تعالوا كلكم إلى كلمة الحرية... وبعد النصر تخاصموا
تعالوا كلكم إلى كلمة الحرية...
وبعد النصر تخاصموا
د. سماح هدايا
عندما يكتب الأطفال على جدران من مكان قصي في مذبح في سوريا الكبير: "الثورة تشارك الأعمال والآمال لواقع أفضل. شارك رغيفك مع الآخرين."، يسقط تحت أقدامهم البريئة الصامدة مسير النقيق لكل المعارضين المتقاتلين على اختلافتهم وخلافاتهم، الذين يخونون دماء الشهداء، بسبب معارضتها لمذاهبهم الفكرية والعقائديّة والحزبيّة. أستغرب جدا أننا، وبعد كل ماحصل من تضحيات عظيمات، مازلنا نرجم بعضنا، ومازلنا نجلد بالكره جلود بعضنا، ومازلنا نأكل لحم بعضنا. يريد واحدنا أن يلقي صخرة على اخيه في الوطن لكي يفعصه فلا يبقى ويتكلم بما لا يرضيه. وللأسف إرضاء السوري غاية لا تدرك.
الجهل والتخلف رغم الشهادات والألقاب العلمية، منتشران يسوغان للسوري النخبوي وغير النخبوي، ألا يقبل بحرية الآخر وألا يعترف بحق الآخر في مشاركته كل شيء، وأن ينظر إليه من أعلى باشمئزاز. الآخر قد يكون سلفيا. قد يكون علمانيا. قد يكون إخوانيا. قد يكون ليبراليا. قد يكون مؤمنا. قد يكون ملحدا. لكنه الآخر ابن الشعب والوطن الذبيح. ومادام يقاتل، بدمه، رأس الظلم والاستبداد وأزلام الجور والطغيان، من أجل وطن حر عادل كريم، بغض النظر عن مسمى دولته؛ فلنتشارك معا ألم المعركة وأمل النصر واستشفاف الغد. وكل ما تبقى وهو كثير كفيل به صندوق الاقتراع. الهروب بالمخاوف إلى النتائج والأحكام وممارسة الرجم والجلد والإقصاء، يضر أولا بالهارب والخائف، قبل أن يضر بأي جهة أخرى. تعالوا إلى كلمة توحدنا وهي الحرية، اتفقوا عليها وتخلصوا من المجرم السفاح، ثم بعدها تقاتلوا بشدّة على نصيبكم من هذا الوطن الحزين.
إنه وطن جريح يجمع آهاتنا. ويلملم جراحاتنا. له دماؤنا وأرواحنا وأحلامنا. ومن أجله وأجل إنسانه تتفجر ثورتنا وتعلو أغانينا وقصائدنا وأشعارنا و تتحرك أفلامنا وقصصنا. ولا خلاص له، أو لنا إلا بميثاق وحدة وطنية متينة تلونها المتناقضات كما تلون سماء الربيع شموس وغيوم ، وتلون أرضها خضرة فيها حمرة وصفرة وبياض وحبات مطر وتراب خمره شتاء في موقد باطن الأرض.
فلنجدّد دائما عهدنا الآذاري العظيم للمضي في طريق الثورة نحو الحرية. وعندما تصبح لنا عزة وكرامة في أرض حرة بعد انتصار ثورتنا، نستطيع أن نتقاتل، بشرف، كما يحلو لنا، لكي يكون لنا جميعا صوتنا الهدار في هدير أمواج الوطن الجديد. ليتكم تكفون عن جهلكم ومخاوفكم وفرقتكم. إن الشجاع الواثق من مبدأ الحرية والعدالة لا يخاف؛ لأن يقينه بانتصار حقه في نضاله القويم أكبر من مخاوفه.