامك الطائفي المقيت؟! وهل تمتُّ تشريعات فرنسا العلمانية بصلة إلى ديانتك وانتمائك المشرقي الذي فاخرت به في مؤتمرك؟! أليست تشريعات فرنسا العلمانية قد قامت على معاداة الكنيسة وإهانة
رجال الدين النصارى إبان حقبة الثورة الفرنسية الكبرى؟! وفي المقابل: أليست الشريعة الإسلامية هي التي حفظت لأجدادك كنائسهم وكفلت لهم ممارسة شعائرهم الدينية وتطبيق شرائعهم في أحوالهم الشخصية طوال ثلاثة عشر قرنًا من الزمان؟!
5- ثم تتابع هجومك على الشريعة بمهاجمة نظام الخلافة التي كانت طوال مئات السنين الحصن المنيع الذي حمى مشرقك من الأطماع الأوروبية المزمنة، والتي تشكّل عودتها اليوم أمل المسلمين في العالم للتخلص من الهيمنة الغربية وقذارة علمانيتها. وتشوّه صورة هذه الخلافة بقولك: إن الشريعة تأمر بقتل كل من يخالف الخليفة! عجبًا يا باسيل! كيف وُلدتَ أنت وقومك من آباء وأجداد عاشوا في بلاد الشام مئات السنين بينما كان الخلفاء يقتلون كل من يخالفهم؟! من أين أتيت بفريتك هذه؟! أم تراك تشير إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ»؟ فإن كان هذا الحديث أو ما يشاكله هو ما تهاجمه، فها أنت من جديد تجرؤ على الإساءة إلى رسول المسلمين دونما أي تحفّظ أو لباقة! وعلى كلٍّ نسألك أيها النبيه: ألا ينص دستورك اللبناني على عقوبة الإعدام لمن تثبت عليه تهمة الخيانة العظمى؟! ألم تنفذ دولتك اللبنانية سنة 1949 عقوبة الإعدام على زعيم الحزب الذي حاول انتزاع السلطة بالقوة من طريق عملية انقلابية؟! فكيف تنكر على الشريعة الإسلامية أن تعاقب من يعمل على شق الدولة أو الانقلاب على سلطتها الشرعية بالإعدام؟! إن أمرك لأمر عجاب!
يا جبران باسيل، ويا تيار باسيل، ويا زعيم التيار: إنكم تتحدثون عن سطو منظم على حقوقكم. وقومكم قد سطوا على السلطة كاملة في لبنان عشرات السنين منذ إعلان الجمهورية وهم لا يزيدون على النصف في أحسن أحوالهم. واليوم تشددون على حقكم المزعوم في نصف مقاعد مجلسي النواب والوزراء وسائر الوظائف العليا بل وما دون العليا، بينما أنتم لا تشكلون أكثر من ثلث الناخبين! وها هو تياركم بعد أن التحق بحلف الأقليات يستحوذ وحده على ثلث مجلس الوزراء ويستولي على عدد من أهم الوزارات في البلد، وبعد ذلك تشتكون من السطو على حقوقكم! ... شيئًا من الحياء يا قوم!
أما أنتم يا حلفاء التيار العوني: ألم تسمعوا هذا الوزير يسيئ إلى قرآنكم ونبيكم وشريعتكم؟! ألم يستفزّكم خطابه كما استفزّكم الخطاب المسيء إلى زعاماتكم؟! لِمَ لم تردّوا عليه ولا بنصف كلمة؟! أيهون عليكم قرآنكم وشريعتكم فداء لحلفكم الآثم؟! يا لها من أيام عجاف في تاريخكم! أتراكم سمعتم يومًا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سَيَأْتِى عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ فِى أَمْرِ الْعَامَّةِ».