سجون الحوثيين السرية
د. محمد جميح
وثقت منظمات حقوقية يمنية وجود سجون سرية تحوي أعداداً غير محددة من المعتقلين. وفي تقرير لمنظمة «وثاق» لحقوق الإنسان ذكرت المنظمة قبل فترة، أن لدى جماعة الحوثي 86 سجنا منها 61 في محافظة صعدة وحدها، بالإضافة إلى السجن المركزي الكبير الذي يتبع الدولة، والذي استولت عليه الجماعة، ويقول التقرير الحقوقي، إن لدى الجماعة 11 سجناً في محافظة عمران، بالإضافة إلى السجن المركزي الذي سيطرت عليه مليشيات الحوثي كذلك، وفي محافظة حجة يملك الحوثيون 9 سجون مقابل سجنين للدولة. وفي صنعاء أنشأ الحوثيون 5 سجون وهو العدد نفسه الذي تملكه الدولة في العاصمة، وقد سيطر الحوثيون عليها، ولا يعلم بالضبط عدد السجون السرية للحوثيين في المحافظات الأخرى، خاصة محافظات الحديدة وإب والبيضاء، حيث يخوض الحوثيون مواجهات مع ناشطين مدنيين، ومع رجال قبائل مسلحين من جهة أخرى.
وقد حول الحوثيون منزل القائد العسكري علي محسن الأحمر في العاصمة إلى سجن، قيل إن مدير مكتب رئيس الجمهورية الدكتور أحمد عوض بن مبارك قد احتجز فيه بعد أن خطفته جماعة الحوثي، قبل أن تفرج عنه مشترطة تخليه عن منصبه وسفره خارج البلاد.
ومعظم المعتقلين لدى الحوثي هم من معارضيهم سياسياً، ومن الشباب الذين يقومون أو ينظمون التظاهرات اليومية في مدن البلاد، احتجاجاً على وجود المليشيات في المدن. غير أن الحوثيين غالباً ما يلفقون للمتهمين تهماً أخرى من مثل «الاستماع للأغاني»، و»الأناشيد التكفيرية»، ومعاداة «المسيرة القرآنية»، و»الخروج عن الآداب الإسلامية»، ناهيك عن تهم الانتماء إلى تنظيم «القاعدة» والتكفيريين على حد توصيفات الجماعة.
وقد ذكرت رئيسة منظمة «مواطنة» لحقوق الإنسان، رضية المتوكل، أنها رأت في إحدى زياراتها لمحافظة صعدة حالة اعتقال لمواطن من قبل الحوثيين ولمدة زادت عن العامين، بتهمة «عدم ارتداء سروال داخلي»، وطالبت الناشطة الحقوقية بفتح سجون الحوثيين أمام منظمات حقوق الإنسان، غير أن دعوتها ذهبت أدراج الرياح. والعجيب أن الحوثيين عندما كانوا في صفوف ثوار 2011 كانوا لا يكفون عن المطالبة بإطلاق المعتقلين من الثوار الشباب، واليوم يواجه الحوثيون هؤلاء الشباب الذين خرجوا في 2011، ويعيدونهم إلى سجون سرية لا يصل إليها أحد، وقد فاقت أعداد من اعتقلهم الحوثيون بشكل مضاعف أعداد الذين اعتقلهم نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بل إن بعض المعتقلين الذين اعتقلوا على عهد الرئيس السابق من ثوار 2011، آلت مسؤولية اعتقالهم إلى الحوثيين الذين أصبحوا اليوم السلطة الفعلية في العاصمة صنعاء وكثير من المدن الأخرى، والذين يستمرون في اعتقال شباب فبراير 2011.
ومن الشباب الذين غيبوا في المعتقلات من دون محاكمة مجموعة ممن أوقفوا على خلفية الاشتباه بهم في حادثة جامع الرئاسة اليمنية، الذي أصيب فيه الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعدد من كبار مسؤولي الدولة آنذاك، غير أن بقاءهم متن دون محاكمات لسنوات طويلة أمر يتحمل مسؤوليته نظام صالح والحوثيون اليوم، مع العلم أن الرئيس عبدربه منصور هادي قد أعطى أوامر بالإفراج عن بعضهم لعدم ثبوت التهمة عليهم، ومن الذين صدرت أوامر رئاسية بالإفراج عنهم من دون تنفيذ إبراهيم الحمادي وشعيب محمد البعجري، وغيرهما من شباب فبراير 2011 الذين يتحمل الحوثيون اليوم المسؤولية عنهم. وقبل شهور قام الحوثيون باختطاف سام الأحمر وهو ابن عم صادق الأحمر شيخ قبيلة حاشد، بعد أن اقتحموا منزل الأحمر، وأخذوا ابن عمه إلى مكان مجهول، ومن حينها لا يعرف أحد أين مكان اعتقاله، ولا ماهية التهم الموجهة إليه بشكل واضح. وقد تداولت وسائل إعلام حوثية أنه متهم بقتل كل من عبدالكريم جدبان وأحمد شرف الدين عضوي الحوار الوطني عن الحوثيين، ومحمد عبدالملك المتوكل أمين عام اتحاد القوى الشعبية المقرب من الحوثيين، وهي تهم كبيرة لم يقدم على أساسها الأحمر للمحاكمة، ولم توجه له بشكل رسمي. والحقيقة أن تهمة سام الأحمر هي أنه واجه الحوثيين ضمن معارك شرسة كانت للدفاع عن حاشد وصنعاء.
وبالإضافة إلى عدم سماح الحوثيين بأي زيارة لمعتقليهم في السجون السرية، لا لأسر المعتقلين، ولا لناشطي حقوقيين، فإن بعض الخارجين من هذه السجون تحدثوا لوسائل إعلام عن ممارسات غير إنسانية يتعرضون لها في هذه السجون التي يعد وجودها خرقاً للقانون اليمني الذي ينص على منع الاعتقال من دون أمر قضائي، وعلى ضرورة توفير محاكمة عادلة للمتهمين، وإتاحة الفرصة لهم لتوكيل من يترافع للدفاع عنهم. ويستعمل الحوثيون وسائل تعذيب مختلفة من الضرب، ووضع فوهات البنادق على رؤوس المعتقلين، والركل بالأرجل وأعقاب البنادق، والعزل الانفرادي، ويلجأون في أحيان كثيرة للتصفية الجسدية للمعارضين.
وبالمجمل، هناك سجون سرية للحوثيين، بالإضافة إلى السجون الحكومية التي سيطروا عليها، حيث يمارس الحوثيون كل أشكال الممارسات اللاإنسانية ضد المعتقلين الذين يقضون سنوات من دون أن توجه لهم تهمة، أو أن يحالوا إلى القضاء.
كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»