مأساة القَرن في (حماة) تنتظر القصاص
د. محمد بسام يوسف
لو تحرّك ضمير أدعياء العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، باتجاه مجزرة حماة ومأساتها التي بدأت في الثاني من شباطٍ لعام 1982م.. لَـما قُتِلَ الرئيس رفيق الحريري، و لَـما اغتيل مَن سبقوه ومَن لحقوا به.. بدمٍ بارد، ولما أُخرِجَ المقاومون الفلسطينيون من لبنان، ليحلّ محلّهم حرّاس الصهاينة ونواطير يهود، من مرتزقة خميني وخامنئي وقاسم سليماني.. ولَـما استمرّت الحرب العدوانية المجوسية على العراق الشقيق –آنذاك- ست سنواتٍ إضافية، قُتِلَ فيها مئات الآلاف من العراقيين والعراقيات.
لو كان العالَم المسمى بالعالَم (الحرّ) مُنصفاً مؤمناً بالمبادئ الإنسانية التي يتشدّق بها.. لكان سدنة العصابة الحاكمة في دمشق، مُصَفَّدين في (لاهاي) منذ ثلث قرن، مكفوفي الأذى والفساد والاستبداد والعدوان الذي يملأ اليوم كلَ أركان سورية وربوعها!..
أربعون ألف شهيد، من الشباب والنساء والأطفال والشيوخ والعجائز.. ومثلهم من المفقودين.. وثلاثة أضعافهم من المهجَّرين الحمويين.. وثلث قرنٍ مضى على وقوع المأساة.. وما تزال حماة لا بواكي لها، ولا قاضي عادلاً يُنصفها، أو يقتصّ من مقترفي مأساتها، الذين ملأوا الأرض جَوْراً وفجوراً وخيانة!..
* * *
لم تكن هناك مئات (الكاميرات) المسخَّرة لتصوير وقائع المأساة، لأنّ الآثمين يعرفون تماماً، أنّ ما يقومون به جريمة بشعة، بحق الوطن وأبنائه وبناته وشيوخه وعجائزه وأطفاله، بل بحق الإنسانية والإنسان الذي كرّمه الله عزّ وجلّ. أجل.. يعرفون ذلك، فما كانوا ليسمحوا بتصوير مشاهد الجريمة الكبرى المـُنَفَّذة طوال أربعةٍ وثلاثين يوماً، فقد اقتُرِفَت في حقبة ما قبل انتشار القنوات الفضائية ومنتجات الثورة التكنولوجية والمعلوماتية.. التي أصبحنا نشهد اليوم –بواسطتها- الحروبَ متلفَزَة.. فالحرب هذه الأيام، لها (كاميراتها) وقنواتها الإعلامية والفضائية، ومراسلوها وشهودها، جنباً إلى جنبٍ مع جنودها وآلتها العسكرية وضحاياها وآلامها ومنتصرها ومهزومها!..
في ساحة الحرب، منذ ثلاثةٍ وثلاثين عاماً، لم يكن هناك (نتنياهو)، الذي يعتبر أنّ ما يقترف من جرائم، سيكون فخراً له ولرعاياه، الذين يطمح للاستحواذ على أصواتهم الانتخابية.. لذلك، فهو يعرف أنّ عليه نقل كل تفاصيل جريمته، بالصوت والصورة، نقلاً حياً مباشراً إلى المشاهدين في كل أرجاء الأرض.. بينما في (حماة) الصابرة المحتسبة، فقد كان الجاني المتسلِّط بالحديد والبارود، يعرف أنّ ما يقترفه هناك، هو جريمة تاريخية لا يمكن أن يرتكبها إلا عتاة المجرمين، الذين خانوا الله ورسوله، وغدروا بالوطن وشعبه، لذلك كان إخفاء معالم الجريمة الكبرى، أحد أهم هواجسه، ومصدر الجزء الأكبر من قلقه وهلعه.
مع ذلك.. مع كل ذلك التعتيم، فقد بقيت معالم المأساة وتفاصيلها المروّعة، محفورةً في ذاكرة الآباء والأجداد والشقيقات والأشقاء والعمّات والأعمام والخالات والأخوال، الذين كتب الله لهم الحياة، بعد أن فقدوا أربعين ألفاً من أرحامهم، ورأوا بأعينهم جنود (هولاكو سورية)، وهم يقتلون ويدمِّرون ويهتكون ويسرقون وينهبون ويعتقلون ويعذِّبون ويروِّعون!.. كل ذلك ما يزال محفوراً في أخاديد الذاكرة، التي ما تزال تعرض شرائط الجريمة حيةً رطبةً بالغة الوضوح.
* * *
منذ ثلث قرن، ما تزال المشاهد حيّةً في الذاكرة المتوارَثة عبر الأجيال، لأنّ أحداً من المجرمين أو ورثتهم من سليلي الخيانة والغدر، لم يعمل على التخفيف من عمق الجريمة، وتأثيراتها في النفوس والتاريخ والقلوب، ولم يعمل على (تبهيت) ألوانها، لمصلحة وطنٍ وشعبٍ وأمة، بل زاد عليها، مزيداً من الألوان والخطوط والمنحنيات، لأنه خائن منسجم مع جذوره، غريب عن سورية الوطن والشعب.. فكانت الجريمة المرتَكَبَة في (حماة)، إحدى أساسات الثورة العارمة المستمرّة على الطغيان، التي ستكنس –بإذن الله- الخونة المجرمين من أرض الشام، وتستأصل جذورهم وحلفاءهم الوالغين بدمائنا، من طغاة قُمٍ وطهران، وعصابات الساكتين عنهم.