التلاعب بالأخلاق
د.أحمد محمد كنعان
لقد دعت الأديان السماوية قاطبة إلى الأخلاق الإنسانية النبيلة التي ترعى حقوق الإنسان ، وتصون كرامته ، وتكفل حريته ، وتحترم معتقداته ، ذلك أن أصل الأديان السماوية كلها واحد ، فهي وحي الله إلى أهل الأرض ، وهو سبحانه أعلم بمن خلق وبما يصلح حالهم ، ولهذا نجد سائر الرسالات السماوية تقوم ـ في أصلها ـ على احترام مكارم الأخلاق وتدعو إليها .
إلا أن كثيراً من الفلاسفة والعلماء والأدباء والفنانين أساؤوا إلى مفهوم الأخلاق وشوهوه ، من خلال أعمالهم التي تصور الأخلاق بأنها تسحق الإنسان تحت وطأة إكراهاتها ، وتخنق حريته ، وتكبت مشاعره ، وتحرمه من متع الحياة ، وتقمع شخصيته وتجعله نهباً للوساوس والاضطرابات النفسية والجنسية والعاطفية !
وهذا ما نجده مثلاً في مختلف أعمال طبيب النفس "فرويد" الذي زعم أن "الغريزة الجنسية" هي التي تتحكم بأخلاق البشر وتوجِّه سلوكهم ، وانطلاقاً من هذه الفكرة الشهوانية دعا فرويد إلى إطلاق الحرية الجنسية حرصاً على الصحة النفسية للإنسان حسب زعمه ، وكذلك فعلت معظم الروايات والقصص والمسرحيات والأعمال الفنية التي حظيت بشهرة عالمية ، فقد شوه كثير منها مفهوم الأخلاق من خلال الانتقاد اللاذع للأخلاق الإنسانية النبيلة ، وتصوير من يلتزم بهذه الأخلاق بالسذاجة والسطحية وضعف الشخصية ، وتصوير من يخرج عن هذه الأخلاق ويخالفها في صورة الأبطال العظام الذين يستحقون التقدير والاحترام ، وكذلك فعل كثير من الأعمال الفلسفية القديمة والمعاصرة التي دعت إلى التمرد على أخلاق المجتمع بغض النظر عن صلاح هذه الأخلاق أو فسادها !
وهكذا اكتملت المؤامرة على مفهوم الأخلاق حتى بات مفهوماً مشوهاً محصوراً في بعض الشؤون الصغيرة التي لا تتعدا غالباً العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء ، إلا أن التطور الذي شهده عصرنا الراهن في وسائل الاتصال والإعلام ، وبعد تلك الحروب المدمرة والمآسي الاجتماعية والسياسية الرهيبة التي نتجت في الماضي عن الاتجاهات المسيئة للأخلاق ، بدأ مفهوم الأخلاق يستعيد مكانته ومعناه باعتباره مفهوماً شاملاً يتعلق بالمسائل الإنسانية الكبرى : الحرية ، حقوق الإنسان ، تقرير المصير .. وغيرها من المسائل الجوهرية التي تشكل في مجموعها مفهوم "الأخلاق" الذي نادت به الأديان السماوية قاطبة .