من قتل الحسين ؟.. زيارة جديدة للتاريخ

خالد سندي

في هذه الأيام، في العاشر من شهر محرم الجاري، ستطل علينا ذ?ری إستشهاد الحسين بن علي (رضي الله عنه)، وسوف ينزل الشيعة الشوارع، ويسيرون في موا?ب، وسوف نری البسطاء والمغررين بهم، يلطمون وجوههم، ويضربون أنفسهم بالسلاسل ورٶوسهم بالسيوف، ويسيلون دماءهم ودماء أطفالهم وحتی الرضع منهم، ومنهم من يتمرغ في الوحل، وتعلو أفواههم الشتائم واللعنات، ظنا منهم أنما ي?سبون من ورائها الأجر والثواب الجزيل.

ل?ن الذي لا يحدث، أن أحدا من هٶلاء لا ي?لف نفسه عناء البحث عن حقيقة ما جری في ?ربلاء، لماذا حدث ؟ ولماذا توجه الحسين إلی ال?وفة ؟ ومن قتل الحسين حقيقة ؟ ولماذا لا يفعلون ذلك لوالده علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مع أنه ?ان أفضل من الحسين وقتل غدرا يوم الجمعة وهو في طريقه إلی المسجد لأداء صلاة الفجر ؟! وإستشهاده ب?ل تأ?يد ?ان أفجع، إذ ?ان خليفة المسلمين ورئيس أ?بر دولة في عصره ؟! ولماذا لا يفعلون ذلك لرسول الله (صلی الله عليه وسل) وهو أفضل خلق الله، وموته ?ان أفجع ب?ثير من موت الحسين ؟

جوابا لهذه الأسئلة، نقوم بزيارة جديدة للتاريخ، لن?شف معا الحقيقة علی ما هي عليها ووضعها أمام الأنظار. وسوف يجد القارئ مسائل ?ثيرة، ربما ت?ون جديدة عليه، لم يقرٶها أو لم تطرق مسامعه من قبل، وخاصة المحطات البارز‌ة في الحدث، لأن أصحاب العمائم السوداء والبيضاء، الذين يضفون علی أنفسهم ألقاب التعظيم والتبجيل ?ـ (ولي الفقيه، آية الله، آية الله العظمی، حجة الإسلام والمسلمين) تلك الألقاب التي ما ينزل الله بها من سلطان، هٶلاء لا يريدون أن يطلع عليها الشيعة، ويحاولون تشويهها بألف وسيلة ووسيلة. ومع ذلك لا أقول خذوا ?ل ما أقول غامضي الأعين، بل أٶ?د علی الرجوع إلی ?تب التاريخ، ?تب الشيعة أنفسهم، وما ?تبه المٶرخون، وحققوا بأنفس?م، دون الإعتماد فقط علی أقول المعممين لأن هٶلاء من أجل حفظ مصالحهم المادية عن طريق إبتزاز أموال الشيعة بإسم الخمس، يحاولون دوما التستر علی الحقائق ولهم قصب السبق في ذلك.

لنعود إلی البداية، يوم صالح الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهم) وتنازل الحسن عن الخلافة له، نجد أن الأمن والإستقرار قد إستتب في البلاد، وأن الحسن والحسين ?انا يترددان علی معاوية وأنه ?ان ي?رمهما إ?راما زائدا، ويعطيهما العطاء الجزيل، وحتی بعد وفاة الحسن (رضي الله عنه) ?ان الحسين يفد إلی معاوية في?رمه ويعطيه. و?ان الحسين ضمن الجيش الذي غزا القسطنطينية بقيادة يزيد بن معاوية عام 51 هـ (1).

ولما أراد معاوية في حياته أخذ البيعة لإبنه يزيد لتولي الخلافة بعده رفض عدد من الصحابة والتابعين مبايعته؛ منهم الحسين وعبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وعبدالله بن الزبير ومحمد بن الحنيفية وهو إبن علي بن أبي طالب من غير فاطمة (رضي الله عنها) وغيرهم، إذ لم يجدونه أهلا لها. ل?ن فيما بعد بايعوه إلا الحسين وعبدالله بن الزبير أصرا علی مخالفته وعدم مبايعته، ففرا إلی م?ة.

وبعدما تواتر خبر الحسين وجد أهل العراق من أتباع إبن سبأ اليهودي فرصتهم الذهبية ليعيدوا الوضع إلی سابق أيامه من الفوضی وضرب وحدة الصف الإسلامي، ?ما فعلوا ذلك بالخليفتين الراشدين عثمان وعلي (رضي الله عنهما) ومن ثم ضربوا الحسن بالخنجر وجرحوه وشتموه، ونهبوا أمواله حتی لم يتر?وا له البساط الذي ?ان يصلي عليه، وجد هٶلاء في خبر الحسين فرصتهم المٶاتية وضالتهم المنشودة، فبدأوا يراسلونه ويستقدمونه عليهم ويعطونه العهود والمواثيق لمبايعته. ولما ?ثرت الم?اتبات والمراسلات بين الطرفين، أوفد إليهم الحسين إبن عمه مسلم بن عقيل لتقصي الأمور والتأ?د من صدق نواياهم ومدی جديتهم. فما أن وصل إبن عقيل ال?وفة حتی تهافتوا عليه تهافت الفراشات علی النار من ?ل جانب، وبلغ عدد الذين بايعوه في أيام قلائل ثمانية عشر ألفا ومن ثم بلغوا عشرون ألفا.

وبناءا علی تلك البيعات والحفاوة والت?ريم الذي وجده منهم ?تب إلی الحسين يطلب الوفود عليهم ويحثه علی القدوم. وجاء في ?تاب مسلم للحسين، وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة، " ان لك ها هنا مائة ألف سيف فلا تتأخر" (2).

ل?ن الذي لم ي?ن في الحسبان، أو بالأحری لم يحسب إبن عقيل حسابه هو أن خبره وخبر البيعات التي يأخذها قد وصل يزيد بن معاوية في الشام، ولم يعلم بها لا الحسين ولا إبن عقيل. و?ذلك لم يضعا في حسابهما ما الذي سيفعلانه فيما لو علم بهما يزيد. و?انت الطامة ال?بری ت?من هنا، أن عملهما، رغم خطورته، لم ي?ن يسير وفق خطة مدروسة، وبدون تخطيط مسبق.

علی ?ل حال، وصلت الرسالة إلی يد الحسين وهو يٶدي مناسك الحج، فقطع مناس?ه وطاف بالبيت والصفا والمروة وجعلها عمرة، وتحرك بسرعة نحو المدينة المنورة. وفي م?ة رأی فرزدق الشاعر، فسأله الحسين عما خلفه، فشرح له الوضع بعبارة مقتضبة: " قلوب الناس معك وأسيافهم عليك " (3). ل?ن الحسين مضی سبيله.

واتفق خروجه من مكة أيام التروية، أي الثامن من شهر ذي الحجة، قبل مقتل مسلم بيوم واحد، فإن مسلما قتل يوم عرفة. ولم يعلم الحسين بشيء من ذلك (4)، وهذا دليل ملموس أن الحسين ما ?ان يعلم شيئا عن الغيب ?ما يدعي علماء الشيعة الإثني عشرية، ولو ?ان يعلم شيئا من هذا القبيل ما ?ان يجهل ?ل هذه الأمور ؟!

وأما من ناحية يزيد، فبعد وصول خبر مسلم بن عقيل إليه وما يقوم به من أخذ البيعة للحسين، أشير إليه بضم ال?وفة إلی إمارة إبن زياد، الذي ?ان واليا علی البصرة، فأمر بذلك و?تب يزيد إلى ابن زياد أن إذا قدمت الكوفة فاطلب مسلم بن عقيل فإن قدرت عليه فاقتله أو انفه.

وما أن وصل إبن زياد ال?وفة حتی إستقبله أهلها وسلموا عليه ظنا منهم أنه الحسين. وبعدما علموا أنه إبن زياد، عامل يزيد، هاجموا عليه حتی إضطر إلی التحصن في قصر الإمارة وغلق الأبواب دونه. وبعد أيام إستطاع عن طريق الترغيب والترهيب، عن طريق شرائهم بالمال والتهديد بقدوم جيش من الشام، أن يخذل الشيعة، الذين ?انوا بايعوا حسينا، عن إبن عقيل، فبدأوا ينصرفون عنه مسلم بن عقيل شيئا فشيئا حتی وجد نفسه في النهاية وحيدا فريدا طريدا، وحتی لم يجد من يٶويه، ومن ثم قبض عليه.

ولما أراد إبن زياد قتله ب?ی وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال بعض من حوله: إن من يطلب مثل الذي تطلب لا يبكي إذا نزل به هذا، فقال: أما والله لست أبكي على نفسي، ولكن أبكي على الحسين، وآل الحسين، إنه قد خرج إليكم اليوم أو أمس من مكة، ثم التفت إلى محمد بن الأشعث فقال: إن استطعت أن تبعث إلى الحسين على لساني تأمره بالرجوع فافعل، فبعث محمد بن الأشعث إلى الحسين يأمره بالرجوع فلم يصدق الرسول في ذلك، وقال: كل ما حم الإله واقع. (5).

وفي المدينة بعد وصول الحسين إليها، وهو لا يعلم ما جری لمسلم بن عقيل، أشار إليه ذوو الرأي والنصيحة، أمثال عبدالله بن عباس ومحمد بن الحنيفية وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وصحابة آخرون، بعدم الخروج، وأن أهل ال?وفة أهل غدر وخيانة ونقض العهود، وما ?ان يرون في خروجه مصلحة، ل?ن الحسين (رضي الله عنه) لم يسمع ?لامهم وأصر علی المسير بسبب ?ثرة الرسائل التي ?ان قد تلقاها منهم، والتي بلغت خمسمائة رسالة، إضافة إلی الوعود التي قطعوها له.

قال له ابن العباس: يا ابن عم، قد بلغني أنك تريد العراق، وإنهم أهل غدر، وإنما يدعونك للحرب، فلا تعجل، وإن أبيت إلا محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن، فإنها في عزلة، ولك فيها أنصار وإخوان، فأقم بها وبث دعاتك، واكتب إلى أهل الكوفة وأنصارك بالعراق فيخرجوا أميرهم، فإن قووا على ذلك ونفوه عنها، ولم يكن بها أحد يعاديك أتيتهم، وما أنا لغدرهم بآمن. وأضاف: إنهم من خبرت وجربت وهم أصحاب أبيك وأخيك وقتلتك غدا مع أميرهم، إنك لو قد خرجت فبلغ ابن زياد خروجك استنفرهم إليك، وكان الذين كتبوا إليك أشد من عدوك، فإن عصيتني وأبيت إلا الخروج إلى الكوفة فلا تخرجن نساءك وولدك معك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان، ونساؤه وولده ينظرون إليه (6).

وجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبدالله ! إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج إليهم، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم نيات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف (7).

وأما ابن عمر فقد كان بمكة فبلغه أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال، فقال: أين تريد ؟ قال: العراق، وإذا معه طوامير وكتب، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: لا تأتهم، فأبى.

فقال ابن عمر: إني محدثك حديثا، إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع. فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: " استودعك الله من قتيل " (8).

وحتی أن أخوه محمد بن علي نصحه بعدم الخروج ل?ن دون جدوی لذلك لم يرسل معه أبناءه، حتی وجد حسين في نفسه شيئا تجاهه، فسار هو ومن إلتحق به، وهو لا يعلم ما ينتظره. 

وكان عبيدالله بن زياد أمر أخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة، فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج، وأقبل الحسين عليه السلام لا يشعر بشيء حتى لقي الأعراب، فسألهم فقالوا: لا والله ما ندري، غير إنا لا نستطيع أن نلج (أو نخرج). فسار تلقاء وجهه عليه السلام (9). وما أن نزل الثعلبية ممسيا حتی أخبر عن مقتل إبن عقيل وخيانة أهل ال?وفة له. فهم بالرجوع لما عرف بقتل مسلم بن عقيل، وأشير عليه بالعود، فوثب إليه بنو عقيل، وقالوا والله لا ننصرف حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أبونا. فقال عليه السلام: لا خير في العيش بعد هؤلاء (10).

وفي رواية أنه لما أصر إبنا مسلم علی ثأر أبيهما سار الحسين حتى إذا كان بزرود ( موضع بطريق مكة بعد الرمل) بلغه أيضا مقتل الذي بعثه بكتابه إلى أهل الكوفة بعد أن خرج من مكة ووصل إلى حاجر، فقال لمن معه: خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الإنصراف فلينصرف من غير حرج عليه، وليس عليه منا ذمام، قال: فتفرق الناس عنه أيادي سبأ يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة، وإنما فعل ذلك لأنه ظن أن من اتبعه من الأعراب إنما اتبعوه لأنه يأتي بلدا قد إستقامت له طاعة أهلها، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون علام يقدمون، وقد علم أنه إذا بين لهم الأمر لم يصحبه إلا من يريد مواساته في الموت معه (11).

ورغم ذلك لم يجد الحسين بدا من مواصلة المسير وإن لم ي?ن مقتنعا ولم يری جدوی في ذهابه إلی ال?وفة بعد الذي فعلوه.

وعندما وصل القادسية ووجد أهل ال?وفة الذين ?انوا بايعوه وأعطوه العهود والمواثق ضمن جيش إبن زياد بقيادة الحر بن يزيد. وبعد إداء صلاة الظهر قال لهم الحسين بعد أن حمد الله وأثنی عليه: أيها الناس، إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم، أن اقدم علينا فإنه ليس لنا إمام، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق؛ فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم، وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم»، فسكتوا عنه ولم يتكلم أحد منهم بكلمة (12).  

ولما رأى أن لا سبيل له إلى العود ولا إلى دخول الكوفة، سلك طريق الشام سائرا نحو يزيد بن معاوية، فسار حتى قدم علی عمر بن سعد والتقی به وقال له: إختاروا مني؛ إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أن أضع يدي في يد يزيد، إبن عمي، ليرى في رأيه، وإما ان تسيروني إلى ثغر من ثغور المسلمين، فأكون رجلا من أهله لي ما له وعلي ما عليه (13).

والحسين طلب ذلك لأنه ?ان يعلم أن يزيدا لن يقتله لأن أباه معاوية لما احتضر أوصاه بما أوصأه به، وقال له: انظر حسين بن علي، بن فاطمة بنت رسول الله، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به، يصلح لك أمره، فإن يكن منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه (14).

وقبل إبن زياد مطلبه في البداية، ل?ن شمر بن ذي الجوشن (وله من الله ما يستحق) و?ان من شيعة علي وممن إشترك في معر?ة صفين وبعد التح?يم الذي جری بينه وبين جيش معاوية إنقلب عليه مع الخوارج و?فره وحاربه، قام إلی إبن زياد وقال له: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك ؟! والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة ولتكونن أولى بالضعف، فلا تعطه هذه المنزلة، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة، وإن عفوت كان ذلك لك (15).

في الحقيقة رغم تتبعي في ?تب الشيعة أنفسهم و?تب التاريخ، لم أظفر بدليل صحيح يشير إلی أمر يزيد بقتل الحسين، وهذا ليس دفاعا عنه ولا تبرئة لساحته، فإن ?ان لدی أحد دليل صحيح بسند صحيح فليذ?ره لنا مش?ورا مع ذ?ر المصدر والباب الذي ذ?ر فيه ليتسنی لنا التحقيق فيه ونرجع عن قولنا أن ?ان صحيحا.

وبعد بدء القتال، ورغم إشتداده وسقوط ?ثير من القتلی والجرحی، ?ان ?ثيرون يتجنبون قتل الحسين (رضي الله عنه) ولا يريدون أن يبتلوا بدمه، حتی رماه الشقي شمر بن ذي الجوشن (وله من الله ما يستحق) بحربته فسقط صريعا من فرسه. ومن ثم جز رأسه المبارك وأتی به إلی إبن زياد (ولهما من الله ما يستحقان)، وقيل جزه خولي بن يزيد الأصبحي. وأوتي بيته إلی ال?وفة، فتظاهر البعض منهم بالب?اء عليه، فقال لهم علي بن الحسين (رضي الله عنه): إن هؤلاء يبكون علينا، فمن قتلنا غيرهم؟ (16).

وقالت زينب، أخت الحسين: يا أهل الكوفة ! يا أهل المكر والغدر والخيلاء، أنا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا.. وإضافت: أكرمنا الله بكرامته، وفضلنا بنبيه صلى الله عليه وآله على كثير من خلقه تفضيلا، فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالا، وأموالنا نهبا، كأنا أولاد الترك أو كابل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم، قرت بذلك عيونكم، وفرحت به قلوبكم، اجتراءا منكم على الله، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين ".

ودعت عليهم قائلة: " تبا لكم! فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حل بكم، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم ويذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين " (17).

وأما ما يقال أن الحسين رفع طفلا رضيعا وتوسل به من أجل السماح له لجلب الماء للطفل الذي ?ان يب?ي عطشا، ف?لام مختلق ولا أصل له، بل إستحدثه الوضاعون لدغدغة مشاعر الناس وعواطفهم، لأن الحسين الذي رفض النزول علی ح?م إبن زياد، ومن ثم وهو يری الشباب يسقطون دونه صرعی، ?يف يسمح لنفسه من أجل طفل، أن يستعطف الذين خدعوه وخانوه وغدروا به ومن ثم قاتلوه إلی جانب إبن زياد ؟! إذ ?ان الحسين (رضي الله عنه) أ?بر من ذلك، لإن الحر لا يذل نفسه أمام الذليلين.

وأما الإدعاء أن إبن زياد أرسل رأس الحسين المبارك إلی يزيد في الشام، فهذا أيضا إختلقه الذين ن?ثوا بيعتهم معه، إذ ليس فيه رواية صحيحة بسند صحيح، ومن ثم شيء غير منطقي ولا يقول به عاقل، لأن الطريق بين ?ربلاء والشام طويل، وأن الطريق آنذاك بين العراق والشام ?ان يمر بالمدينة المنورة ومكة، والمسافر يحتاج علی الأقل إلی شهر مشيا علی الأقدام ومع الحيوانات لقطع تلك المسافة. وجسم الإنسان الميت لا يتحمل هذه المدة الطويلة، بل ب?ل تأ?يد ينتن ويتفسخ، لذلك فإن هذا الإدعاء لا يقبله العقل أيضا.

أهل البيت الذين قتلوا مع الحسين:

قتل في هذه المعر?ة غير المت?افئة بطف كربلاء مع الحسين (رضي الله عنهم) ثمانية عشر شخصا من أهل البيت إضافة إلی الحسين نفسه، فمن إخوته: العباس بن علي، عبدالله بن علي، وجعفر بن علي، وعثمان بن علي، أمهم أم البنين .

وعبيدالله بن علي، وأبو بكر بن علي، اُمّهما ليلى بنت مسعود الثقفية.

ومن أبناء الحسن بن علي (رضي الله عنهما) قتل: عبدالله، والقاسم، وأبو بكر.

ومحمد، وعون ابنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب .

وعبدالله، وجعفر، وعقيل، وعبدالرحمن بنو عقيل بن أبي طالب (18).

?يف نتعامل مع الحدث ؟

لا نشك في أن إستدراج الحسين (رضي الله عنه) بالغدر والخيانة إلی ?ربلاء ومن ثم الإنقلاب عليه وقتله فاجعة مٶلمة، وجريمة لا تغتفر. ل?ن ينبغي أن نعلم ?يف نتعامل مع هذا المصاب الجلل. هل نتعامل معه بالضرب بالسيوف والسلاسل وإسالة الدماء، والتمرغل في الوحل، واللعن والشتم ؟ هل ي?ون تعاملنا بهذا الأسلوب غير الحضاري البعيد ?ل البعد عن القيم الإنسانية ؟ أم بالعودة إلی الإسلام الحقيقي الذي جاء به نبينا محمد (صلی الله عليه وسلم) والمبدأ الذي من أجله ضحی الحسين ومن معه بأنفسهم، وبترك ف?ر وعقيدة إبن سبأ اليهودي وأتباعه الذين إرت?بوا تلك الجريمة بحق الإسلام والمسلمين ؟

وأما البقاء علی تلك الف?ر والعقيدة التي أتی بها أولئك الغدارون، ناقضي العهود والمواثيق والإستمرار عليها، ومن ثم التعامل مع الحدث وفقا للبدعة التي إبتدعها أتباع إبن سبأ اليهودي واعتبارها عبادة أو وفاء للحسين، هو الجهل المطبق، إن لم نقل أنه الغباء.

ولقد أخبر النبي (صلی الله عليه وسلم) أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (19). أي أنهما الآن في الجنة فرحان بما آتاهما الله تعالی، وأن الذين غدروا بالحسين وقتلوه، قد أفضوا إلی ما قدموا، وينالون ما يستحقون من جزائهم العادل، فهل الب?اء والضرب والشتم واللعن هو من أجل أن الحسين يتمتع في الجنة، أم من أجل أن الذين إرت?بوا تلك الجريمة ينالون جزاءهم ؟ إذن فلا حاجة إلی الب?اء ولا الضرب بالسيوف، ولا إسالة الدماء ولا التمرغل في الوحل.

وإذا ?ان الحسين (رضي الله عنه) نهی أخته زينب (رضي الله عنها) عن الب?اء عليه أو شق الجيوب، بقوله: " يا أخية إني أقسمت فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت (20). فما بالنا إذن نحن نفعل ذلك ؟!

               

(1) البداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8 ، ص161.

(2) الإرشــاد للشيخ لمفيد. ج٢. ص٧١.

(3) الإرشــاد للشيخ المفيد. ج٢. ص٦٧.

(4) البداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8. ص172.

(5) البداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8. ص167-168.

(6) مروج الذهب للمسعودي. ص373.

(7) البداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8. ص174

(8) البداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8. ص173.

(9) الإرشــاد للشيخ المفيد. ج2. ص72.

(10) تنزيه الأنبياء للشريف المرتضی.ص229 . والإرشــاد للشيخ المفيد. ج2. ص73- 74. ومروج الذهب للمسعودي. ص375.

(11) البداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8. ص182.

(12) الإرشــاد للشيخ المفيد. ج2. ص78- 79.

(13) تنزيه الأنبياء. الشريف المرتضی.ص229. والبداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8. ص 183.

(14) البداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8. ص175.

(15) إعلام الوری للطبرسي. ج1. ص453. والبداية والنهاية لإبن ?ثير. ج8. ص189.

(16) الإحتجاج للطبرسي. ج2. باب خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب بحضرة أهل الكوفة. ص29.

(17) الإحتجاج. للطبرسي. ج2. باب احتجاج فاطمة الصغرى على أهل الكوفة. ص27- 28.

(18) إعلام الوری للطبرسي. ج1. ص476.

(19) سنن الترمذي/ 3859 و3872، وسنن إبن ماجە/ 118، ورواه الإمام أحمد في مسنده/10814 و11418 و11444.

(20) الإرشــاد للشيخ المفيد. ج2. ص93- 94.