هل التشيع في العراق علوي أم صفوي 2
هل التشيع في العراق
علوي أم صفوي؟
الجزء الثاني
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
بعد تأسيس العراق الحديث إتخذ الصفويون طرقا غير مباشرة لبسط نفوذهم على شيعة العراق ورغم إن تلك المحالات سبقت تأسيس المملكة العراقية، لكنها إشتدت واتخذت استراتيجية بعيد المدى بعد ذاك، جرى تنفيذها ببطء وهدوء على مراحل متعاقبة، مع الحرص الشديد على السرية وتجنب إثارة الأنظمة الحاكمة ومخاوف سنة العراق خصوصا، والعرب عموما. وهذه الاستراتيجية لا تزال نافذة المفعول وتكشفت للعيان بعد غزو العراق. إعتمدت الإستراتيجية الإيرانية على العامل البشري فقط والعزف على الوتر المذهبي. فمتى ما تمت السيطرة على البشر تسهل السيطرة على بقية العوامل. كانت إستراتيجية ذكية جدا وخبيثة جدا في نفس الوقت. ولكننا نعترف بنجاحها وتسجيلها أرباحا خيالية في رصيد الحكومة الإيرانية. تتلخص أساليب الاستراتيجية الفارسية للتغلغل في العراق والهيمنة على مقدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية بما يأتي:
تقوية الصلات بالمواطنين من التبعية الفارسية المقيمين في العراق: وهي مرحلة تمهيدية لزراعة الخلايا النائمة وتفجيرها في الوقت المناسب كما جرى في اليمن والسعودية، وسيجري لاحقا ببقية دول الخليج العربي والتمدد للدول العربية في أفريقيا. علاوة على ضخ عناصر فارسية ومنهم رجال مخابرات بأغطية مختلفة كرجال دين وتجار وعمال للعمل في العراق أولا، ومن ثم إستيطانه لاحقا ولم تفطن الحكومات خطرها الجدي الا بعد ترحيل ذوي التبعية الفارسية مع بدايات الحرب العراقية.
شراء البيوت والأراضي وتسجيلها بإسم مواطنيين إيرانيين: وهذا الأمر لا يختلف عن فعل الصهياينة قبل وبعد عام 1948 من خلال التهافت على شراء البيوت والأراضي الفلسطينية بأسعار تزيد عن قيمتها الحقيقية. ويلاحظ التركيز على المناطق ذات الكثافة الشيعية او المتاخمة للحدود بين البلدين. وفعلا تم شراء مساحات واسعة في البصرة وكربلاء والنجف وسجلت بأسماء مواطنين فرس او عراقيين من التبعية الفارسية.
دعم الحوزة العلمية في النجف: وضخ المزيد من المراجع والآيات الفرس إليها بالتعاون مع البريطانيين، فالحوزة كما هو معروف تقع داخل دائرة النفوذ البريطاني، وتنصيب المراجع لا يتم إلا بإرادتها. وقد بانت الحقيقة بعد غزو العراق عام 2003 ورحلة السيستاني لبريطانيا في بداية الغزو مع طاقم حوزوي يزيد عن(30) شخص بحجة الفحوصات الطبية. إلتقوا خلالها بمسئولين بريطانيين وأحيطت المفاوضات بين الجانبين بسرية تامة.
ضخ الأموال للحوزة العلمية في النجف وكربلاء: لتفعيل نشاطاتها المذهبية وإظهار الإهتمام بالعتبات المقدسة أمام أنظار الشيعة، الحرص على سد إحتياجاتها، علاوة على الهدايا ومنها أقفاص الذهب والمجوهرات والمساهمة في تعمير وتذهيب الأضرحة والمراقد.
تشجيع الزواج من فارسيات: سيما من سكنة كربلاء والنجف من خلال الحجيج الفارسيات للمدينة (يطلق على زائر كربلاء والنجف حاج عند الصفويين) وهذه الظاهرة كانت لها خطورتها في تفريس المحافظة. حيث كانت كربلاء تسمى قبل التوغل الفارسي" بالوعة البؤس الهندي" لكثرة ما فيها من هنود. ولكن بعد ذلك هيمن عليها الفرس. حيث قدر عدد سكانها في مطلع القرن 20 حوالي(50) ألف نسمة يشكل الفرس منهم 75% والعرب أقل 25% (المصدر تقرير حماية الحجاج الهنود البريطانيين عام 1929 برقم730/159). وكان لعائلة آل كمونة وهم من أصول فارسية نفوذ كبير على المدينة من خلال توليهم منصب سدنة الحضرة الحسينية سيما الأخوين( محمد علي وفخر الدين- جدتهما إبنة فتح علي شاه كما يشاع) حيث كان لهم دورا خطيرا في تفريس المدينة، لغاية إنهاء نفوذهم بعزلهم من قبل القوات البريطانية في العراق(تقرير بريطاني عن الإدارة المدنية برقم 371 للفترة1914-1919).
وجاء في تقرير للقنصلية البريطانية في العراق برقم(977 في 33 شباط1943) بأنه لفت إنتباه السواح الأجانب في العراق بأن مدينة كربلاء لم تكن على طراز عربي، حيث يغلب على عمارتها وأسوقها الطابع الفارسي. ويذكر إسحق نقاش بحلول القرن العشرين كان غالبية النشاط الاقتصادي والاجتماعي والديني في كربلاء بيد الفرس. وهذه الظاهرة تتفشى منذ عقود في دول الخليج العربي وسيدفعون ثمنها لاحقا. فالعراق درس قاس للعرب لكنهم لا يتعظوا منه.
الإبقاء على مظاهر الجهل والتخلف في المجتمعات الشيعية: بإعتبار الثقافة والوعي ينهيان سطوة رجال الدين أو يحدان من نفوذهم على أقل تقدير. لذلك لا نستغرب الحملة الشعواء التي قادها المجتهدون ضد التعليم في المدارس الحكومية. (للمزيد راجع علي الوردي/ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي). وبعد الغزو إستمر نفس النهج الخبيث، ويقدر عدد الأميين في العراق ب(5) مليون أمي بعد أن غسل الشعب يده من الأمية وكُرم بجائزة من منظمة اليونسكو. ويوجد عدد كبير من الطلاب في المناطق الشيعية حاليا يدرسون بمدارس مبنية من الطين(على الطراز البابلي). هذا ما قدمته الحكومة الشيعية في العراق لأتباع آل البيت فهنيئا لهم على تلك المكرمة وغيرها!
طبع وارسال الكتب: وأمهات المصادر والمنشورات الصفوية للحوزات والمكتبات والمراكز الثقافية جنوب ووسط العراق. وتأسيس المدارس الشيعية كأسبقية أولى في البصرة وبغداد ومن ثم بقية المحافظات العراقية. ويذكر نقاش في كتابه شيعة العراق"كان الفرس موجودين بإعداد كبيرة في بغداد والبصرة وطويريج". وطويريج كما معروف معقل نوري المالكي وربما لمن يعمل في الأنساب ان يوافينا بحقيقة عرقه. وقد إشتدت الغارات الثقافية بعد عام 2003 من خلال معارض الكتب الايرانية وترويج الكتب ذات النهج الشعوبي، أو من خلال تجار الكتب الذين يستوردونها من ايران بأسعار تشجيعية(بعضها مجانا والآخر لا تغطِ سعر الكلفة.
إضفاء صفة المظلومية على شيعة العراق: من خلال منع مشاركتهم بصورة فعالة في أجهزة الدولة بإصدار الفتاوى التي تحرم انخراطهم فيها بحجة إن الحكومات السنية لا تعتبر شرعية. فالشيعة كما هو معروف يتبعون فتاوى علمائهم بصورة عمياء. ومن الفتاوي البلاوي كانت فتوى المجتهد الفارسي مرزا محمد تقي الشيرازي عام 1920 وكذلك فتوى مهدي الخالصي عام 1921 اللتان حرمتا الوظائف الحكومية على الشيعة، لأنها من أعمال التعاون مع الكفار(السنة) على حد زعمهم.( (للمزيد راجع عبد الله النفيسي/ دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث).
بسبب تلك الفتاوى الحمقاء حُرم العراق من الإستفادة من عقلية ونشاط نسبة كبيرة من شعبه. وقد أغاض هذا الأمر السياسي العريق (جعفر ابو التمن) الذي اعتبر فرض الحظر على تعيين الشيعة في وظائف الحكومة من قبل المجتهدين للفترة 1920 ـ 1927 كان السبب في عرقلة تقدم الشيعة في الدولة.( وقد إستمر الحظر على تعيين الشيعة في مؤسسات الدولة لغاية14/9/1927 حيث رفع بعد إجتماع عدد من المجتهدين في النجف من بينهم محمد حسين كاشف الغطاء وهادي كاشف الغطاء ومحمد بحر العلوم والشيخ جواد الجواهري وعبد الكريم الجزائري). لكن رغم تلك الفتوى لم تنته العزلة بشكل كامل. حيث بقى بعض المراجع على رأيهم في فرض حظر التعيين على الشيعة بوجود حكومة سنية. ويمكن القول إنه بعد الهجرة من الريف الى المدن سيما العاصمة بغداد في زمن عبد الكريم قاسم أضطر الشيعة المهاجرون للإنخراط في اجهزة الدولة سيما الجيش والشرطة والزراعة واعمال البناء بسبب الفقر والحاجة الى مكسب ثابت.
إشاعة ما يسمى(الخطر السني): وضرورة مواجهته بالتعاون مع اية جهت كانت حتى لو كان الشيطان نفسه! فالخطر السني في الفلسفة الصفوية أشد من كل المخاطر بما فيه الإستعمار نفسه. ومن الغرائب أن المندوب السامي في العراق(ب بورديلون) نقل عن احد زعماء الشيعة الذين وفدوا عليه قوله" إننا نقر ونعترف بأننا جهلة وغير متعلمين ولايمكننا في الوقت الحاضر من أخذ حصتنا من الوظائف الحكومية. ما نسعى إليه الآن هو سيطرة بريطانيا على العراق. وإنقاذنا من الهيمنة السنية حتى يتعلم ابنائنا، وبعدها سنأخذ مكاننا المناسب في الوظائف الحكومية". وقد تجدد العمل بهذه المقولة بعد الغزو فالسنة رغم ضعفهم وتشتتهم وإفتقارهم لزعامة موحدة ما زالوا يشكلون هاجسا في العقل الشيعي. لذا تعاون مراجعهم مع الغزاة الامريكان والبريطانيين قبل وبعد عام 2003 سرا وعلنا. وهذا ما كشفته مذكرات بريمر ورامسفيلد. ولا نعلن سرا بأن 90% من المعتقلين في السجون العراقية هم من السنة. و100% من المعدومين هم من السنة. حتى أمست المادة/4 إرهاب تسمى المادة 4/سنة. ونتحدى وزارة العدل ووزيرها الصفوي الشمري بأعلان مذهب المعتقلين والمعدومين؟ ستكون فضيحة بجلاجل للحكومة! ومن المؤسف ان لا يسمع صوت هؤلاء المعتقلين من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ونقابات واتحادات المحامين العربية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني!
التبشير المذهبي: من خلال الإستعانة بما يسمى بالموآمنة والسادة وتوزيعهم على المناطق الريفية سيما التي تعج بالعوام الجهلة والمتخلفين حضاريا وفكريا لجذبهم للمذهب وتصويره بأنه مذهب الفقراء والضعفاء والمظلومين والمحرومين. ويذكر اسحق نقاش بهذا الصدد" ان هجومات الوهابية على العراق وخاصة كربلاء والنجف في القرن 19 كانت من أهم العوامل التي دفعت علماء الشيعة لتكثيف نشاطهم التبشيري على العشائر العراقية. وتعزيز ونشر المذهب الشيعي في العراق". والعجيب في هذه الفئة التي أصرت على إنتخاب المالكي لدورتين وستنتخبه ثالثا ورابعا بأنها تضررت من سياسته أكثر من غيرها. لكن الطائفية تعمى البصيرة.
وقف المد العروبي للعراق: والعمل على سلخه من محيطه العربي وهذه ظاهرة ليست جديدة فشيعة العراق كما هو معروف رفضوا بشكل حاسم إنضمام العراق إلى اتحاد كونفدرالي عربي خشية من تراجعهم الى مكانة هامشية. لذلك عارضوا بشدة فكرة تأسيس الجامعة العربية والإنضمام إليها بتأثير المراجع الفرس. ويلاحظ ان هذه النزعة غير العروبية توضحت جيدا بعد غزو العراق. فقد شنت حملت شعواء على العرب والعروبة ولم تنحصر الحملة على العراق فحسب، فقد شهدنا لافتات المتظاهرين في البحرين تمجد الفرس وتطعن بالعرب! وقد إنسلخ العراق فعلا كعضو من جسد العروبة. فالسرطان الفارسي يهاجم خلايا العروبة بقوة ويفتك بها ولم تعد المقاومة كافية للعضو المنهك. لذا من الصعب ان تهضم تسمية العراق كبلد عربي حاليا. فقد تقاسمه الكرد وشيعة الفرس، ففي المؤتمرات العربية قلما تشهد حضور عربي إلا ما ندر.
التستر بمظهر حماة الإسلام: من خلال التصدي للأفكار الشيوعية والإلحادية والصهيونية. فخلال الإحتلال البريطاني للعراق وبدفع منهم لوقف المد الشيوعي، سخر الانكليز المجتهدين في كربلاء والنجف لمقاومة الشيوعية بإعتبارها فكر إلحادي يتعارض مع الإسلام. وإشتدت الحملة بعد رجوع (الشيخ محمد الخالصي) من منفاه في إيران إلى العراق - بتوصية من البريطانيين- للمساهمة في درء خطر الشيوعية التي انتشرت كالنار في الهشيم بين الشيعة، بما فيهم ابناء المراجع أنفسهم. ووصل الأمر ذروته عام 1960 عندما أصدر المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم فتوى هاجم فيها الشيوعية واعتبرها معادية للإسلام. وكلنا شهد مسرحية سلمان رشدي من إخراج الخميني رغم إن ضررها إنحصر على العرب المسلمين وليس الفرس المسلمين. وانظروا الآن لم نشهد أية ردة فعل تجاه الفيلم المسيء الجديد(براءة الإسلام)! فهل الرواية المسيئة للنبي(ص) لاتجوز والفيلم يجوز؟
الوقوف بحزم ضد الأنظمة السياسية الحاكمة: حتى لو سنت قوانين لصالحهم. خلال الاحتلال البريطاني للعراق مثلا أوعز وزير الداخلية عبد المحسن السعدون عام 1922 للمحافظين التهيؤ لأنتخابات الجمعية الدستورية. وقد عارضها علماء الشيعة بشدة ووصفوها بـ(حكم بالإعدام على الأمة الاسلامية). وفي نهاية العام نفسه أصدر( أبو الحسن الاصفهاني ومهدي الخالصي وحسين النائيني) فتوى بعدم شرعية الانتخابات! بل وتكفير كل من يشارك فيها. ومن طريف ما جاء في فتوى الخالصي" قد حكمنا بحرمة الأنتخابات. والمشارك فيها يعتبر معادي لله ورسوله وأئمة المسلمين، ولا يدفن في مقابر المسلمين". كما تضمنت فتوى الاصفهاني أمورطريفة " أي مسلم يشارك فيها تحرم عليه زوجته! ويمنع من دخول الحمامات العامة وينبذه سائر المسلمين". نفس المأساة تكررت مع إنتخابات العراق عام 2005. فقد أعتبرت القائمة الشيعية(قائمة الإمام علي والحسين وآل البيت) وعدم إنتخابها يعني معاداة أهل البيت، وإنتخاب قائمة معاوية، والحرمان من الجنة وغيرها من التخاريف! وشيعة العراق كانوا الطرف الأكثر خسارة من غيرهم في العمليتين الإنتخابيتين السابقتين والقادمة أيضا سيخسرون أكثر.
الإدعاء بحماية المذهب وما يسمى حاليا في العراق بنصرة المذهب: من خلال تشجيع ممارسة الشعائر الشيعية كعيد الغدير ومراسم عاشوراء. وارسال الزناجير والسيوف لممارسة الأعمال السادية في عاشوراء. وحث المراجع الفارسية في العراق على التشبث بتلك الممارسات السادية كطابع خاص يميز أتباع آل البيت. وربما سيضاف لاحقا عيد النوروز(المجوسي) كعيد إسلامي في العراق إسوة بإيران! سيما هناك أحاديث منسوبة للإمام جعفر الصادق تمجد النوروز.
من طريف ما يذكر بصدد مراسم عاشوراء أنه خلال السيطرة العثمانية على العراق لم يمنع الولاة العثمانيون الشيعة من إداء مراسيم عاشوراء بصبغتها الفارسية(مع هذا يمقتون الدولة العثمانية). وكانت تجري بحضور وإشراف القنصل العام الإيراني في العراق. وفي العراق الملكي حضر الملك فيصل الأول مراسم عاشوراء في مدينة الكاظمية عام1921 ولم تجدِ محاولات السيد(محمد الصدر) من إقناع المطبرين والمسوطين الفرس وذوي التبعية الفارسية وبعض شيعة العراق بإستعراض ممارساتهم السادية أمام جلالة الملك. حيث رفضوا ان يستعرضوا إلا أمام القنصل الإيراني بتأثير المراجع الفارسية بالطبع. وكان لهذا الموقف تأثيرا على نفسية الملك وربما كان له أثر في موقفه من المراجع الفارسية. فقد ذكرت تقارير بريطانية بأن جلالته" كان جادا في رغبته لإضعاف نفوذ المجتهدين الفرس في العراق لعدم ثقته بهم، لأنهم غير مخلصين للدولة العراقية" المصدر Intelligence Reports nos2 in 15/1/1922. ) ).
للحديث تابع بعون الله.