مواقف الخارجين عن الإخوان
فجور في الخصومة أم شماتة وتصفيه حساب
أم سوء تقدير موقف؟؟؟
جمال زواري أحمد ـ الجزائر
ونحن نتابع الأحداث في مصر ، والمرحلة الحاسمة واللحظة الفارقة التي تمر بها ، ومعركة الشوط الأخير التي يقوم بها أعداء المشروع الحضاري الإسلامي للحيلولة دون التمكين له في مصر قلب العالم العربي وقاطرته ، لإدراكهم أن نجاحه وتعميق أسسه ، والوصول به ليكون حقيقة وواقعا هناك ، يعني أول ما يعني ، أن يغري كل شعوب المنطقة لتعميم النموذج ونقل التجربة وانتقال العدوى وتحقيق أشواق كانت تعانقها لعشرات السنين ، لذلك لا نستغرب أن تجتمع كل الأطراف الداخلية والخارجية المشكلة لمشهد مخطط التآمر ، الواضح المعالم ، المكشوف الأطراف الساعية فيه والدافعة إليه والممولة له والنافخة في فتنته.
والهدف ليس إسقاط شرعية الرئيس مرسي فحسب ، وإنما السعي الحثيث لإفشال التجربة ككل منذ بدايتها ، وليس المستهدف الإخوان فقط ــ وإن كان قدرهم الذي يشرفهم أن يكونوا في مقدمة وصدارة ذلك ــ كما يريد بعض الخارجين عن الإخوان أن يقنع نفسه ويغالط به الآخرين ، وإنما المستهدف الحقيقي هو المشروع الحضاري الإسلامي ككل ، كائنا من كان حامله ورائده ــ وإن كان أحد هؤلاء الخارجين أنفسهم ــ .
لذلك لا غرابة على وجه الإطلاق أن نرى هذا الاصطفاف الحاصل ، والذي يجلّي الصورة جيدا لكل المتابعين المنصفين ، حتى من الغربيين أنفسهم ، فكل خصوم الفكرة الإسلامية بل وأعدائها ، من مسيحيين متعصبين وناصريين ويساريين وفلول النظام البائد ، حتى من أصموا آذاننا في الفضائيات فيما سبق ، في المرافعة للحرية والقومية والديمقراطية والانتخابات النزيهة وحكم الشعب واختياره الحر ومحاربة الاستبداد وغيرها من الشعارات ، لكن بمجرد حدوث الاصطفاف والمؤامرة على التجربة والسعي لإسقاطها ، اختاروا معسكرهم بدون تردد ، حيث تخندقوا وتجندوا بشكل طبيعي ، في مسعى إفشال التجربة في مهدها ، قبل أن تتمكن وتتجذر شعبيا ورسميا ــ في اعتقادهم ــ فيصعب عندها فعل ذلك ، وضرب المشروع منذ شهوره الأولى ، وإن جاء ديمقراطيا وشعبيا .
لذلك أيضا لا نستغرب كذلك اصطفاف كل القوى الإسلامية ، وإن اختلفت فيما مضى بشكل كبير مع الإخوان ، لكنها جميعها أدركت طبيعة المؤامرة وحقيقة المخطط وجدية المسعى بالشكل الذي ذكرناه ، فتناست خلافاتها واصطفت بعزم لحماية التجربة والدفاع عنها واحتضانها والوقوف بحزم في وجوه كل عرّابي مخطط الإفشال ومؤامرة إسقاط الشرعية ، ومعهم كل الشرفاء حتى من غير الإسلاميين ، لترى بعض مظاهر الاستماتة المشرفة والمفرحة والتي ترفع الرأس ، في الدفاع عن المشروع والشرعية والتجربة ، من الإسلاميين من غير الإخوان من سلفيين أو جهاديين سابقين أو وسط أو مستقلين أكثر وأوضح في بعض الأحيان حتى من بعض الإخوان ، وهو مكسب إستراتيجي كبير للمشروع الحضاري الإسلامي ، له مردوده العملي المهم حاضرا ومستقبلا ، هذا التعاون والتنسيق ومظاهر الوحدة العملية الميدانية ، يحسب للقوى الإسلامية في مصر ، ويصب نقاطا ثمينة في صالح الأمة ككل وليس مصر فحسب.
لكن الظاهرة الملفتة للانتباه في كل ذلك ــ والمؤسفة في نفس الوقت ــ هي مواقف معظم الخارجين عن الإخوان ــ مهما كانت أسباب هذا الخروج ــ من هذا الاصطفاف ومن هذا المخطط ، حيث نرى ــ للأسف الشديد ــ الكثير من الفجور في الخصومة غير المبرر على الإطلاق ، وانخراط في مسعى الإفشال ، والمشاركة في حملات التشكيك والتخويف من المشروع وأهله ــ من بعضهم على الأقل ــ في بعض الأحيان أشد وأعنف ممّا نراه من عتاة أعداء المشروع الحضاري الإسلامي وخصومه من اليساريين والناصريين ، بل نرى ونسمع من بعضهم تشفيا لا نظير له ، وسعي بعضهم في اكتساب نقاط ــ هكذا يعتقد ــ في الوقت غير المناسب ، على حساب إخوانه القدامى ، ومن ثم اختار الموقف والموقع الخطأ ، رغم أن التاريخ يقول : أن هؤلاء الأعداء والخصوم للمشروع ككل وليس للجماعات والأشخاص فقط ، يعادون المشروع وأصل الفكرة مهما كان حاملها وواجهتها ، لذلك فإنهم لن يغفروا لأيّ كان انتماءه القديم والجديد كذلك مادام مازال في دائرة الفكرة وإن غادر التنظيم ، مهما حاول بعض هؤلاء الخارجين التنصل من ذلك ، والظهور بمظهر يخالف ما كان عليه ، والتودد لهؤلاء على حساب إخوانه القدامى ومن اصطف معهم بل وللمشروع ككل.
هذا لمن يدّعون الحياد منهم في الصراع الحاصل الآن ، أمّا من اصطفوا بشكل واضح في الصف المقابل وانخرطوا في الحملة والمخطط ، سواء شماتة وتشفي في إخوانهم وجماعتهم ، سواء فجور في الخصومة وتصفية حساب معهم ، سواء تخندق حقيقي ، ليرضى عنهم هؤلاء ، فهم واهمون ، وينطبق عليهم ما قاله ابن الجوزي رحمه الله : كمن يتطهر بالبول ، يعتقد أنه قد تخلص وتتطهر ، وهو قد تضاعفت نجاسته ، ونقول لهؤلاء جميعا : تأكدوا أنه لن يغفر لكم هؤلاء تاريخكم يوم كنتم مع إخوانكم ، مهما فعلتم ومهما تنازلتم ومهما بدّلتم ، لأن السجلات عندهم أغلقت بشكل أبدي على من فيها منذ مدة ، ولن يعترفوا مطلقا بمن سقط من القائمة أو محي اسمه منها لأي سبب من الأسباب ، ومهما فعل هذا الخارج أو المنسحب أو المخرج ، لينسيهم في ذلك ، فهو باق عندهم مسجلا في السجل المغلق غير القابل لتعديل قوائمه ، وإن أظهروا لكم غير ذلك.
فمن شديد الأسف أن يقع في ذلك أو في جزء منه ، قامات كبيرة كنا نكن لها كل الاحترام والإكبار والتقدير مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور كمال الهلباوي.
وتابعوا معي لملاحظة هذه الظاهرة البائسة بشكل متجرد مواقف وتصريحات وسلوكات الأساتذة : ثروت الخرباوي ومختار نوح وهيثم أبو خليل وعبد الجليل الشرنوبي وإسلام لطفي وبقية القائمة ، خلال هذه الأزمة .
وإن شذ عن الظاهرة ، ونجح في هذا الامتحان العسير بامتياز ، وكبر في أعين الجميع : المهندس أبو العلا ماضي والأستاذ عصام سلطان ، وبدرجة أقل الدكتور محمد حبيب والدكتور إبراهيم الزعفراني ، فلهم منا كل التحية.