هَرْوَلة الأزهر إلى أين ؟!
هَرْوَلة الأزهر إلى أين ؟!
د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
طالعتنا جريدة الأهرام يوم الخميس 14 فبراير 2013 فى صفحة "فكر دينى" بعنوان غريب يقول : ".. والأزهر يعرب عن أمله فى عودة العلاقات مع الفاتيكان" !! ووَضْع عدة نقاط قبل العبارة فى هذا العنوان يعنى أن هناك كلام يسبق هذه الكلمات التى أتت ردا عليه، لكن المكتوب صيغ وكأنه يقول أن الأزهر هو الذى يأمل ويعرب عن أمله .. وياللفضيحة ، والمهانة !
هل إلى هذا الحد هان عليك الإسلام والمسلمين يا أزهر ؟؟ ما هو ذلك "الأمل" الذى يتوقعه مثل هذا الأزهر من الفاتيكان؟؟ أى أمل من أناس لا يكفون عن سب الإسلام والمسلمين رسميا ،وفى خطاب البابا الشهير فى راتسبون .. أناس لا يكفون عن ترديد وتكرار ضرورة تنصير العالم، لا يكفون عن إقامة المؤتمرات الدولية بكل إصرار لتنصير العالم.. أى أمل تبغون بعد كل ما قدمتم من تنازلات ، والقائمة طويلة مخجلة ، أن يتم تنصير الأزهر !؟
ويبدأ موضوع جريدة الأهرام كالآتى : "عبّر الأزهر الشريف هن أمله فى عودة العلاقات وحوار الأديان فى ظل المتغيرات الجديدة بعد إستقالة بابا الفاتيكان" الخ الخ.. وكأن المسألة شخصية بين بابا الفاتيكان والأزهر ! لقد كان الأزهر بالفعل قد قرر يوم 20 يناير 2011 ، فى جلسة مجمع البحوث الإسلامية، تجميد الحوار مع الفاتيكان إلى أجل غير مسمى بسبب تهجم البابا بنديكت 16 المتكرر على الإسلام. وهذا أقل القليل الذى كان يجب أن يعمله.
وهذه الجزئية من الخبر مبنية للمجهول أيضا وإن كان المجهول هنا هو كلمة "الأزهر" ، دون تحديد أى شخصية أزهرية أو حتى إدارية .. ثم تليها فقرة على لسان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، حول توضيح سبب عدم فهم الغرب لربط الإسلام بين الدين والدنيا، تليها عبارة توضيحية تقول : "جاء ذلك فى رده على إستفسار جاك ميار عمدة ميزون لافيت ، رئيس الوفد البرلمانى الفرنسى الذى زار مشيخة الأزهر أمس" ..
وهنا ندرك على الفور إن عنوان المقال جاء كإعلان رسمى من الأزهر، إعلان مبنى للمجهول، إستجابة لمطلب رئيس وفد البرلمان الفرنسى، وتمت كتابته بصيغة المجهول للتخفيف من وقع مرارته أو من الجرم الذى يحتوى عليه فى حق الدين، ذرا للرماد فى الأعين .. لكن هذا الرماد البخس لن يمنع من أن نسأل فضيلة الإمام الأكبر ، المسئول الأساس عن الأزهر : ما معنى هذه الهرولة والبابا ما زال موجود فى منصبه ويتولى مهامه البابوية حتى يوم 28 فبراير الحالى وإلى الساعة الثامنة مساء ؟! ما معنى هذه الهرولة الغريبة مجرد أن أعلن البابا تنحيه وقبل أن يغادر مقعده أو حتى قبل أن يتم إختيار خليفته ومعرفة موقفه من الإسلام والمسلمين ؟ أإلى هذا الحد الأزهر متلهف لتقديم مزيد من التنازلات ؟! إن ما يمكن أن يجزم به أى عاقل يتابع الأحداث هو أنه لا تغيير فى مثل هذه القضايا التى ترمى إلى إقتلاع الإسلام ..
إن المسألة ليست عداوة شخصية بين الأزهر والفاتيكان أو بين البابا بنديكت 16 وفضيلة الإمام الأكبر، حتى يهرول ويتمنى قبل أن يغادر الرجل مكانه ! إن المسألة متعلقة بقرارات أعلى وأكبر من كيان الفاتيكان وممن يمثله، قرارات تم فرضها على العالم فى مجمع الفاتيكان الثانى (1962ـ1965)، وهو مجمع مسكونى أى عالمى وقراراته تسرى على كافة الكنائس المنشقة بعددها الذى قارب الثلاثمائة وخمسون كنيسة، بموجب الإتفاق المبرم بينهم على الوضع السيادى لكنيسة روما ممثلة فى الفاتيكان والبابا..
إن أهم ما تمخض عنه هذا المجمع، لمجرد التذكرة لمن نسى أو تناسى :
1 ـ تبرأة اليهود من دم المسيح ، بعد أن ظلوا الفى عام يلعنونهم فى كل قداس ؛ وهو ما يثبت أنه كيان لا يعنيه حتى أن يتلاعب بنصوصه وبعقول أتباعه وفقا للأغراض السياسية !
2 ـ إقتلاع اليسار حتى لا تبقى أنظمة سياسية أخرى سوى الرأسمالية الأمريكية، وقد تم إنهيار الإتحاد السوفييتى فى مطلع التسعينات وفقا لما قرره مجمع الفاتيكان ؛
3 ـ إقتلاع الإسلام حتى تبدأ الألفية الثالثة وقد تم تنصير العالم ؛ وللعلم : لقد تم وضع الإسلام فى هذا المجمع ضمن الديانات الأسيوية، لإستبعاده عن حقيقة أنه أتى كاشفا ومصوبا لكل ما تم من تحريف فى الرسالتين التوحيديتين السابقتين، وهو القرار الصادر فى وثيقة "فى زماننا هذا" التى تتم كافة معاملات الفاتيكان مع المسلمين بموجبها ؛ وهو ما لا يكف الفاتيكان وقساوسته عن إعلانه.. ولا داعى لإضافة أن الفاتيكان للآن لا يعترف بالإسلام وحرّف وألغى إنتماؤنا لسلالة سيدنا إبراهيم موضحا أننا نتخذه مجرد مثل للإيمان !!
4 ـ قرر تنصير العالم ، ويرد هذا القرار فى كافة الوثائق التى أصدرها ؛
5 ـ فرض المساهمة فى عمليات التنصير على كافة المسيحيين الكنسيين منهم والمدنيين ، كما تم فرض المساهمة فيها على كافة الكنائس المحلية. وهو ما نرى إنعكاساته اليوم من محاولات إستفزازية من بعض كبار قيادات النصارى بمختلف فرقهم ، فهم مأمورون بذلك متناسين أهمية إنتمائهم إلى هذا البلد ، مهما كانوا أقلية. لكن من الواضح أن الخيانة تسرى فى العروق ..
5 ـ كما تم إنشاء لجنة بابوية من أجل الحوار بين الأديان ، والحوار يعنى فى كافة نصوصه التنصير؛ ولجنة بابوية أخرى من أجل تنصير الشعوب.. وكلها حقائق معلنة ومكتوبة ولا يجب ولا يجوز الإدعاء بعدم معرفتها.. فما معنى الهرولة ؟؟
وهنا لا بد من وقفة نشير فيها على مضض، لمهانتها، إلى بعض أهم التنازلات التى قدمها الأزهر فما أطول قائمة التنازلات، ومنها : أن التبشير والتنصير يتم فى مصر بموافقة الأزهر، بموجب الوثيقة التى وقع عليها فى إبريل 2005 مع وفد "سفراء السلام" وطالب النص الإنجليزى لها وحده بتغيير مناهج الأزهر !! وفى إبريل 2006 أعلنها الأنبا يوحنا قولته صراحة فى جريدة "المصرى اليوم" .. وفى أكتوبر 2007 صاغ أحد علماء الأزهر، بناء على طلب البابا بنديكت 16 ، ما عرف ب "خطاب ال 138" المشئوم، والذى نص على أننا نعبد نفس الإله، ووقع عليه ذلك الرقم 138 من كبار علماء العالم الإسلامى، سواء جهلا أم عن عمد، علماء من 44 دولة إسلامية !! ويا لجبروت التواطؤ !!
هل إلى هذا الحد يجهل بعض علماء الأزهر أننا لا نعبد "ربنا يسوع المسيح الذى عُذب وصُلب ودفن ثلاثة أيام وبُعث وصعد الى السماء وجلس عن يمين الآب الذى هو نفسه" بما أن الثلاثة واحد، كما يقولون ؟! وأنه بناء على هذا "التهريج" من جانب الأزهر تم فرض الإحتفال بعيد ميلاد "ربنا يسوع" فى 7 يناير على المسلمين، الذين يمثلون 95 % من الشعب ، عيدا رسميا ، بكل ما فى ذلك من مساس بالإسلام وثوابته ومهانة للمسلمين ؟؟
إن ما يدور على الصعيد العالمى من محاولات حثيثة لإقتلاع الإسلام بالحروب المعلنة أو الخفية، أو حتى بلا سبب كما يحدث فى ميانمار بواعز من الكنيسة هناك ، أو منها خديعة 11/9 التى نفذتها الولايات المتحدة وتلفعت بها للحصول على شرعية دولية لمحاربة الإسلام.. وكم من ملايين المسلمين تمت إبادتهم ومؤسساتنا تحتج، وتعترض، وتشجب، وترفض فى هدوء بلا أية هرولة .. يا للهول!
كل هذه الحقائق الدامغة كان الأدعى أن تجعل الأزهر، بكل من فيه، يتريّث بدلا من الهرولة.. ويرفض أى مطلب للحوار ، فمهوم الحوار الكنسى الفاتيكانى لا يعنى إلا تقديم مزيد من التنازلات حتى يتم التنصير .. فما الذى بقى لتتنازلوا عنه ؟ كان الأكرم لذلك الأزهر أن يطالب رئيس وفد البرلمان الفرنسى بتطبيق نفس الحقوق التى حصل عليها النصارى فى مصر، وعن غير وجه حق، للأقليات المسلمة التى تحاربها الحكومة الفرنسية وتعمل على ضياع هويتها الإسلامية أو طردها .. كان الأولى والأكرم للأزهر، بكل من فيه، أن يطالبوا الفاتيكان والبابا بتطبيق المعاملة بالمثل لكل ما حصلوا عليه من مطالب على الأقليات المسلمة فى جميع أنحاء العالم ، بدلا من فضائح الهرولة ..
بل كان من الأكرم للأزهر أن يتذكر محاضرة سيمور هيرش التى قالها فى 17 يناير 2011 بالدوحة، فى مركز الدراسات الدينية الدولية ، متحدثا عن القلق الذى إنتاب البعض أيام تشينى ، حين أوضح :"ألم يدركوا بعد ؟ سوف نحوّل المساجد إلى كاتدرائيات. وعندما نستولى على كافة منابع البترول فلن يحصل أى فرد على قطرة منه" !! وهم يتوعدون وينفذون..
بل لقد كان من الأكرم للأزهر، عند الله وعند كافة المسلمين، أن يهرول لإنقاذ المسجد الأقصى، إن استطاع أحد أن ينقذه ، ولا أقول إنقاذ القدس، التى تم تهويدها وانتهت، فقد بدأ الصهاينة فعلا فى تنفيذ مشروع بناء المعبد ...
وتقف الكلمات الحلق !